البطالة في العراق تتجاوز 40 % .. والعمالة الأجنبية تعزز حضورها

هنود وبنغلاديشيون ونيباليون وأوغنديون وأثيوبيون يؤدون ما يرفضه العراقيون.. توجه لاستقدام أوروبيين

عمال بنغلاديشيون يتقاسمون السكن في غرفة ببغداد («نيويورك تايمز»)
TT

يؤكدون أنه كان باستطاعتهم التوجه إلى دبي أو السعودية أو حتى أوروبا، لكن من الواضح أن بغداد تحولت إلى الجهة التي تقصدها أعداد متزايدة من العمال الأجانب بمحض اختيارهم، ما يعد مشهداً غريباً في مدينة لم يكن بوسع العمال الأجانب بها حتى وقت قريب الاحتفاظ بحريتهم أو الإبقاء على حياتهم لفترة كافية لاستلام رواتبهم. ويقول زاهاندوير ألوي، 25 عاماً، وهو نادل ولديه أسرة مؤلفة من زوجة وطفلين في بنغلاديش، بلده الأصلي: «في بعض الأحيان، تصل إلى مسامعي أصوات انفجارات، لكنني لا آبه. يروق لي العمل هنا». في أحد الأيام القريبة، كان ألوي يعكف على تنظيف الأطباق داخل المطعم الذي يعمل به، الذي يعتبر واحداً من عشرات المطاعم والمنازل والفنادق التي أصبح من المحتمل على نحو متنام أن ينتمي النادلون والطهاة وعمال النظافة بها إلى الهند وأوغندا وبنجلاديش ونيبال وأثيوبيا. والملاحظ أن هؤلاء العمال لم يجر التعاقد معهم من خلال شركات أميركية مثل «كيه.بي.آر» أو «هاليبرتون» للعمل في الكافيتريات التابعة للمؤسسة العسكرية الأميركية هناك أو للقيام بأعمال حراسة بالقواعد العسكرية الأميركية، وإنما لا يعدون كونهم رجالا ونساء أتوا للعمل لدى الشركات التجارية العراقية التي في حال عدم وجودهم كانت ستلجأ للاستعانة بعراقيين. ولكن رغم معدلات البطالة المرتفعة في العراق التي يقدرها البعض بـ40%، فإن المشكلة القائمة هنا تشبه ما عليه الحال بالكثير من الدول الأخرى، وتتركز حول أنه رغم تقاضي العراقيين أجورا أعلى مما يتقاضاه الأجانب، يؤكد الكثير من أصحاب الشركات التجارية أنه يكاد يكون من المستحيل الاحتفاظ بعاملين عراقيين في وظائف متدنية المستوى لفترة تزيد على بضعة أسابيع. وفي هذا الصدد، أشار باسل راضي، 54 عاماً، وهو عراقي يملك مطعماً، إلى أن: «هناك بعض الوظائف لن يقبل العراقيون العمل بها ـ حتى ولو لم تكن أمامهم فرص عمل أخرى».

ألوي، النادل، الذي يتقاضى أجراً يبلغ ضعف ما كان يحصل عليه في وطنه، يعيش في غرفة بأحد الفنادق بجوار المطعم الذي يعمل به (حيث يجري تفتيش العملاء بحثاً عن أحزمة ناسفة قبل السماح لهم بتناول الطعام). ويؤكد أنه ليست لديه أي معرفة ببغداد فيما وراء بضع خطوات من المطعم والفندق. وقد نصحه البعض بعدم السير في الطرقات بمفرده. وفي الوقت الذي يعمل فيه ألوي ما يصل إلى 15 ساعة يومياً، على مدار ستة أيام أسبوعياً، مقابل 250 دولاراً شهرياً، إضافة إلى شهرية تبلغ 50 دولاراً، فإن أقرانه من العراقيين يحصلون على ما يتجاوز ضعف ذلك ـ رغم عملهم لساعات عمل أقل بكثير. من جهته، برر صاحب المطعم، حسين قدوري، 28 عاماً، هذه الترتيبات. وقال في إشارة إلى النادلين البنغلاديشيين العاملين لديه: «إنني أتحمل تكاليف إقامتهما بالفندق وقص الشعر والرعاية الطبية. كل شيء يجري سداده مباشرة من جانبي». يذكر أن قدوري كان يمتلك مطعماً من قبل تعرض للنسف بسبب تفجير انتحاري لسيارة مفخخة عام 2004. ومن بين إجمالي 45 عاملا لديه، يوجد 5 بنغلاديشيون. وقال راضي إنه خلال فترة الشهور الخمسة التي انحسرت فيها أعمال العنف نسبياً، ما سمح له بإعادة فتح مطعمه، قام بتعيين مئات العراقيين للعمل كنادلين وفي غسل الأطباق وأعمال النظافة والطهي. وأكد أنه سئم ما أطلق عليه تقاليد العمل العراقية التي تقوم على الريبة ويسعى حالياً للاستعانة بالمزيد من العمال الأجانب. من ناحية أخرى، صرح عبد الله اللامي، المتحدث الرسمي باسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية، بأنه في الوقت الذي ربما تزداد فيه ظاهرة الاستعانة بعمال أجانب خلال الشهور القادمة في العراق، فإنها تبقى إجراءً غير قانوني. وأضاف أن شركات التوظيف تستخرج تأشيرات بغرض السياحة للعمال الأجانب ولا تسمح هذه التأشيرات للأجانب بتقلد وظائف. وقال اللامي: «مكاتب التوظيف التي تقوم بتلك الأعمال غير قانونية. أما الذين يستعينون بهؤلاء العمال فيحاولون الاستفادة من انخفاض أجورهم». في المقابل، أكد بلال هادي، صاحب «شركة الوطنية»، وهي واحدة من بضع وكالات توظيف تستقدم عمالا أجانب، أنه حصل على موافقة حكومية على عمله، مشدداً على أنه لا يستغل العمال. وأشار إلى أن العمال الذين تستقدمهم شركته إلى العراق عبر مكاتبها في بنجلاديش ودبي تجري اتصالات شهرية بالعمال الذين تعاقدت معهم لضمان تلقيهم معاملة طيبة. وقال: «ربما تقع حالات إساءة معاملة، لكن هذا ليس خطئي». وأوضح أن الشركات الساعية للاستعانة بأجانب عادة ما «توظف اثنين أو ثلاثة على سبيل الاختبار»، قبل أن تطلب المزيد. وأضاف هادي أنه خلال الشهر الذي افتتحت الشركة مكتبها في بغداد، استقدمت إلى العراق 400 عامل أجنبي، جميعهم يعملون حالياً. وأكد أنه ينوي في الخطوة التالية استقدام عمال أوروبيين ـ خاصة من روسيا وأوكرانيا وجورجيا ـ للعمل نادلات وفي المنازل. وأوضح أنه سيوظفهم مقابل 350 دولارا شهرياً. من بين الأجانب الذين قدموا حديثاً إلى العراق مجموعة مؤلفة من ستة خبازين قدموا من مدينة راجشاهي في بنجلاديش. ويعيشون معاً على سطح أحد المستودعات الإسمنتية. ورغم قسوة الظروف المعيشية، قال محمد أيوب حسين، 37 عاماً، ولديه أسرة من زوجة وطفلين في وطنه، إنه يود البقاء في العراق لبعض الوقت. وقال: «أود البقاء هنا ربما لأربع أو خمس سنوات لجني بعض المال. لقد أتيت هنا من أجل العمل».

* خدمة: «نيويورك تايمز»