رسالة فرنسية وأوروبية لإيران: عرض واشنطن للحوار لن يدوم إلى الأبد

مصادر فرنسية رسمية: نافذة التسوية تمتد من بداية الصيف إلى أوائل العام المقبل

TT

«هبة باردة، هبة ساخنة»: هكذا تصف مصادر سياسية في باريس الشعور العام في عدد من الدول الأوروبية على رأسها فرنسا وألمانيا، إزاء المقاربة الأميركية الجديدة للملف النووي الإيراني. فما بين تأكيد إدارة الرئيس أوباما استعدادها لحوار مع طهران «بلا شروط» بما في ذلك شرط وقفها لعمليات التخصيب النووي من جهة، وتأكيد وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أن إيران «ستتعرض لعقوبات قاسية» إذا ما وصل التفاوض معها إلى طريق مسدود، من جهة أخرى، تتأرجح العواصم الأوروبية ما بين التخوف من حوار أميركي ـ إيراني ثنائي، وما بين التأمل بالمحافظة على مقاربة جماعية في إطار الدول الست « 5زائد 1» أظهرت وحدة موقف من إيران. وفي الوقت نفسه دعا الاتحاد الأوروبي في بيان أمس، حكومة طهران إلى الاستفادة من فرصة الحوار الجدي، التي توفرت في ظل الإدارة الأميركية الجديدة، وإعلانها عن سياسة جديدة تتضمن الرغبة في حوار جدي، إلى جانب أطراف المجتمع الدولي مع النظام في طهران. جاء ذلك في بيان صدر عن اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، الذي انعقد أمس في لوكسمبورغ، وتضمن البيان الإشارة إلى التأكيد على أن الحوار المبني على المصالح والاحترام المتبادلين، سيؤدي إلى حل تفاوضي يتضمن تطوير البرنامج النووي الإيراني «السلمي». وأعرب الوزراء عن استمرار قلق دولهم جراء البرنامج النووي الإيراني، فـ«إن امتلاك إيران لسلاح نووي من شأنه أن يشكل تهديدا غير مقبول للأمن الإقليمي والدولي».

ودعا الوزراء طهران إلى العمل من أجل الفوز بثقة المجتمع الدولي بخصوص نشاطها النووي، وقال البيان «لأجل هذا على طهران احترام التزاماتها الدولية». ولم يتطرق بيان الوزراء إلى أي حوار مقبل بين أطراف المجتمع الدولي وإيران، وذلك بالرغم من التوجه القائم حاليا بتكليف الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا، بالتحاور مجددا مع المسؤولين في طهران، وأعاد الوزراء التأكيد على ربط تطور علاقاتهم مع إيران بتطور موقف هذه الأخيرة، والرد بـ«ايجابية» على المحفزات التي يقدمها المجتمع الدولي، خاصة لجهة الرغبة الأميركية بالحوار.

وفي باريس أبدت مصادر فرنسية رفيعة المستوى «ارتياحها» لتغليب واشنطن صيغة «5 زائد 1» لمفاوضة طهران على ملفها النووي، ولإبداء استعدادها للمشاركة «بشكل كامل» في هذه الصيغة. ومن الزاوية الأوروبية، تبدو الصيغة المذكورة «الأكثر ملاءمة» لواشنطن في الوقت الحاضر لثلاثة أسباب على الأقل، أولها أنها قد تكون «ورقة التين» التي تختبئ وراءها المفاوضات والاتصالات الثنائية بشأن النووي الإيراني، وبشأن مسائل حساسة أخرى. وفي المنظور الأميركي، كما ترى باريس، يشكل الملف النووي الإيراني «أحد المسائل الخلافية» مع إيران، ولذا «لن يحصل تقدم بشأنه ما لم يحصل تقدم في العلاقات الثنائية الأميركية ـ الإيرانية»، المرتبطة بدورها بالوضع في العراق وأفغانستان وعلاقات إيران مع حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني. وتصف باريس الملف الأميركي ـ الإيراني بأنه «بالغ التعقيد» ولا يتعين بالتالي انتظار تطورات «استثنائية» على المدى القريب وليس قبل انجلاء الوضع السياسي الداخلي في طهران بعد الانتخابات الرئاسية.

ومن جهة أخرى، ترى باريس أن التمسك الأميركي بصيغة «5 زائد 1»، سياسي و تكتيكي، إذ إن واشنطن «لا تستبعد فشل المحادثات» مع طهران، وبالتالي «ستكون بحاجة للصين ولروسيا، اللتين هما جزء من الصيغة المذكورة لفرض عقوبات إضافية في مجلس الأمن على طهران، وللمحافظة على وحدة الأسرة الدولية في التعاطي معها. أما السبب الثالث للموقف الأميركي فهو أنه يسمح بالإبقاء على ما سمي المقاربة المزدوجة، أي اقتراح الحوار والعمل من أجل مزيد من العقوبات في الوقت نفسه. وهو ما تبدى في كلام كلينتون الأخير.

وحرصت المصادر الفرنسية على إيصال رسالة إلى القادة الإيرانيين مفادها أن «رغبة» واشنطن في المشاركة والتوصل إلى تسوية مع طهران «حقيقية» ومن شأنها «تغيير خطوط التماس». ولذا فمن «مصلحة» إيران التعاطي معها بإيجابية وصدق وليس السعي لكسب مزيد من الوقت .والجزء الآخر من الرسالة الفرنسية والأوروبية أن هذه «الرغبة» لن تكون مطروحة «إلى الأبد» لسببين رئيسيين، يتعلق أولهما بالتقدم الإيراني في مجال تخصيب اليورانيوم وتوافر كميات كبيرة وكافية من اليورانيوم المخصب لإيران مع نهاية الصيف القادم تمكنها من تصنيع قنبلة نووية على الأقل. أما السبب الثاني فهو سياسي ويتمثل ببنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية، وجعله من الملف النووي الإيراني عقدة العقد. وترى المصادر الفرنسية أن المنطق الإسرائيلي واضح: إما وقف البرنامج النووي الإيراني بالوسائل الدبلوماسية وإلا فإن إسرائيل مستعدة للتدخل عسكريا، وهو ما ترى فيه باريس «كارثة الكوارث» التي يتعين تفاديها. ولذا، فإن باريس ترى أن هناك «نافذة دبلوماسية» يتعين استغلالها لإحداث «اختراق ما»، وهي تمتد زمنيا من بداية الصيف القادم وحتى نهاية العام، أو أوائل عام 2010، بعدها تصبح كل الاحتمالات «واردة». وترفض باريس التي ترجح أن يكون للبرنامج النووي الإيراني أهداف عسكرية «لأن لا شيء يبرر تخصيب اليورانيوم، إذ إن إيران لا تملك أي محطة نووية»، الخوض فيما قد تطلبه طهران من ضمانات مقابل تعاونها الكامل في الملف النووي. وبحسب المصادر الفرنسية، فإن المطلوب هو الوصول إلى «مفاوضات حقيقية»، التي من شأنها أن تولد «دينامية سياسية وديبلوماسية» تمكن من معالجة كل القضايا وطرح كافة المطالب من الجانبين.

وفي الوقت الراهن وبانتظار أن يحدد موعد لاجتماع مرتقب بين مجموعة الست وإيران، فإن الجانب الأوروبي يرى في الاستعداد الأميركي للمشاركة في المفاوضات بحيوية عنصرا إضافيا من شأنه إيجاد وضعية جديدة قد تكون مبعثا للثقة بين واشنطن وطهران، خصوصا إذا ما تأكدت الأخيرة أن الولايات المتحدة «لم تعد تسعى للتخلص من النظام الإسلامي». غير أن تداخل المسائل ببعضها بعضا والوضع السياسي الداخلي في إيران ودخول العامل الإسرائيلي على الخط يجعل الوضع بالغ التعقيد وعصيا على الاستشراف والقراءة المسبقة.