القيروان من استراحة القافلة إلى عاصمة للثقافة الإسلامية

قاومت تقلبات الأزمان.. وعقبة بن نافع قال عندما رآها: أرى أن أتخذها مدينة نجعلها معسكرا وقيروانا

TT

ما أن تطأ قدماك مدينة القيروان وتزور جوامعها ومعالمها الأثرية ذات الطابع الإسلامي، حتى يذهب إلى ظنك أن سنابك خيل عقبة بن نافع لم تغادر المدينة إلى الآن وربما هي ترابط قريبا من أسوارها. هذه المدينة التي قاومت تقلبات الأزمان وحافظت على طابع إسلامي خالص هو الذي جعل المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة تختارها عاصمة للثقافة الإسلامية. في هذه المدينة ما يعيدك إلى تاريخ القيروان المجيد من جامع عقبة بن نافع المعروف بالجامع الكبير إلى فسقية الأغالبة ومقام أبو زمعة البلوي الصحابي الجليل إلى بئر بروطة وأساطيره المرتبطة بالفاتحين الأولين. كل هذا جعل المدينة مفتوحة بأكملها على الأحداث التاريخية وجعل الاحتفال بها كعاصمة للثقافة الإسلامية حدثا هاما على امتداد سنة 2009. الاحتفالات انطلقت بعرض تصويري مدته ساعة يروي بالصورة والصوت تاريخ القيروان منذ تأسيسها سنة 50 للهجرة إلى يومنا هذا.

وتذكر الكتب التاريخية أن القائد عقبة بن نافع عندما أسس القيروان نظر إلى صحبه ثم قال لهم «أرى أن أتخذ مدينة نجعلها معسكرا وقيروانا تكون عزا للإسلام إلى آخر الدهر» وكان وقتها على رأس عشرة آلاف فارس وجههم له الخليفة معاوية بن أبي سفيان. وفهم عقبة من تجربته وعلاقته مع البربر في منطقتي برقة وزويلة أن المسلمين لا يمكنهم الاستقرار في افريقية دون بناء مصر يعسكرون فيه بعيدا عن السواحل خشية الأسطول البيزنطي المتربص بالقادمين الجدد، وغير متوغل في الداخل بعيدا عن القبائل البربرية المعادية للفاتحين، فتم الاختيار على منطقة القيروان وهي «موضع منبسط به مجال رعوي ملائم للفاتحين ودوابهم وبعيدا عن التجمعات البربرية وعلى مسافة هامة عن البحر». وكلمة قيروان أصلها فارسي وتعني في نفس الوقت استراحة القافلة وموضع اجتماع الناس في الحرب. وبها مسجد عقبة الذي أنشأه على مساحة صغيرة وتستند أسقفه مباشرة على الأعمدة وعرف بعد ذلك العديد من أعمال التوسعة ويوحي الجامع للمتأمل انه يشبه الحصن العسكري فهو ذو جدران سميكة ومرتفعة ودعاماته عالية وكان حسان بن النعمان هو أول من جدد الجامع ولم يبق سوى على المحراب عندما أعاد بناءه سنة 80 للهجرة.