كلينتون تستبعد عودة العنف الطائفي للعراق.. لكنها ترجح استمرار النزاعات السياسية

المالكي خلال لقائه وزيرة الخارجية الأميركية: لا خطر على العملية السياسية.. وهدفنا تقوية العلاقات مع دول الجوار

وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري أثناء استقبال نظيرته الأميركية هيلاري كلينتون في مطار بغداد أمس (أ.ف. ب)
TT

وصلت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، صباح أمس إلى بغداد سعيا منها لفهم أسباب موجة العنف التي تضرب العراق، قبل تسعة أسابيع من انسحاب مقرر للقوات الأميركية من المدن العراقية، داعية العراقيين إلى أن يضعوا خلافاتهم جانبا في غمرة مخاوف من تجدد الحرب الطائفية جراء الهجمات الدامية التي شهدتها بغداد ومحافظة ديالى.

وقالت كلينتون خلال لقاء حضره 140 عراقيا من طلاب وأساتذة ومنظمات أهلية وناشطين في مجال حقوق الإنسان في السفارة الأميركية «سنواصل العمل بقوة من أجل منحكم الأدوات التي من شأنها تأكيد أن لديكم بلدا آمنا».

وقالت كلينتون «إن زيارتي اليوم هي من أجل تأكيد التزام الرئيس الأميركي والتزامي أيضا والتزام حكومتي لدولة العراق وشعبها، وأؤكد للعراقيين ونحن نمر بهذه المرحلة الانتقالية أننا سنقف مع شعب العراق، ونحن ننظر لوسائل وطرق تساعدنا أكثر في المستقبل».

وأضافت ردا على سؤال حول أهمية العراق بالنسبة للإدارة الجديدة «نحن ملتزمون بالعراق. نريد رؤية عراق مستقر يتمتع بالسيادة ومعتمد على نفسه. لقد أقرت الإدارة السابقة انسحاب جنودنا ونحن ندعم ذلك ونريد القيام به بطريقة مسؤولة». وتابعت «أن طبيعة التزامنا قد تبدو مختلفة نوعا ما، لأننا سنسحب جنودنا خلال السنوات المقبلة».

وردا على سؤال عما إذا كانت تؤيد إعادة البعثيين السابقين إلى القوات الأمنية، أجابت كلينتون «يعود للشعب العراقي اتخاذ القرار بهذا الشأن، لا يوجد أمر أكثر أهمية من عراق موحد».

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن كلينتون قولها «يجب على القوات الأمنية أن تكسب ثقتكم، لكن يتعين على الناس أن يطلبوها. سنعمل عن كثب مع الحكومة العراقية والقوات الأمنية، بينما تقوم قواتنا القتالية بالانسحاب، لكن يجب أن نتأكد من أنكم تؤيدون جميعا قوات أمنية غير طائفية وقوية».

وقد هبطت طائرة كلينتون التي تقوم بأول زيارة لها إلى العراق منذ توليها وزارة الخارجية في يناير (كانون الثاني)، في مطار بغداد الساعة 8.30 (5.30 تغ) قادمة من الكويت غداة مقتل ما لا يقل عن 55 شخصا في هجومين انتحاريين قرب ضريح الإمام الكاظم في الكاظمية، شمال بغداد.

وقالت كلينتون قبل وصولها للصحافيين المرافقين لها «علمنا بالاعتداءات الانتحارية الدامية التي وقعت (الخميس والجمعة)، وأود الاطلاع على تقييم (قائد القوة المتعددة الجنسيات الجنرال راي اوديرنو) لمعنى هذا النوع من الأعمال، وما يمكن القيام به لمنعها».

وقتل ما لا يقل عن 140 شخصا منذ الخميس في سلسلة من العمليات الانتحارية استهدفت بصورة خاصة زوارا شيعة إيرانيين، وذكرت بأعمال العنف الطائفية التي شهدها العراق سابقا، وجعلت من أبريل (نيسان) الشهر الأكثر دموية في عام 2009 حيث سجل خلاله حتى الآن سقوط 250 قتيلا وحوالي 700 جريح. وأوضحت كلينتون أنها «لا تخشى في المرحلة الراهنة» عودة هذا النوع من أعمال العنف التي شهدها العراق على نطاق واسع عام 2006.

وتابعت «أن الاعتداءات الانتحارية التي تتسبب بسقوط عدد فظيع من القتلى والجرحى، هي للأسف مؤشر مأساوي إلى أن أنصار الرفض يخشون أن يسير العراق في الاتجاه الصحيح».

وأضافت كلينتون «اعتقد أنه ستكون هناك دائما نزاعات سياسية في العراق، كما في أي مجتمع، لكنني اعتقد فعلا أن العراق بصورة عامة يسير في الاتجاه الصحيح».

وخلال اجتماعها مع المواطنين العراقيين في السفارة أجابت على سؤال تلو الآخر بشأن ما يمكن للولايات المتحدة أن تفعله لمساعدتهم في كل شيء من التعليم والزراعة إلى تمكين المرأة وحقوق الأقليات. وقالت كلينتون إنها تعلم بأنه ليس من السهل إصلاح روابط المجتمع العراقي. وأضافت «أعلم مدى صعوبة الأمر.. لقد ناضلت بلادي لسنوات عديدة مع كل أنواع الانقسامات، لكن حتى الآن كما تعلمون.. لقد انتخبنا للتو رئيسا أميركيا من أصل أفريقي.. شخصا يقود جميع الأميركيين وليس مجرد مجموعة واحدة»، حسبما أوردته وكالة رويترز.

وفي زيارتها القصيرة اجتمعت كلينتون مع رئيس الوزراء، نوري المالكي، وتحدثت في جلسة مغلقة مع مجموعة من العراقيات اللاتي ترملن خلال السنوات الست الماضية جراء أعمال العنف الطائفية.

ومن جهته، أكد المالكي خلال لقائه بوزيرة الخارجية الاميركية ان اغلب الذين يقومون بالعمليات الانتحارية هم من خارج العراق وان «العملية السياسية لا تواجه أية مخاطر في ظل ما يشهده العراق من اجواء ديمقراطية».

كما أشار الى ان «الاوضاع كانت اصعب جدا قبل عام 2007 وكان الكثير يتصورون اننا لا نستطيع التقدم، ولكننا مضينا في طريق التغيير وتحقيق النجاحات التي بدأت بانطلاق خطة فرض القانون، وأصبحنا نميز بين الاعمال الارهابية التي تقوم بها القاعدة أو بقايا النظام البائد أو العصابات الاجرامية والخارجين عن القانون، ووجدنا أن أغلب من يقومون بالعمليات الانتحارية هم من خارج العراق».

كما اشار المالكي، حسب بيان حصلت «الشرق الاوسط» على نسخة منه «نحن حريصون على تقوية علاقاتنا مع دول الجوار، وقد شهد العراق مؤخرا إقبالا من قبل العديد من الدول التي قامت بفتح سفاراتها والاعلان عن رغبتها في المشاركة في عملية البناء والاعمار»، مؤكدا أن «سياستنا اليوم هي تعميق العلاقات الايجابية مع جميع الدول، ونعمل على حل المشاكل التي تسبب بها النظام السابق، وإقامة علاقات طيبة معها على أساس المصالح المشتركة».

وقال المالكي «نحن على ثقة تامة بأن العملية السياسية لا تواجه أية مخاطر، في ظل ما يشهده العراق من أجواء ديمقراطية ونجاحات في العملية الانتخابية التي كان آخرها انتخابات مجالس المحافظات، وهذه جميعا تشكل أساسا متينا نستند عليه في حل جميع القضايا التي نختلف بشأنها».

ومن المقرر أن تلتقي كلينتون أيضا بالممثل الخاص للامين العام للأمم المتحدة في العراق، ستيفان دي ميستورا، الذي رفع أخيرا تقريرا حول «المناطق المتنازع عليها» بين العرب والأكراد في العراق وعددها 15 منطقة، أبرزها محافظة كركوك النفطية. وسجل تراجع كبير في أعمال العنف في العراق عام 2008 نتيجة تجنيد القوات الأميركية والعراقية لقوات الصحوة الذين سينضم العديدون منهم إلى صفوف قوات الأمن العراقية لاحقا.

غير أن الاعتداءات تطرح مجددا مسألة قدرة القوات العراقية على الاضطلاع وحدها بأمن البلاد. وشددت كلينتون على ضرورة «عدم التدخل في الشؤون السياسية الداخلية» في العراق مع اقتراب موعد الانتخابات المقررة في نهاية السنة. وتقوم كلينتون بزيارتها بعد أسبوعين من زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي حذر من أن الأشهر الـ18 المقبلة ستكون حاسمة بالنسبة للعراق، لكنه أكد أن الوقت حان لتنقل الولايات المتحدة السيطرة على البلاد إلى العراقيين.

وأعلن أوباما في نهاية فبراير (شباط) أن القسم الأكبر من الجنود الـ140 ألفا المنتشرين في العراق سينسحبون من البلد بحلول نهاية أغسطس (آب) 2010 ولن يتم الإبقاء سوى على 35 إلى 50 ألف عسكري في هذا البلد. كما تقوم كلينتون بزيارتها غداة وصول السفير الأميركي الجديد في العراق، كريستوفر هيل، الذي سيشرف على هذا الانسحاب.