اختصاصيون يؤكدون أن احتواء الإنفلونزا لم يعد ممكنا

إغلاق الحدود ومنع السفر لن يؤديا إلى منع انتشاره بشكل فعال

TT

أعلن الدكتور كيجي فوكودا، نائب مدير عام منظمة الصحة العالمية، بعد اجتماع في جنيف يوم الاثنين الماضي للجنة الطوارئ التابعة للمنظمة التي انعقدت لدراسة تفشي إنفلونزا الخنازير، «أن خيار الاحتواء لم يعد ممكنا، وأنه يتعين على العالم تركيز انتباهه على تخفيف الأضرار»، وقال إنه يوصي بعدم غلق الحدود أو تقييد السفر.

ومع ذلك، ما زالت الكثير من الدول تتجاهل حتى الآن هذه النصيحة، كما يشهد العالم حالة فوضى عارمة ما بين عمليات الحظر المفروضة، والإخطارات، والتحذيرات المتعلقة ببعض الخنازير والمواطنين. يوم الأربعاء الماضي، كانت هناك ضغوط على جانيت نابوليتانو، وزيرة الأمن الداخلي في الولايات المتحدة، في جلسات الاستماع داخل الكونغرس لتجاهل هذه النصيحة، وإغلاق الحدود مع المكسيك. ودافعت نابوليتانو عن قرارها بعدم الإقدام على ذلك قائلة: «سنتكبد خسارة خطيرة جدا جدا مقابل ما يقول عنه علماء الأوبئة إنه ذو فائدة هامشية». ودافع الرئيس باراك أوباما عن هذا القرار أيضا، موضحا للصحافيين أن القرار «سيماثل إغلاق باب الحظيرة بعد خروج الحصان». ويقول خبراء الحركة العالمية للإنفلونزا إن الدكتور فوكودا، ونابوليتانو، وأوباما على حق. ويرون أنه يتعين على العالم قول ذلك، إذ إغلاق الحدود سيفشل في إيقاف الفيروس، وسيُحدث انهيارا اقتصاديا، كما من المحتمل أن يزيد من معدل الوفيات. ويقول الدكتور مارتن سيترون، مدير الهجرة العالمية والحجر الصحي في مراكز الوقاية والسيطرة على المرض في أتلانتا: «من الخطأ أن نلوح بأيدينا قائلين لندعهم يتدفقون ولنأمل حدوث الخير، لقد كان كل هذا ضمن خطة وباء الإنفلونزا القومية منذ عام 2007». ويرى الدكتور مايكل أوسترهولم، مدير مركز أبحاث وسياسة الأمراض المعدية بجامعة مينيسوتا، إن إغلاق الحدود ينطوي على مخاطر على أساس أن الكثير من البضائع والمواد الضرورية لمكافحة هذا الوباء يتم تصنيعها في الخارج، ومنها أغلب الأقنعة، والمعاطف الطبية، والقفازات، والدوائر الكهربائية الخاصة بأجهزة التنفس الصناعي وأجهزة الاتصالات، علاوة على الأدوية، والمواد الخام المستخدمة في صناعتها. (ومثالا على ذلك، توجد أغلب إمدادات حمض الشيكيمي وهو المكون الرئيسي في عقار تاميفلو المضاد للفيروس في الصين). ويضيف موضحا: «سيؤدي (إغلاق الحدود) إلى قطع كل هذه الإمدادات، وبالتالي سيشل نظام الرعاية الصحية. ويعني اقتصادنا العالمي الوقتي أننا نعول على الآخرين». ويذكر بأن «الكثير من طعامنا يأتي من الخارج»، مشيرا إلى أن «منتجا لشركة كيلوغ تأتي مكوناته من 9 دول». ويفيد الخبراء أن الحل البديل هو تخفيف الأضرار، باستخدام «التدابير غير الصيدلية»، والتي تتضمن بعض الأشياء على المستوى الفردي مثل غسل الأيدي جيدا، وارتداء الأقنعة الواقية، إلى جانب التدابير المهنية مثل العمل من المنزل، أو ترتيب إجراءات العناية بالأطفال المرضى، أو من هم مدارسهم قريبة. ويأتي هذا إلى جانب الإجراءات المتخذة على مستوى المنطقة مثل إغلاق المسارح، والمتاحف، والمطاعم، والإجراءات الأخرى المتخذة من قبل أجهزة المدن الكبرى مثل إغلاق المدارس، أو إلغاء مباريات كرة القدم الكبرى. ويوضح الدكتور سيترون أن تلك الأهداف الثلاثة يمكن رسمها بيانيا لتوضيح الإصابات الجديدة ويتم تسميته بمنحنى العدوى. وقال: «أنت ترغب في تحويل المنحنى ناحية اليمين، وأن تضعف ذروته بالإضافة إلى هدم الأرض أسفل منه». ويؤدي التحرك إلى يمين المنحنى إلى إبطاء عمليات الانتقال الجديدة للعدوى حتى حلول الصيف الحار، وهو الموسم الذي لا يعد ملائما لانتشار الإنفلونزا، وفي ذات الوقت كسب المزيد من الوقت، أي ما يتراوح ما بين 16 إلى 20 أسبوعا حتى يتم إنتاج عقار جديد. وبالنسبة لمنظمة الصحة العالمية، يعد التخفيف من حدة المرض تغييرا في الاستراتيجية التي احتوت فيروس إنفلونزا الطيور H5N1، التي أدت إلى مقتل أقل من 300 حالة. وقد تم احتواء الحالة الأولى لظهور فيروس الإنفلونزا عام 2007، عبر قتل جميع الدجاج في هونغ كونغ. ومنذ ذلك الحين، في كل مرة تظهر فيها أعراض هذا الوباء، تحاول السلطات الصحية العامة إلى دفن جميع الدواجن المصابة، وتلقيح الطيور في نطاق دائري واسع من ظهور الإصابة، بالإضافة إلى طرح «غطاء عقار تاميفلو» للشعب، بحيث تكفي جرعات الدواء لكل فرد بالمنطقة. وكان الخبراء يخشون أن تكون هذه الإنفلونزا عودة لظهور سلالة المرض التي ظهرت عام 1918، التي من الممكن لها أن تعود بقوة في فصل الشتاء، إلا أنهم عمدوا إلى تلقيح 40 مليون شخص، معتقدين أنها لن تعاود الظهور مرة أخرى. وطبقا لدراسة أجراها باحثون من جامعة ميتشغان ومراكز السيطرة على المرض عام 2007 على 43 مدينة، أنه خلال الإنفلونزا الإسبانية عام 1918 كان لدى المدن الأميركية التي استجابت سريعا للمرض، حالات الوفاة أقل عن تلك التي تميزت استجابتها بالبطء، واستخدمت القليل من التدابير الوقائية. وتمثلت أكثر الإجراءات الوقائية الشائعة في إغلاق المدارس، وعمليات الحظر المفروضة على التجمعات العامة، الأمر الذي استمر في 43 مدينة إلى 4 أسابيع في المتوسط. وأغلقت كل هذه المدن أبواب مدارسها لفترة امتدت إلى 6 أسابيع في المتوسط، فيما عدا نيويورك، وشيكاغو، ونيو هيفن. وتراوحت معدلات الوفاة بين كل 100 ألف نسمة ما بين 210 في غراند رابيدز بولاية ميتشغان، إلى 807 في بيتسبيرغ. وبالرغم من تأكيد بعض العلماء والمؤرخين أن هذه التدابير أدت إلى تأجيل حالات الوفاة التي ظهرت بعد ذلك بصورة أو بأخرى، ينكر الدكتور سيرتون، وهو أحد القائمين على الدراسة عام 2007، هذا الزعم. ويقول: «ليس هناك دليل على صحة هذا الأمر، فقد أبلت المدن التي تصرفت مبكرا، وأقدمت على عمليات التدخل المختلفة البلاء الحسن».

ولا يدرك الكثير من الأفراد كم المدة التي تستغرقها تلك التدابير حتى تثمر، ويقول الدكتور إمبيراتو إن بإمكان الطفل أن يأوي الفيروس لعشرة أيام، فيما يأويه البالغ 5 أيام. ويعتري بعض الخبراء التفاؤل المشوب بالحذر، واتجه فريق من جامعة نورث ويسترن يوم الأربعاء الماضي إلى إصدار محاكاة بالكومبيوتر لتفشي المرض، مصورين بذلك أسوأ سيناريوهات انتشار المرض، التي تشير إلى حال عدم استخدام أي تدابير لمحاربة تفشي المرض. ويتوقع هذا السيناريو حدوث 1700 حالة إصابة في الولايات المتحدة في غضون 4 أسابيع من الآن. * خدمة «نيويورك تايمز»