5.3% من أطفال الضفة يعملون.. بعضهم تدفعهم عائلاتهم وآخرون يعملون في شبكات منظمة

الاحتلال يستغل الظاهرة لتجنيد العملاء

TT

ينتشر عدد كبير من الأطفال الفلسطينيين، في الشوارع والأسواق وعلى إشارات المرور، وفي المشاغل والمصانع، في الضفة الغربية، وقطاع غزة، بعضهم يعمل بشكل منتظم داخل مصنعه، والآخرون يبيعون الحلوى والصحف، وما تيسر. وتظهر الإحصائيات، التي نشرها الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء، أن نسبة الأطفال العاملين سواء بأجر أو بدون أجر بلغت 5.3% في الضفة و1.2% في غزة. وفي الوقت الذي يتعرض فيه الأطفال في الورش إلى استغلال كبير، يقف خلف «أطفال الشوارع» في العادة، أشخاص يديرون شبكات كبيرة لتشغيل الأطفال، وهو ما يحول هؤلاء إلى «أطفال عمال». وكشف بعض هؤلاء الأطفال لـ«الشرق الأوسط»، أن مشغليهم يزودونهم بالحاجيات لبيعها ويحددون لهم الثمن ويؤكدون عليهم بيع كل شيء، حتى لو وصل الأمر للشحدة، والمقابل، طبعا، جزء يسير من المال، وإذا كان المردود قليلا فإن الطفل يتعرض إلى توبيخ كبير.

وبعض الأطفال يتدرب على استخدام لكنة معينة، فيها تأتأة مثلا، أو يدعي الخرس، من أجل أن يستجلب العطف. ويرتدون دوما ملابس تدل على الفقر.

ولا تتخذ السلطة أي إجراءات لمنع هذه الظاهرة، التي بدأت تزيد مع الإغلاق والحصار الذي يخنق الضفة وغزة، رغم أنه هناك قوانين واضحة تمنع تشغيل الأطفال دون سن الـ 15، وتحدد شروطا صعبة لتشغيلهم فوق هذا السن.

وقال مصعب، 16 عاما، الذي ترك المدرسة وراح يعمل في مشغل للحديد أنه يريد أن يتعلم صنعة للمستقبل ليساعد والديه، وأنه لا يريد أن يواصل دراسته. وبحجة أن مصعب لا زال متدربا فإنه يتلقى مبلغا يكفيه للمواصلات فقط.

وينص القانون الفلسطيني على عدم تشغيل الأطفال لساعات طويلة، أو في الليل أو الأعياد أو في ظروف خطرة تؤثر على الصحة والنمو، ويشدد القانون على أن الأطفال العمال يجب أن يكونوا قريبين من أماكن سكناهم، وكل ذلك يجب أن يوضع في لوحة في أي ورشة تشغل أطفالا. إلا أن مصعب يستخدم منشارا خطرا للغاية، ومثله يوجد كثير. وقبل حوالي أسبوع توفي في الخليل طفل لم يبلغ الـ 13 تركه مشغلوه يعمل في الليل وحده، وأتى حريق في المكان على حياته.

وقال خالد قزمار، المستشار القانوني للحركة العالمية للدفاع عن الأطفال في فلسطين، لـ«الشرق الأوسط» «برغم وضوح القانون الفلسطيني إلا أن المشكلة تبقى في تطبيق القانون والإشراف عليه». وأضاف، «لا يوجد تطبيق للقانون، وأصحاب العمل لا يتعاملون مع الأطفال كمشكلة اجتماعية بل يستغلونهم بشكل جشع». وقال أطفال لـ«الشرق الأوسط»، إن عائلاتهم ترسلهم كذلك للعمل. وقرب إحدى الحاويات في مدينة بيت لحم جنوب الضفة، كان معتز يبحث عن معادن، وقال إن والده يطلب البحث عنها لبيعها، ومن بين الأشياء التي كان خالد يجمعها، أغطية زجاجات الكولا. وفي الحديقة الإسبانية، في مدينة أريحا، التي تحولت إلى منطقة سياحية يقصدها معظم أهل الضفة، وجدت «الشرق الأوسط» في وقت متأخر من الليل، طفلا لم يتجاوز الرابعة من عمره، لا يتقن الكلام تماما ولم يدخل مدرسة بعد، يحمل زجاجتين من العصير ويعرض بيعهما على المتنزهين. وقال الطفل إن اسمه أحمد، ويسكن في منطقة قريبة، وعند سؤاله عمن أعطاه العصير ليبيعه، قال «ابوي». وبصعوبة شرح «محمد» أن أباه يعطية زجاجتين ليبيعهما، ومن ثم يعود ليحضر اثنتين أخريين. وبحسب الطفل الصغير فإن والده يضربه إذا لم يبع العصائر. وقال قزمار، «هؤلاء باعة متجولون والسلطة تتحمل مسؤولية كاملة بتوفير الحماية لهم، ويجب على السلطة أن تفحص هذا الحالات، واحدة واحدة، وتقدم المساعدة، وتبحث عن الشبكات التي تشغلهم».

وتتحول هذه المهنة، إلى خطيرة جدا على مجمل المجتمع، خصوصا أن المخابرات الإسرائيلية تستغل بعض هؤلاء الباعة الأطفال، الناشطين قرب الحواجز العسكرية الإسرائيلية، وتجندهم كعملاء، وقال قزمار «بعضهم يكون ضحية للتجنيد من قبل المخابرات الإسرائيلية» مؤكدا أن مؤسسته، وثقت عدة حالات لأطفال جندوا. وفي آخر إحصاء رسمي للتقديرات السكانية في الأراضي الفلسطينية، تبين أن عدد الأطفال دون سن 18 عاما، بلغ نحو مليون وتسعمائة ألف من إجمالي عدد السكان البالغ عددهم ثلاثة ملايين و880 ألف و381 في نهاية عام 2008.