السعودية: نقل صلاحيات إثبات الرؤية الشرعية للهلال إلى المحكمة العليا

وزير العدل لـ«الشرق الأوسط»: الجدل العلمي بين الفقهاء والفلكيين أوشك على الانتهاء

TT

كشف لـ«الشرق الأوسط» الدكتور محمد العيسى وزير العدل السعودي، عن انتقال مسؤولية إثبات الرؤية الشرعية للهلال إلى المحكمة العليا، وذلك بعد أن كانت الهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى مسؤولة عن هذا الملف المثير للجدل على مدى سنوات ماضية. ويأتي ذلك بعد أن خلفت المحكمة العليا، بحسب الآلية التنفيذية لنظام القضاء الجديد، الهيئة الدائمة التي كانت تعنى بالنظر في بعض الأحكام القضائية، وإصدار ثبوت الأهلة ضمن مهام الهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى. وأعلن الوزير العيسى، الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» في أعقاب لقاء جمعه بالقضاة المشاركين في الدورة التدريبية لاستطلاع الأهلة التي تنظمها مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، عن قرب انتهاء الجدل العلمي بين الفقهاء والفلكيين حول مسألة إثبات رؤية الهلال، وخصوصا في المواسم الدينية، كرمضان، والحج. وطبقا للدكتور محمد العيسى، فإن وزارة العدل معنية بـ«ملف الأهلة». وقال الوزير إنها «تحرص على تقريب وجهات النظر المختلفة حيال هذا الموضوع». ولا تزال الاجتماعات بين الفلكيين والفقهاء الشرعيين قائمة لناحية تقريب وجهات النظر إزاء ملف الرؤية الشرعية للهلال، ومدى ملاءمة اعتماد الحسابات الفلكية للمساعدة في النظر بهذا الملف. يقول وزير العدل «إننا نبارك التواصل المثمر بيننا وبين مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، الذي قلص، إلى حد كبير، من اختلاف وجهات النظر». وأشار إلى أن «موضوع الأهلة الذي كان يشغل في السابق حيزا من الجدل العلمي بين الفقهاء والفلكيين، بل وداخل المنظومة الفقهية نفسها، أوشك على الانتهاء إلى نقاط التقاء متحدة الرأي، بفعل الحوار المستنير». وبحسب الوزير العيسى، فإن التشكيل الجديد للجهاز القضائي، جعل المحكمة العليا هي جهة الاختصاص بإصدار بيان الرؤية الشرعية للهلال، باعتبارها «رأس الهرم القضائي، وخليفة الهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى المعنية سابقا بهذا الأمر». وأفاد بأن «إثبات الرؤية ووضع ضوابطها الشرعية أصبح من اختصاص المحكمة العليا»، التي قال إنها «تضم مؤهلين متميزين في الفقه والقضاء». وعاد وزير العدل الجديد للتأكيد بأن الحوار بين الفقهاء الشرعيين وعلماء الفلك، الذي أخذ بعدا في أدوات الطرح والنقاش مع الاحترام المتبادل بين الجانبين «ردم هوة الخلاف المسكونة سلفا ببعض التوجس والمآخذ المتبادلة». وزاد بالإيضاح قائلا «فالفلكيون يعتقدون أن مَنْ يخالفهم من العلماء لم يقف على الحقائق العلمية الثابتة، وإنْ وقف وتفهمها وأصرّ على رأيه، فلا يعدو وصف المكابرة لحقائق العلم، بينما يرى بعض الفقهاء أن الفلكيين يقدمون الفرضيات العلمية على نصوص الشريعة». ولفت الوزير العيسى إلى أن معترك السجال الذي دار بين الفقهاء والفلكيين، أدى إلى غياب الرؤية الواضحة لدى عموم الناس، وذلك لافتقاده لأهم وأثمن أدوات التواصل البناء، وهو الحوار الجاد والمثمر. وأضاف أنه «لا يجدي الحوار، إذا لم يتعاط إيجابيا مع الموضوع بتفاعل يأخذ بزمام القضية، ويجمع الرؤى على أسس متفق عليها سلفا، ويقتنع أطرافه بأن رأي أيٍّ منهم صواب يحتمل الخطأ، وكم من حوار لم يُنتج بسبب غياب مكوناته الرئيسية، بل إن بعض الحوارات يتحول ـ مع الأسف ـ إلى مواجهات خاسرة». وسبق لهيئة كبار العلماء في السعودية أن تواصلت مع مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، وأحدثت تلك الاجتماعات تقدما وصفه الدكتور العيسى بـ«الإنجاز الكبير»، وخاصة بعد أن تم التوصل إلى أن الرأي الشرعي «يشكل وحدة موضوعية لوظيفتي الإفتاء والقضاء»، على حد قوله. وأكد وزير العدل على أن نصوص الشريعة لا يمكن أن تتعارض مطلقا مع الحقائق العلمية. وأضاف «وإنْ صار شيء في الظاهر، فهو من الفهم الخاطئ لها، وأن الحقائق العلمية تكشف معاني النصوص، وتجلي مقاصدها، علمها من علمها، وجهلها من جهلها». وأشار إلى أنه تباحث مع فريق القضاة المشارك في الدورة التدريبية لاستطلاع الأهلة حول العديد من النقاط الأكثر إلحاحا في الطرح. وشدد العيسى على أهمية اللقاءات الخاصة باستطلاع الأهلة، وهو العلم الذي قال إنه كتب فيه العديد من البحوث وأوراق العمل، التي قال إنها كانت مصنفة ومصطفة إلى حد كبير على خلفية التحفظ المتبادل على إمكانية الحوار الجاد، والوصول إلى نتائج موضوعية يمكن أن تلتقي حولها الآراء بين الفقهاء والفلكيين.