الرئيس اليمني يحذر من تحول بلاده إلى دويلات وحرب أهلية طاحنة

تخوف من تكرار تجربتي العراق والصومال وثمّن دور «الاشتراكي» في توحيد الجنوب بعد الاستقلال

TT

حذر الرئيس اليمني علي عبد الله صالح من تشطير بلاده إلى دويلات صغيرة ومن حرب أهلية طاحنة ستدخل فيها في حال استمرت الدعوات في الجنوب للانفصال والعودة إلى ما قبل 22 مايو (أيار) 1990 حين توحد شطرا اليمن (الشمالي والجنوبي) في دولة واحدة. وقال صالح في لقاء تشاوري حكومي، معلقاً على الدعوات التي تطلقها قيادات ما يسمى «الحراك الجنوبي السلمي» الرافضة للوحدة اليمنية في وضعها الراهن والداعية إلى انفصال الجنوب عن الشمال، إن «اليمن ـ لا سمح الله ـ لن يكون شطرين فقط شمالي وجنوبي.. ستكونون قرى وعزل ودويلات وستتقاتلون من باب إلى باب ومن طاقة إلى طاقة، ولن تكون هناك طريق آمنة أو طائرة تطير.. أو سفينة تبحر من وإلى اليمن». ضارباً مثلا بالأوضاع في العراق والصومال. وقال صالح في لقاء تشاوري موسع عقد أمس بصنعاء بمشاركة رجالات الدولة والحكومة والمسؤولين الأمنيين والعسكريين، وبالأخص من أبناء المحافظات الجنوبية المشاركين في السلطة وجهاز الدولة، إن «هناك تداعيات تجري لا تخفى على أحد وهي تداعيات سلبية لا يرضى عنها أحد من مختلف القوى السياسية وهي تعيدنا إلى المربع رقم واحد.. قبل الوحدة التي تحققت في 22 من مايو (أيار) من عام 1990، وما تلى ذلك من أحداث مؤسفة تمثلت في حرب صيف 1994». واعتبر صالح مثل هذه التداعيات «غير مسؤولة وتريد أن تزج بالوطن في صراعات جديدة نحن في غنى عنها»، وذكّر بأن هناك صراعات شطرية كانت موجودة قبل الوحدة في كل من شطري البلاد «ففي الجنوب كانت هناك صراعات وفي الشمال أيضاً كانت توجد صراعات ثم جاءت الوحدة لتنهي الصراعات وتحقن الدماء بين اليمنيين»، مشيراً إلى أنه عمل على تضميد الجراح التي نجمت عن الحرب، وأن كثيراً من «القوى الوطنية الشريفة تعاونت ودافعت عن هذه الوحدة؛ المنجز التاريخي الذي هو فخر وعزة اليمنيين بين العرب، والتي يجب على اليمنيين أن يحافظوا عليها في حدقات العيون.. فلننظر إلى التنمية والأمن والاستقرار وإلى الطريق والمدرسة والمستشفى وإلى بناء الإنسان» داعياً إلى الابتعاد عن الأنانية والذاتية والقضايا الخاصة.

واستطرد الرئيس صالح في كلامه قائلا: «كل اليمنيين مسؤولون عن الوطن، فالوطن ليس ملكاً لعلي عبد الله صالح أو لعبد ربه منصور هادي بل هو ملك لكل اليمنيين» مؤكداً على أن الوحدة اليمنية هي من صنع اليمنيين ومن إنجازهم ومن أهداف ثورة سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) وليس من حق أحد أن يدعي الوصاية على هذه الثورة ولا على اليمن أو جزء منه.

وقال إن الشعب اليمني لن يسمح بأن تعود عقارب الساعة إلى الوراء؛ إلى الشطرية أو الإمامة.. هذا أمر مستحيل. وأوضح «إذا ما كنت هناك قضايا فيتعين بحثها في عدن أو في صنعاء أو في لحج أو في شبوة بصورة جادة وعبر المؤسسات وبخاصة أن اليمن أخذ بالخيار الديمقراطي وبالتعددية السياسية وانتخب ممثليه في مجلس النواب وانبثقت الحكومة من هذه الأمور، وأن يصبح همّ الجميع هو التنمية ومواجهة الإرهاب الذي عرقل التنمية والسياحة والاكتشافات النفطية كما ينبغي أن نتجه صوب أهداف رئيسية محددة التنمية وبناء الإنسان ومقارعة الإرهاب».

وقال إنه في إطار الحوار يتم بحث أي مشكلة دون استخدام العنف وقطع الطريق وخلق ثقافة الكراهية التي يجب أن ترفض، مبدياً مخاوفه من ثقافة الكراهية وتأثيرها على الجيل الجديد باعتبارها ثقافة سيئة تعني ثقافة المناطقية والقروية والعنصرية.

واعترف الرئيس اليمني بوجود أخطاء، لكنه أكد حرصه على عدم إراقة الدم اليمني. ووصف الرئيس علي عبد الله صالح «الحراك الجنوبي» المتزايد والذي بات يشمل شرائح اجتماعية مختلفة وشخصيات كانت بالأمس من حلفائه، بأنه «تداعيات سلبية لا أحد راضٍ عنها». داعياً إلى الحفاظ على الوحدة اليمنية وإلى الحوار بين القوى السياسية وعدم اللجوء إلى العنف وإلى نبذ ثقافة «الكراهية والمناطقية والشطرية والقروية بين أبناء البلد الواحد». معبراً عن رفضه التام لأي استفتاء على استمرار الوحدة اليمنية، معتبراً أن أي استفتاء كان يمكن أن يتم قبل قيام الوحدة وليس اليوم بعد مرور 19 عاماً على قيامها.

وهاجم صالح شخصيات جنوبية بارزة لم يسمّها واتهمها بمحاولة «الزج بالوطن في صراعات جديدة نحن في غنى عنها». ووصفهم بـ «العمالة للاستعمار البريطاني». وقال إن الثورة والوحدة ليستا ملكاً له أو لأي شخص «ولا يحق لأي شخص أن يدعي الوصاية على الثورة والوحدة والجنوب». وفي الوقت الذي أكدت فيه مصادر خاصة لـ«الشرق الأوسط» أن اللقاء التشاوري شهد مشادات كلامية ومكاشفات بشأن نهب أراضي الجنوب من قبل النافذين، وحول إقصاء أبناء الجنوب وتهميشهم من الحياة السياسية والوظيفة العامة المدنية والعسكرية، وطروحات من قبل شخصيات محسوبة على النظام، فقد أكد الرئيس صالح أنه قام بمعالجة أوضاع المتقاعدين العسكريين بـ 52 مليار ريال يمني وأن «الجنوب ليس ملك أحد ولا يحق لأحد أن يذهب يتملك في الجنوب»، محملا «الجميع المسؤولية عن معالجة قضايا الناس». وثمّن الرئيس صالح دور الحزب الاشتراكي اليمني، وقال إنه الحزب الذي وحّد الجنوب بعد الاستقلال، وأنهى حكم السلطنات والمشيخات. وأضاف «كما أن الاشتراكي وضع يده في يدي وحققنا الوحدة». وقال «نحن مع المصالحة والتصالح والوضوح ويكفي اليمن جولات العنف في فترات التشطير فقد صار اليمن شعباً واحداً»، ودعا إلى دفن الماضي بصراعاته ومآسيه واعتماد الحوار لحل أي مشكلة.

يذكر أن هذا الاجتماع وهذه الطروحات تأتي قبيل يومين فقط على مهرجان كبير تحضّر الفعاليات الجنوبية المعارضة لإقامته في مدينة زنجبار بمحافظة أبين في ذكرى اندلاع الحرب الأهلية عام 1994 (27 أبريل (نيسان) 2009) وهو المهرجان الذي يرعاه الشيخ طارق الفضلي، القيادي السابق في حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، الذي أعلن أخيراً انضمامه إلى «الحراك الجنوبي السلمي» ومن المتوقع أن يشارك فيه ناشطون في «الحراك» من المحافظات الجنوبية الست، في وقت عززت فيه قوات الأمن والجيش في أبين من تواجدها.