نتنياهو يشكل طاقما لإعداد برنامج سياسي تمهيدا لزيارته إلى واشنطن

خبراء في السياسة الإسرائيلية يقولون: لم يتغير.. والتسوية التي يؤيدها هي اللاتسوية

TT

شكل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، طاقما من كبار الموظفين في مكتبه وفي وزارتي الخارجية والدفاع لإعداد خطة عمل سياسية في غضون ثلاثة أسابيع، حتى يقرها في مطبخه السياسي ويحملها إلى واشنطن ليعرضها على الرئيس الأميركي، باراك أوباما، عندما يلتقيه في 18 مايو (أيار) المقبل.

ويضم الطاقم عوزي أراد المستشار السياسي ورئيس مجلس الأمن القومي، ورئيس قسم الإعلام والتنسيق السياسي في ديوان رئيس الوزراء، رون دارمر، وممثلين عن وزارتي الخارجية والدفاع. وبموازاة ذلك يبحث نتنياهو مع وزيري الدفاع والخارجية، إيهود باراك وأفيغدور ليبرمان، مبادئ الخطة السياسية. وعندما تنجز في طاقم البحث يقرها معهما، باعتبار أن الثلاثة معا يشكلون «المطبخ السياسي للحكومة». كما أن نتنياهو ينوي مباشرة الحديث مع قادة الأحزاب اليمينية التي تشكل الائتلاف الحكومي معه، لتجنيد تأييدها لهذه الخطة وإشعارها أنها شريكة في إعدادها.

ويتم تسريب بعض المعلومات عن هذه الخطة بشكل يومي، ليكون النشر بمثابة بالون اختبار يفحص فيه نتنياهو ردود الفعل الداخلية والخارجية عليها، حتى يرسم خطة الإعلام لشرحها أو لشرح التراجع عنها.

وتتألف هذه الخطة، حسب مصادر مقربة من نتنياهو، من ثلاثة فصول: سياسي واقتصادي وأمني. وتنطوي على القبول بحل الدولتين للشعبين، ولكن مع شروط، أبرزها: «أن تكون تلك بشكل فعلي، دولة إسرائيلية تعبر عن المطامح القومية للشعب اليهودي، ودولة فلسطينية تعبر عن الطموحات القومية للشعب الفلسطيني. وأن تقوم الدولة الفلسطينية على شروط أمنية تضمن عدم المساس بأمن إسرائيل، حاليا وفي المستقبل، وذلك بكونها دولة السلاح لا تقيم جيشا ولا تبرم تحالفات عسكرية مع أية دولة وتسمح بنصب رادارات ونقاط مراقبة إسرائيلية داخلها وعلى حدودها بمشاركة أميركية، وحل قضية اللاجئين في أي مكان ما عدا في تخوم إسرائيل»..

وعلم أن ليبرمان، شكل أيضا طاقما لوضع خطة سياسية. ويعقد هذا الطاقم جلسات «صف للتفكير» للخروج بما سماه اقتراحات مهنية تقدم الحلول للقضايا الجوهرية التي يحتاجها سلام وأمن إسرائيل. ويبدو أن هذه الأنباء لا تقنع رجال الإعلام الخبراء بالسياسة الإسرائيلية، إذ نشرت الصحف مقالات تشير إلى أن نتنياهو يعمل ويفكر بنفس طريقته القديمة الفاشلة التي أدت إلى سقوط حكومته قبل موعدها في انتخابات 1999. وكتب ناحوم بارنياع، كبير المحررين السياسيين بصحيفة «يديعوت أحرونوت» قائلا إن التسوية التي يريدها اليوم هي اللا تسوية. وقال: «كما يبدو، تعلم نتنياهو الدرس من رئيسي الحكومة اليمينيين السابقين، أرييل شارون وإسحق شامير. من شارون تعلم أن الائتلاف الحكومي هو مثل حيوان يجب تدجينه. إذا تم تجويعه، يفترس أصحابه. وإذا أطعموه بكرم، مناصب وألقابا ورشاوى، فإنه يتحول إلى حيوان داجن. ومن شامير تعلم حكمة الدوس على الفرامل. فمن لا يسافر إلى أي مكان، لا يضل الطريق. فالسعي إلى تسويات دائمة هو وهم. من المفضل الحفاظ على ما هو موجود». لكن نتنياهو ليس شارون كما قال بارنياع: «فهو أقل ضبابية منه. أقل انضباطا. شارون كان رجلا شرسا: إذا خان خان، وإذا طرد طرد، وإذا وعد وفى. كان يعرف كيف يفرض سطوته على مكتبه. كل النقاشات البيزنطية والصراعات الداخلية بقيت داخل البيت. بينما نتنياهو محاط بوزراء لن يستطيع الإيفاء بالتزاماته إليهم. ونتنياهو أيضا ليس شامير: أقل إصرارا منه، أقل تحجرا. نتنياهو جاء من بيئة أخرى. عندما تضغط قدمه اليمنى على البنزين، قدمه اليسرى تضغط على الفرامل. وفي نهاية المطاف لا يهمه سوى البقاء. يعمل كل ما في وسعه لكي لا ينسحب أي حزب من ائتلافه. ولكن هذه مهمة ليست سهلة، لأن ائتلافه لا يضم ليبرمان وبيغن ويشاي وباراك، بل يضم أيضا الرئيس الأميركي باراك أوباما». وحكم في الولايات المتحدة بين السنوات 1901 – 1909 الرئيس تيدي روزفلت، أحد أكثر السياسيين تقديرا لدى نتنياهو. وآمن روزفلت في السياسة الخارجية الفاعلة. وكان ينصح: «خذ معك عصا غليظة وتكلم بنعومة». ولكن كما يبدو، والكلام لبارنياع، فإن حكومة نتنياهو تسير في اتجاه معاكس لهذه النصيحة، كما يتضح من تجربتها في الشهر الأول لحكمها. يمكن أن نتفهم كل تصرف أو تصريح، ولكنها في المحصلة النهائية تلعق الأضرار. ويختتم بارنياع مقاله: «لا نرى في الأفق قيام دولة فلسطينية. الأميركيون يفهمون أن النقاش حول الدولتين لا يلقى رواجا جماهيريا حاليا وليس مناسبا. ولكن عليهم أن يسألوا أنفسهم بصدق: إذا لم نتوجه إلى دولتين للشعبين فإلى أي شيء نتوجه؟.. فما هو عكس الدولتين، دولة واحدة للشعبين؟.. لا بأي شكل من الأشكال، يجيبونني. ففي دولة واحدة لا يبقى لليهود أكثرية. إذن، فالعكس من مبدأ الدولتين للشعبين هو مبدأ اللا حل، أو اللا تسوية. إن هذه اللا تسوية هي الصمغ الذي يربط أطراف حكومة نتنياهو». ويكتب بن كسبيت كبير المحررين السياسيين في صحيفة «معاريف»، أن نتنياهو مفاجئ في تصرفاته الساذجة. فهو يتحدث عن وضع خطة سياسية، بينما كان لديه عشر سنوات وهو في المعارضة لإعداد هذه الخطة. ويتساءل: كيف يمكن لرئيس حكومة خاض انتخابات صعبة أن يصل إلى كرسي رئاسة الحكومة من دون برنامج سياسي واضح؟.. ويخرج بالاستنتاج أن نتنياهو لم يتغير. وأنه يتكلم بوجهين، الأول يبدو فيه متفهما للتغيرات في العالم، وهو الذي يظهر فيه أمام باراك وأمام شيمعون بيريس وأمام المسؤولين الأميركيين الذين يلتقيهم، والثاني هو نتنياهو الحقيقي الذي لا يفعل شيئا.