«عدة الاحتفالات» كانت جاهزة .. وحزب الله استثمر الحدث وفق خطة التزم بها ضابطان

لبنان: استمرار مظاهر الاحتفاء بإطلاق الضباط الأربعة

TT

في اليوم التالي للإفراج عن الضباط الأربعة بعد احتجازهم ثلاث سنوات وثمانية أشهر، غصّت منازلهم بالوفود المهنئة. أربعة بيوت لم تقفل أبوابها منذ الصباح الباكر إلا في ساعات متقدّمة من ليل أمس. حشود توافدت لتقديم التهنئة بعد «الظلم» الذي لحق بالضباط، كما تردد على ألسنة اللبنانيين الذين فرحوا بـ«الحدث الجلل». ومن لم يستطع بلوغ المنازل التي باتت تشكّل علامة بارزة في مناطق وجودها، حاول الاستعانة بالهواتف الخليوية، فباءت المحاولات المتكررة بالفشل، ذلك أن الحصول على تصريح، وإن مقتضب، من أحد أفراد عائلات الضباط، بات أشبه بالمهمة المستحيلة لفرط الزحمة التي طوّقتهم. كذلك من نجح من الصحافيين في الوصول إلى أحد منازل الضباط، وجب عليه انتظار دوره ربما لأكثر من ساعة للحصول على تصريح مقتضب. تقول إحدى القاطنات بجوار منزل العميد ريمون عازار في منطقة بلونة، بعدما امتنعت في اليوم الأول عن ملازمة منزلها مفضّلة البقاء في منزلها الثاني في بيروت: «منذ احتجاز العميد عازار، انتقلت عائلته إلى قريته مشموشة (في الجنوب). ومذ ذاك، خلا المنزل من أي حركة. إنما قبل بضعة أسابيع، بدأ بعض أفراد العائلة يترددون إلى المنزل للقيام ببعض الترتيبات. وقد شعرنا بأن ثمة شيئا يحصل وأن الإفراج عن الضباط بات وشيكا. واليوم باتت المنطقة تعجّ بالناس والاستقبالات التي ستستمر طوال هذا الأسبوع». «مبروك» تبادلها المؤيدون لقوى «8 آذار» بصوت عال أو همسا إذا كانوا ممن يفضلون إخفاء انتمائهم الحزبي. «التبريكات» (كما هي العبارة في قاموس «حزب الله» للدلالة على الاحتفال بالنصر أو الشهادة) تدفقت فور الإفراج عن الضباط الأربعة، اللواء الركن جميل السيد، واللواء علي الحاج، والعميد ريمون عازار، والعميد مصطفى حمدان.. فور صدور القرار عن قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة الخاصة بلبنان، دانيال فرانسين، بدا أن عدة الاحتفالات كانت جاهزة وباقات الزهور كانت حاضرة، كذلك الأسلحة لتطلق رشقاتها الكثيفة في اللحظات المناسبة والمترافقة مع وصول الضباط إلى منازلهم، إضافة إلى الأسهم النارية والمفرقعات. المحتفلون رفعوا لافتات تحمل صور السيد وحمدان والحاج وعازار مع كلمة «wanted» المشطوبة والمستبدلة بكلمة «الأحرار». حواجز ضيافة «البقلاوة» انتشرت في مناطق الضاحية الجنوبية لبيروت وأعطت مؤشراتها إلى كيفية استثمار الحدث في الأجندة الداخلية اللبنانية وفق «خطة عمل» واضحة نظمها «حزب الله» والتزمها السيد والحاج اللذان سارعا في تصريحاتهما إلى شكر الحزب وأمينه العام السيد حسن نصر الله وهاجما القضاء اللبناني وقوى «14 آذار»، وذلك بتناغم مع مسؤولي الحزب وحلفاء سورية في لبنان الذين ركزوا كلماتهم في المناسبة على نعي النظام القضائي اللبناني والنظام السياسي الحالي. أما عازار فقد اكتفى بالتأكيد على صدقية المحكمة الدولية ونزاهتها، ليشيد حمدان، من جهته، بالمقاومة ويشكر القوى الأمنية وشعبة المعلومات، مشيرا إلى انزعاجه من الخضوع لتحقيق دولي في حين يستطيع القضاء اللبناني أن يتولى التحقيق بالكفاءة نفسها من دون امتلاكه التقنيات الدولية.

هذه التصريحات أثارت، غداة عودة الضباط إلى منازلهم، الكثير من الأسئلة المقلقة لدى غالبية قوى «14 آذار» التي رأت فيها استهدافا للقضاء اللبناني والأجهزة الأمنية وتلويحا بعودة رموز النظام السابق. أما في الشارع فكانت ردود الفعل متناقضة، بين الحديث عن صفقة دولية أطاحت المحكمة، وأسئلة عن مرتكبي جرائم الاغتيال في ظل عدم وجود أي متهم، إضافة إلى الخوف من توتر أمني بعدما غلبت لغة حادة على الخطاب السياسي عوض لغة التهدئة التي كانوا يتوقعونها نتيجة الجلسة الأخيرة للحوار. كذلك بدا احتضان مسؤولي «حزب الله» للمناسبة مثيرا للجدل. فالبعض يرى أن «المقاومة ليست المعيار للحكم على حياد المحكمة. وليست سبباً ليتولى رموزها الرعاية الرسمية لإطلاق سراح الضباط الأربعة، وكأنهم بذلك يريدون تكريس ما نقل على لسان رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد من تشبيه للسلطة الحالية بمسؤولين إسرائيليين. فالضباط كانوا محتجزين في لبنان. ولم يتم تحريرهم من سجون إسرائيلية. ولا لزوم لمثل هذه المبالغات». كما يرى أن «الفريق الذي عرقل ولادة المحكمة هو الذي يتغنى بقرارها. والرهان يبقى حول مدى قبول كل ما سيصدر عنها لجهة النظر في كل أمر واستدعاء أي شخص. ففي نهاية الأمر هناك قتلة ومجرمون ويجب أن تحاسبهم المحكمة». البعض الآخر يبرر ما حصل ويقول: «حزب الله يريد أن يستفيد من المحكمة بعدما استفاد منها فريق الأكثرية طوال أربع سنوات وبنى حملاته الانتخابية وسياسته على أساسها».

وقد سبق للمحكمة الدولية أن تعرضت لوابل من القصف المركز من «حزب الله» وحلفاء سورية، فقد انتقد الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله المحكمة وسلطتها التي تطغى على سلطة القضاء اللبناني، وقال في 8 أبريل (نيسان) 2007 «إنّ القضاء اللبناني لم تعد له قيمة، لا بقاء ولا استمرار». مشيرا إلى أنه «تمّ تهريب طلب إنشاء المحكمة يوم اغتيال جبران تويني. وتمت الموافقة في مجلس الأمن على النظام في يوم اغتيال الوزير بيار الجميل. والموافقة الجديدة على المحكمة تم تهريبها أيضا. كله تهريب بتهريب». وأضاف: «هذه بعض البدع المعتمدة في هذا النظام التي ليس لها سابقة في المحاكم الدولية ولا في السلطات القضائية منذ أن خلق الله آدم إلى اليوم. بكل صراحة أريد أن أقول لكم هذا النظام مكتوب على قاعدة أحكام موجودة صادرة وخالصة. ونظام المحكمة موضوع لكي يتم تركيب محكمة لتظهير الأحكام الصادرة ونقطة على أول السطر. هذا تقييمنا للمحكمة ولنظامها». وفي حين شدّد فريق قوى «14 آذار» على أهمية إطلاق سراح الضباط الأربعة وما يمنحه هذا القرار من مصداقية للمحكمة، اعتبر «حزب الله» أن «إطلاق الضباط الأربعة على هذا النحو يشكل إدانة صريحة للسلطة التي قامت به ويؤكد أن منطق الثأر والعصبية والتشفي والأداء الكيدي لا يجلب الحقيقة أو يحقق العدالة». لكن الهجوم المسيَّس على خلفية المحكمة لا يلغي أن توقيف الضباط الأربعة له ما يبرره في النصوص القانونية، وتحديدا المادة 108 من أصول المحاكمات الجزائية .

ويقول مصدر قضائي: «إن لدى المدعي العام التمييزي سلطة استنسابية لمهلة التوقيف المفتوحة. وقد حاول الرئيس الراحل رفيق الحريري إمرار مشروع قانون لتحديد المهلة إلا أن الرئيس السابق إميل لحود رفض ذلك وترك المهلة مفتوحة. من هنا لم يكن القضاء اللبناني في قراره غير شرعي وغير قانوني. أما القضاء الدولي فليس لديه صيغة بالتوقيف على ذمة التحقيق كما في القانون اللبناني. الموقوف يجب أن يكون مشتبها به أو متهما».