إطلاق سراح الضباط الأربعة.. وبلمار يؤكد أن التحقيق أوسع بكثير وأنه مستمر

محامي جميل السيد: الجنرالات لن يغادروا لبنان * الخارجية الأميركية: القرار دليل على أن المحكمة غير مسيسة

اللواء علي الحاج المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي في لبنان لدى وصوله الى منزله بعد إطلاق سراحه أمس (أ ف ب)
TT

أطلق أمس سراح الضباط اللبنانيين الأربعة الذين اعتقلوا قبل نحو أربعة أعوام على خلفية جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، بعد أن أمر قاضي الغرفة التمهيدية في المحكمة الخاصة بلبنان بذلك، تجاوبا مع مطلب المدعي العام دانيال بلمار في عريضته التي قدمها للقاضي دانيال فرانسين. إلا أن إطلاق سراحهم الذي جاء غير مشروط، لا يعني أن المدعي العام لا يمكنه أن يوجه إليهم اتهامات في وقت لاحق، إذا تمكن من جمع الأدلة اللازمة لذلك. وقد أكد بلمار نفسه في بيان صحافي صدر عن مكتبه بعد إطلاق سراح الضباط أمس، إن التحقيق لا يزال مستمرا وإنه لا يتناول فقط الضباط الأربعة بل هو «أوسع بكثير» من تورط الضباط الأربعة أو عدم تورطهم بالاغتيال، وشدد على أنه إذا تمكن من تجميع أدلة كافية في المستقبل، فإنه لن يتورع عن طلب اعتقالهم وتوجيه الاتهامات لهم.

ولا يريد بلمار الإدلاء بأي تصريحات إعلامية في الوقت الحاضر، إلا أن راضية عاشوري، الناطقة باسمه، قالت لـ«الشرق الأوسط»، إن المدعي العام «لا يزال متمسكا بالذي قاله منذ مدة، بأنه لن يقدم أي لائحة اتهام إلا عندما يقتنع تماما بأن لديه ما يكفي من الأدلة والوقائع التي يمكن أن يؤسس عليها لائحة اتهام يكون لديها القبول لدى المحكمة». وقالت عاشوري إنه ليس لدى بلمار مهلة زمنية محددة لتقديم لوائح الاتهام، وشددت على أن المدعي العام «يرفض التكهن بأي موعد». وبعد ساعات قليلة من إصدار القاضي فرانسين قراره بإطلاق سراح الضباط والإيعاز للسلطات اللبنانية بتأمين الحماية اللازمة لهم، أخرج الضباط، وهم ريمون عازار وعلي الحاج ومصطفى حمدان وجميل السيد، من السجن في رومية حيث أودعوا في يوليو (تموز) العام 2005، وغادر كل منهم إلى منزله مصحوبا بفريق أمني. وأكد أكرم عازوري، محامي جميل السيد، أن الضباط لن يغادروا لبنان في الفترة المقبلة، وقال إنهم سيتوجهون إلى منازلهم للبقاء مع عائلاتهم. ورفض عازوري في اتصال مع «الشرق الأوسط» الحديث عن احتمال هرب الضباط، وقال إنهم ليسوا متهمين وبالتالي لا يمكن الحديث عن احتمال هربهم. إلا أنه أكد أنهم سيكونون متوفرين للتحقيق إذا تم استدعاؤهم في مرحلة لاحقة. وتقع مسؤولية حماية الضباط خارج السجن على عاتق الدولة اللبنانية، كما طلب القاضي فرانسين، وقد أكد عازوري ثقة الضباط بالحماية التي ستقدمها لهم السلطات، وقال إن جميل السيد «رجل أمن يعرف حاجاته والدولة مستعدة لتلبيتها». وأوضح بلمار في البيان الذي أصدره في وقت لاحق أمس، أن العريضة التي قدمها للقاضي لم تتناول محمد زهير الصديق، لأنه التزم بالمادة 17 من قانون الإجراءات والأدلة المتعلقة فقط بالملف المحال من لبنان والأشخاص المعتقلين في لبنان. وقال إن الصديق لم يخضع لهذه المادة لأنه ليس موقوفا في لبنان ولأن مذكرة التوقيف، التي صدرت بحق من اعتقل في لبنان، تم سحبها. واعتقل الصديق في الإمارات العربية الأسبوع الماضي، وهو كان «الشاهد الملك» الذي استند إليه المحقق الأول في الجريمة، الألماني ديتليف ميليس، لكي يوصي باعتقال الضباط الأربعة. إلا أن الصديق سحب أقواله فيما بعد، وسافر إلى فرنسا واختفى بعد فترة، قبل أن تصدر معلومات أخيرا عن اعتقاله في الشارقة. وفند بلمار، في البيان الذي أصدره، الأسباب التي ارتكز عليها، والتي دفعته لاتخاذ قرار عدم ممانعته إطلاق سراح الضباط، وقال إنه استند إلى ثلاثة أسس قانونية، وهي: أولا اعتماد قرينة البراءة والتي تضع المدعي العام أمام مسؤولية إثبات التهم من دون أي شك. والثاني، هي أن اعتقال أشخاص يعتبرون أبرياء، يجب أن يكون القاعدة وليس القانون. وثالثا، أنه يجب أن تكون هناك أدلة كافية وموثوق بها، وإلا فلا يمكن للمدعي العام أن يطالب بإبقاء الاحتجاز، لأنه يجب أن توجه لوائح الاتهام للمشتبه بهم خلال مهلة 90 يوما من توقيفهم احتياطيا، بحسب قانون الإجراءات والأدلة. وأشار إلى أن المعتقلين أصبحوا في عهدة المحكمة الخاصة بلبنان في 8 أبريل (نيسان) الماضي، مضيفا أنه لا يملك الأدلة الكافية لتوجيه التهم لهم خلال هذه الفترة. وبدا بلمار مصرا في بيانه على التأكيد أن التحقيق أوسع بكثير من الضباط الأربعة، «وأن هؤلاء ليسوا إلا جزءا من تحقيق واسع جدا لا يزال مستمرا»، وقال: «إطار التحقيق واسع جدا وهو يركز على هدفه، وهو مساعدة المحكمة على اكتشاف الحقيقة عبر تقديم أدلة موثوق بها ومقبولة لدى المحكمة ويمكنها أن تؤدي إلى توجيه اتهامات ولاحقا محاكمات». وشدد بلمار على أنه لا يجب نسيان ما قاله مرارا: «إن التحقيقات مستمرة وإن هناك أكثر من خيط واحد، وإذا كنت أعتقد أنه لا يمكن حل القضية، لكنت أول شخص يقول ذلك». وأضاف: «على الناس أن يفهموا ليس فقط أن القضية أكبر من الضباط الأربعة، عليهم أن يفهموا أيضا أنه إذا أوصلتنا التحقيقات المستمرة إليهم من جديد، وتمكنا من تجميع أدلة كافية وموثوق بها، فسأطلب احتجازهم وأوجه إليهم الاتهامات». وشدد على أنه غير منقاد إلا بـ«الأدلة ومصلحة القضاء وبالمعايير الدولية المعترف بها». وكان القاضي فرانسين قد قرأ القرار الصادر عنه بإطلاق سراح الضباط، استنادا إلى توصية بلمار، وبث الإعلان على الإنترنت بشكل مباشر وعلى ترددات عبر الأقمار الاصطناعية. وقال فرانسين، الذي تلا القرار بحضور بلمار، ورئيس مكتب الدفاع فرانسوا رو، ومقرر المحكمة روبن فنسنت، إن بلمار لم يعارض إطلاق سراح الضباط، لأنه لا يملك الأدلة الكافية لتوجيه الاتهامات لهم. واستند إلى المادة 63 من نظام الإجراءات والأدلة الخاصة بالمحكمة، التي تنص على أنه لا يمكن إيقاف أفراد كمشتبه بهم لأكثر من 90 يوما من دون توجيه الاتهامات لهم. واعتبر بلمار في العريضة التي قدمها لقاضي الغرفة التمهيدية، أنه لا يمكنه التقدم بطلب لاحتجاز مشتبه بهم في التوقيف الاحتياطي، إلا إذا كان في صدد توجيه الاتهام له في أقرب وقت ممكن. وقال إنه بعد أن دقق بشكل «معمق» بالملفات التي جمعتها لجنة التحقيق خلال أربع سنوات تقريبا من عملها، وبعد أن اطلع على نتائج التحقيق الذي أجرته السلطات اللبنانية وحولته إلى مكتبه، توصل إلى أن «المعلومات التي تم جمعها حتى الساعة ليست موثوقة بما فيه الكفاية لتبرير توجيه اتهامات للأشخاص المعتقلين». وعليه، وانطلاقا من مبدأ قرينة البراءة، فقد ارتأى المدعي العام أنه ليس هناك من سبب، «في هذه المرحلة من الإجراءات»، لوضعهم في الاحتجاز. واستند القاضي فرانسين في إصداره قراره بالإفراج الفوري عن الضباط، إلى المادة 17 من قانون الإجراءات والأدلة التي تنص على أن كل محتجز لا يعارض المدعي العام إطلاق سراحه، يعود إلى قاضي الغرفة التمهيدية أن يقرر إذا كان سيأمر بإطلاق سراح فوري للمعتقل مع الإجراءات الأمنية الضرورية لتأمين سلامته. وفي تعليق على إطلاق سراح الضباط، قال كريس هانسمان، المتحدث باسم الخارجية الأميركية، لـ«الشرق الأوسط، إن «القرار إذا كان يدل على شيء، فهو يدل على أن المحكمة تعمل تبعا لمعايير القانون وليست مسيسة». وقال إن الضباط رغم إطلاق سراحهم «ما زالوا خاضعين للتحقيق من قبل المحكمة الخاصة بلبنان». وأضاف: «رغم أنه لم توجه اتهامات لهم بعد في هذه المرحلة، إلا أننا نتوقع أن يكونوا متوفرين في حال تم استدعاؤهم أو أن يسلموا إلى المحكمة إذا وجهت لهم اتهامات. وقد حدد المدعي العام أيضا أن تحقيقاته تذهب أبعد بكثير من الجنرالات الأربعة».

وذكر بأن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون عبرت عن دعم الإدارة الأميركية القوي للمحكمة خلال زيارتها لبيروت، حين قالت بوضوح «إن عهد الإفلات من العقاب في لبنان قد ولى وأن المحكمة لن تكون أداة للمساومة». وأضاف: «كدليل على التزمنا بتحقيق العدالة في اغتيال الحريري واللبنانيين الآخرين الذي قتلوا منذ العام 2005، وتأكيدا على ثقتنا بعمل المحكمة، فقد قدمت الأمم المتحدة أخيرا 6 ملايين دولار جديدة لسير المحكمة إضافة إلى الـ14 مليونا التي قدمتها سابقا».