وريث سلالة نهرو ـ غاندي يروّج لحزب المؤتمر الحاكم بين 170 مليون ناخب شاب في الهند

يبذل جهودا في انتخابات الشهرالحالي.. استعدادا لعام 2014

راؤول غاندي
TT

من بين مفاجآت انتخابات عام 2009 التي تشهدها الهند أن مرشحي حزبَي «المؤتمر الحاكم» و«بهاراتيا جاناتا» لمنصب رئيس الوزراء في السبعين والثمانين من عمرهما، في وقت تقل فيه أعمار ما يزيد على نصف السكان، البالغ إجمالي عددهم 1.15 مليار هندي، عن 25 عاما، وهناك ما يقرب من 170 مليون ناخب من الشباب. وبذلك تتضح حاجة الهند إلى ظهور قيادات شابة في الانتخابات القادمة المقرر إجراؤها عام 2014. وتدور معظم التكهنات على هذا الصعيد حول راؤول غاندي، الذي يمثل الجيل الرابع من أعرق عائلة سياسية بالهند، وهي عائلة نهرو ـ غاندي. ومن المعروف أن راؤول نجل رئيسة حزب المؤتمر الحالية سونيا غاندي، وهي واحدة من أقوى الشخصيات السياسية في البلاد. أما والده فهو راجيف غاندي، رئيس الوزراء السابق، الذي اغتيل عام 1991. كان غاندي في الرابعة عشرة من عمره عندما اغتيلت جدته رئيسة الوزراء السابقة أنديرا غاندي على يد حرسها الخاص عام 1984. أما جده الأكبر جواهر لال نهرو، فكان أول رئيس وزراء للهند. يُذكر أنه منذ نَيل الهند استقلالها عام 1947، سيطرت عائلة نهرو ـ غاندي على زعامة حزب المؤتمر في معظم الفترات. وبالنظر إلى هذه الهالة المحيطة بعائلة نهرو ـ غاندي، يتعذر على الكثيرين من أنصار حزب المؤتمر تخيل مستقبل الحزب دون تولي أحد أفراد نسل غاندي لقيادته. وعليه، أعلن بعض كبار أعضاء الحزب، أمثال وزير الخارجية براناب مخيرجي ووزير الموارد البشرية أرجون شنغ، دعمهم لتولي راؤول (38 عاما) قيادة الحزب، مؤكدين أنه: «لسنا ببعيدين عن اليوم الذي سيتولى راؤول غاندي رئاسة الوزراء. إنه أحد النجوم المرشحين عن حزب المؤتمر». بل وحتى رئيس الوزراء مانموهان سنغ صرح مؤخرا بأن راؤول «يتمتع بالصفات اللازمة كافة لرئيس الوزراء الكفء». ويسود اعتقاد بأنه خلال عام 2009 سيحتفظ رئيس الوزراء الموالي لآل نهرو ـ غاندي، مانموهان سنغ بمنصب رئيس الوزراء، استعدادا لتسليمه لراؤول. وشباب راؤول يروق بالفعل لعدد كبير من الناخبين الشباب في الهند. وخلال الحملات الانتخابية يجري الترويج لراؤول باعتباره الوجه الشاب للهند. ويلفت وجهه في الملصقات الدعائية الانتخابية الأنظار إليه، مقارنة بوجهَي كل من مانموهان سنغ ووالدته سونيا غاندي. وعلى خلاف الحال مع والده راجيف، الذي أبدى ترددا إزاء خوض معترك الحياة السياسية، اتخذ راؤول خطوات جريئة بهذا الاتجاه بمحض إرادته. وجاء دخول راؤول الحياة السياسية الهندية رسميا عام 2004 عندما خاض الانتخابات وفاز بمقعد برلماني عن منطقة أميثي. ورغم إدراكه لقيمة موروثه العائلي، فإنه يعي تماما أن الطريق لن يكون ممهدا أمامه على الصعيد السياسي.

علاوة على ذلك، يدرك راؤول جيدا أن والده عمل تحت وطأة قيود بالغة عندما تولى منصب رئيس الوزراء، نظرا إلى افتقاره إلى خبرة كبيرة بمجالَي التعامل مع الشؤون الداخلية أو العمل كوزير. وخلال الجولة التي قام بها بمختلف أرجاء البلاد على مدار السنوات القليلة الماضية، أطلق حزب «بهاراتيا جاناتا» تعليقات هازئة على راؤول، مشيرين إلى أنه في طريقه «لاكتشاف الهند»، في إشارة ضمنية إلى أنه أشبه بأجنبي.

من جهته، تميز حديث راؤول بالصراحة، حيث قال: «أتمتع بميزة اسم الأسرة. وضمن لي ذلك الدخول بسهولة إلى أعلى مستويات القوة السياسية. وأحظى بقدرة أكبر على الوصول إلى تلك المستويات والانضمام إليها. لكنني أعلم أن الكثيرين منكم لا يحظون بالميزات ذاتها. وأرغب في إعطائكم هذه الفرصة، بحيث تنتهي المحاباة السياسية ومنح الأفضلية على أسس ضيقة الأفق. أود أن يسود العدل والتكافؤ». وقد تميز حديث راؤول بدرجة كبيرة من الصدق لم تعد مألوفة في أوساط السياسيين. وبالنسبة إلى رجل يتعرض لاتهامات بالانتفاع من حياة سياسية تقوم على اعتبارات عائلية، يعمد غاندي الآن إلى تحدي التفاوت وانعدام تكافؤ الفرص داخل إطار العمل السياسي الهندي. وفي يناير (كانون الثاني) 2006، خلال مؤتمر حزبي، طلب الآلاف من أعضاء حزب المؤتمر من راؤول الاضطلاع بدور قيادي أكبر داخل الحزب، وطالبوا بأن يلقي كلمة أمام مندوبي الحزب. وفي كلمته، قال راؤول: «إنني أقدر مشاعركم ودعمكم وأشعر بالامتنان لها، وأؤكد لكم أنني لن أخذلكم». لكنه طلب التحلي بمزيد من الصبر ورفض السعي على نحو فوري نحو القيام بدور سياسي أكبر.

وبعد خمس سنوات، ما زال يجري النظر إلى راؤول باعتباره أشبه بطفل لا يزال يحبو على الساحة السياسية وما زال أمامه الكثير ليتعلمه حول تعقيدات النظام السياسي الهندي. ولا يمكن له نيل هذه الخبرة إلا عبر خوض تجارب على مستوى المواطنين العاديين وخوض معترك الحياة السياسية الهندية لفترة أطول. ومع ذلك، يبقى الكثير من النتائج النهائية معتمدا على الصورة التي سيظهر بها داخل المشهد السياسي الهندي على امتداد السنوات القادمة. وما زال من المبكر التعرف على ما إذا كان حزب المؤتمر الهندي بمقدوره الفوز في الانتخابات البرلمانية لعام 2009 تحت قيادته، وهو تساؤل لن يجيب عنه سوى نتائج الانتخابات، التي تعد بمثابة الاختبار الحقيقي لراؤول. وبالنظر إلى سجل راؤول الماضي، نجده غير مثير للانبهار، ففي خطوة تمهيديه نحو توليته القيادة، تم تكليفه بإدارة الحملة الانتخابية للحزب عام 2007 على مستوى ولاية أتار براديش. وبدلا من إضافة نصر جديد لسجل عائلته، جاء مستوى أداء الحزب الانتخابي في الولاية رديئا في مواجهة حزب «بهوجان سماج». وعلى راؤول أن يضع نصب عينيه أن الانتخابات عام 2009 تعد بمثابة التصفيات قبل النهائية بالنسبة إليه، وليست الجولة النهائية. إذا ما نجح عام 2009، لن يكون هناك ما يحول دون توليه رئاسة الوزراء عام 2014، إذا ما فاز حزب المؤتمر بالانتخابات حينذاك.

خلال السنوات الأخيرة في حياته السياسية، تمكن راؤول من الترويج لصورته كسياسي حذر وصاحب حس إداري، حيث أطلق القليل من التصريحات العامة، بينما جال بمختلف أرجاء البلاد لتحفيز الشباب لمناصرته. إضافة إلى ذلك، زار راؤول الأحزاب السياسية الرئيسة في بريطانيا لدراسة أسلوب تنظيمها السياسي، وحرص على إعادة تنظيم قطاع الشباب بحزب المؤتمر، حيث أجرى انتخابات به وشرع في البحث عن قيادات شابة جديدة. وفي سؤال له حول مستقبله بعيد الأمد، اكتفى راؤول بالقول إنه: «جندي في خدمة الحزب». ويشدد راؤول على أن أولوياته تتمثل في تحسين مستوى التعليم ومستويات المعيشة بين فقراء الهند، وتحدي النظام الطبقي بالبلاد الذي يرى أنه يحول دون استفادة الهند من مجمل إمكاناتها. وأكد على رغبته في تحويل الهند إلى مجتمع يصل فيه الأفراد إلى المناصب لما يمكنهم القيام به، لا للعائلة التي ينتمون إليها. يُذكر أن راؤول يحظى بآلاف المؤيدين له بموقع «فيس بوك».