موسوي: كلما زادت واقعية أميركا كان ذلك أفضل.. وإذا توافق كلام أوباما مع أفعاله سنتعامل معه

المنافس الرئاسي لنجاد: لن أتنازل عن مسألة تخصيب اليورانيوم.. لكنني سأحاول تجنب أية توترات لا ضرورة لها

حسين موسوي («الشرق الأوسط»)
TT

مرة أخرى يبدو الأمر وكأن هناك عالمين وواقعين، عالم وواقع طهران وعالم وواقع الغرب. ففي حين تعرض محمود أحمدي نجاد (52 عاما) لانتقادات حادة بسبب ظهوره المستفز المعادي لإسرائيل أمام مؤتمر الأمم المتحدة لمناهضة العنصرية بجنيف، من جانب سياسيين ووسائل إعلام أميركية وأوروبية، فقد قوبل لدى عودته إلى بلاده بالتهليل والهتافات. وهتف نواب البرلمان: «شكرا لرئيسنا البطل»، ورد نجاد متحديا: «بسببي قاطعت بعض الدول المؤتمر، وأنا أعلن من هنا أنني سأشارك في جميع المؤتمرات الدولية»، أما مندوبو الاتحاد الأوروبي الذين غادروا القاعة في أثناء إلقائه خطابه في جنيف، فقد رماهم بـ«عدم التسامح».

وقد علق حسين موسوي (67 عاما) بحرص شديد على تلك الأحداث، كما فعل كثيرا في حياته مترقبا ومنتظرا. واكتفى رئيس الوزراء الأسبق بقوله: «من يسئ إلى الرئيس الإيراني فقد أساء إلى الشعب الإيراني». وموسوي هو المرشح الرئاسي الذي يأتي على رأس قائمة «الإصلاحيين» الإيرانيين، كما أنه «براغماتي»، كما يسمي المحافظون المعتدلون أنفسهم. ويعد موسوي المنافس الأوفر حظا في مواجهة «الملتزمين بالمبادئ»، كما يطلق على المتشددين الذين سيحتشدون حول أحمدي نجاد في انتخابات الثاني عشر من يونيو (حزيران).

يواجه موسوي معركة انتخابية صعبة، فرغم أن المدن الإيرانية تسودها حالة من الوجوم، بسبب سياسات أحمدي نجاد الاقتصادية الكارثية بشكل رئيسي، فإن شعبية الرئيس صاحب الشخصية الكاريزمية لا تزال عالية في المناطق الريفية، بالإضافة إلى أنه بإمكان أحمدي نجاد استخدام الجهاز الكامل والآليات الكاملة المتوافرة للدعاية للرئاسة. ولكن فقط في حالة نجاح موسوي في دفع الشباب والطبقة الوسطى إلى صناديق الاقتراع قد تتوافر له فرصة للنجاح، وهنا بالضبط تكمن نقطة ضعفه وعجزه، فالكثيرون تحت سن الثلاثين (وهم ثلثا الشعب الإيراني) لا يعرفونه بالمرة، إلى الآن على الأقل.

ولد موسوي بالقرب من تبريز، ودرس العمارة، كما شارك في الكفاح ضد نظام الشاه. وعقب الإطاحة بمحمد رضا بهلوي عام 1979 أصبح وزيرا للخارجية عام 1981، وبعدها بأشهر قليلة أصبح رئيسا للوزراء في البلد الذي أصبح يحكمه رجال الدين. وفي أثناء حرب السنوات الثماني ضد العراق برز موسوي كمنظم لاقتصاد الندرة. أما في مجال الإصلاح الداخلي فلم يظهر موسوي بشكل إيجابي، فنادرا ما وقع هذا العدد الكبير من الاعتقالات كما وقع في عهد رئاسته للوزراء.

ومنذ عام 1989 حتى اليوم لم يتولَّ هذا المثقف أي منصب رسمي، لكنه عضو بمجلس التحكيم الذي يتوسط في الخلافات بين البرلمان ومجلس صيانة الدستور النافذ. أما علاقته بالمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي فيقال إنها تشهد تحسنا كبيرا منذ فترة قصيرة بعد صراع على السلطة.

وفيما يتعلق بالقرارات المتعلقة بالسياسة الإيرانية، مثل المسألة النووية واستئناف العلاقات مع واشنطن، لموسوي أفكار معينة، أضيفت إليها الآن قضية روكسانا صابري، إذ قضت محكمة ثورية على الصحافية الأميركية من أصول إيرانية التي كانت تعمل مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) وغيرها، حكمت عليها في منتصف أبريل (نيسان) بالسجن ثماني سنوات، خلال جلسة مغلقة سريعة ومثيرة للشك والريبة عقدت بطهران.

وقد قدم فريق الدفاع، الذي انضمت إليه شيرين عبادي الفائزة بجائزة نوبل للسلام، طعنا في الحكم، وطالب أحمدي نجاد شخصيا من خلال رسالة مدونة إلى السلطات القضائية بـ«معاملة عادلة» للصحافية، وهو ما ينظر إليه الكثيرون باعتباره دليلا على بعض اللين في موقفه تجاه الولايات المتحدة، وأيضا على قرب صدور عفو عن الصحافية. أما أكبر منافسيه السياسيين فرفض التعليق على القضية. التقت مجلة «دير شبيغل» موسوي بأكاديمية الفنون بطهران، وهي الأكاديمية التي أسهم في تأسيسها منذ أحد عشر عاما، والتي يرأسها حاليا. وتأتي هذه المقابلة عقب لقاء أجرته «دير شبيغل» مع الرئيس أحمدي نجاد منتصف شهر أبريل، وهو اللقاء الذي أثار ضجة كبيرة في إيران وتناقلته معظم الصحف اليومية، كما أوردت صحيفة «إيران نيوز» واسعة الانتشار نصه كاملا. ويمكن فهم تعليقات موسوي أيضا على أنها إجابات على أحمدي نجاد.

* السيد موسوي، لماذا تعودون بعد فترة انقطاع وامتناع دامت عشرين عاما إلى العمل بالسياسة؟

ـ لأن الكثير من الأمور لا تسير بشكل سليم في هذا البلد، وعلى رأسها الاقتصاد. ولأنني أعتقد أن بإمكاني القيام ببعض الإصلاحات في هذا المجال، كما سأحاول القضاء على الفساد.

* لم تذكروا السياسة الخارجية، فهل تترددون ـ كالرئيس أحمدي نجاد ـ أمام دعوة الرئيس الأميركي باراك أوباما لإجراء حوار؟

ـ اللهجة التي يستخدمها السيد أوباما تختلف بشكل إيجابي عن لهجة سلفه جورج بوش، ولكن الآن يجب أن تأتي الأفعال في أعقاب الأقوال، ونحن سنراقب ما يحدث عن كثب، فإذا وافقت أفعاله أقواله فلماذا لا نتعامل معه؟

* أنتم تتحدثون كأحمدي نجاد، ولكن الأمر يدور أيضا حول الخطوات الملموسة التي ستقومون بها للإسهام في تخفيف التوتر الذي ساد العلاقات الأميركية ـ الإيرانية، وطريقة تقاربكم من أوباما.

ـ كلما زادت واقعية السياسة الأميركية كان ذلك أفضل. لقد وضعتنا واشنطن ضمن «محور الشر»، والآن نريد أن نرى خطوات ملموسة يمكن بعدها بناء الثقة ببطء. من جانبنا يتطلب منا ذلك تهدئة نبرتنا بعض الشيء، وأنا أؤيد إقامة علاقات جيدة مع الدول الأخرى، وبالنسبة إلي ستكون سياسة تخفيف التوتر في العلاقات الدولية قضية رئيسية ومحورية.

* هل يعد التعاون مع الغرب ـ فيما يتعلق بالعمل على استقرار أفغانستان والعراق مثلا – ضمن أولوياتكم؟

ـ لدينا مشكلات كبيرة في المنطقة، وعلينا أن نبدأ بإجراء حوار بشأنها، وكل ذلك لن يتم بسرعة، ولكن دعونا نسير خطوة بخطوة في اتجاه تحسين العلاقات.

* في هذا المجال يمكنكم الإسهام بشكل حاسم ومحدد، من خلال تلبية طلب المجتمع الدولي الخاص بالمسألة النووية. فكيف يمكن للعالم أن يصدق أنكم لا تسعون إلى تصنيع قنبلة نووية وأنتم لستم على استعداد حتى لوقف تخصيب اليورانيوم؟

ـ تتميز سياستنا النووية بالشفافية، وقد فتحنا منشآتنا النووية أمام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكننا لن نتخلى عن الإنجازات الكبيرة التي حققها العلماء الإيرانيون، وحتى أنا لن أتنازل عن مسألة تخصيب اليورانيوم، لكنني سأحاول تجنب أية توترات لا ضرورة لها، فتخصيب اليورانيوم من حقنا.

* فهل يمكن على الأقل الوصول إلى حل وسط يتضمن الحصول على اليورانيوم المخصب من روسيا مثلا أو تخصيبه هناك؟

ـ لا.

* حتى في هذه النقطة لا تختلفون عن الرئيس أحمدي نجاد، فأين تكمن الاختلافات بينكما؟

ـ هل يجب أن تكون هناك اختلافات جذرية بين المرشحين فيما يتعلق بمسائل قومية مصيرية؟ أنا أرى أن الغرب بدأ في الفصل بين التسلح النووي والأغراض السلمية للطاقة النووية، وقد حققنا تقدما تقنيا كبيرا، فلماذا لا نستفيد به لتوليد الطاقة؟ فمثلا بعد أن تردد أصدقاؤنا الألمان لمدة طويلة في مساعدتنا على إنشاء مفاعل بوشهر النووي...

* الذي بدأ تشييده على عهد الشاه بمشاركة شركة «سيمنز» الألمانية، وهو التعاون الذي وضعت ثورة عام 1979 حدا له فجأة.

ـ بالإضافة إلى أن لنا تجارب سيئة في أثناء فترة تعليق تخصيب اليورانيوم، ففي أثناء قيامنا بتعليق تخصيبه ما بين عامي 2003 و2005، لم نحصل على شيء مقابل ذلك، بل على العكس، استغلت فترة تعليق التخصيب لعرقلة أي تطوير آخر لدينا.

* كيف تريدون تحسين علاقاتكم بأوروبا؟

ـ كانت لدينا دائما علاقات جيدة مع أوروبا، فالشرق الأدنى هو جار أوروبا، كما أننا أحد اللاعبين الأقوياء في تلك المنطقة.

* تكرر تشكيك الرئيس أحمدي نجاد في وقوع الهولوكوست، أي قتل الألمان لستة ملايين يهودي، فهل تشككون أنتم أيضا في ذلك؟

ـ الأمر لا يتعلق بأعداد القتلى، ولا بمن ارتكب تلك الأفعال، فبغض النظر عن المسؤول فلن نحاكمه نحن. الأمر هو فقط: لماذا يجب أن يدفع الفلسطينيون ثمن ما حدث آنذاك في أوروبا؟

* الرئيس أحمدي نجاد لا يؤمن بأن هناك دليلا تاريخيا على تعرض اليهود لقتل جماعي، فهل لا تؤمنون أنتم أيضا بذلك؟

ـ لدينا في طهران مقابر لبولنديين، فقد فروا إلينا من مظالم تلك الفترة، فلا بد إذن أن شيئا ما جرى في تلك الفترة.

* هل تعترفون بإسرائيل؟

ـ لا، أنا لا أعترف بها. فقد مر عشرون عاما ونحن نطالب بحل للمشكلة من خلال استقصاء لآراء جميع الفلسطينيين، وهو ما يتضمن الفلسطينيين اليهود والمسيحيين الذين يعيشون في تلك المنطقة. فعليهم أن يقرروا إن كانوا يرغبون في العيش في دولة واحدة أم في دولتين.

* يشتكي الكثيرون من الإيرانيين من أن الرئيس نجاد يهتم بالفلسطينيين أكثر مما يهتم بشعبه، فأين تضعون ثقلكم؟

ـ بتغيير السلطة سيكون هناك أيضا تغيير في السياسة، وسأهتم بشكل خاص بتحسين الوضع الاقتصادي، بالإضافة إلى محاربة التضخم وزيادة فرص العمل وتحسين مناخ الاستثمار، ونحتاج لتحقيق كل ذلك إلى تعاون القطاع الخاص.

* هل يرتبط بكم أيضا الأمل في الحصول على حرية سياسية؟

ـ أنا مؤسس مشارك في مؤسسة ثقافية تتاح فيها أجواء حرة للفنانين والمثقفين، كما سأسعى إلى إلغاء الشرطة الدينية.

* ما هي توقعاتكم بالنسبة لفرص فوزكم في الانتخابات؟

ـ أحاول النظر إلى الأمور من منظور متفائل، وعلينا أن ننتظر تطور الأجواء خلال الأسابيع المقبلة، وهي تتغير عندنا بسرعة. وخلال جولاتي الانتخابية عبر البلاد سأحرص على الاتصال بالجماهير وتقديم أفضل ما عندي.

* هل تعتقدون أن بإمكانكم مواجهة جهاز الدعاية الضخم للرئيس، خصوصا أنه قد قيل إن المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي يقف إلى جانب نجاد؟

ـ لقد جرى حوار مستفيض وشخصي بيني وبين القائد، خامنئي، وكما حدث عند ظهوره في شهر مارس (آذار) في مشهد، فقد أكد مرة أخرى على حياده وعلى مساندته ودعمه لأي رئيس منتخب. وكلما زاد تكاتف صفوفنا فيما يخص المسائل السياسية الرئيسية والمركزية كان ذلك أفضل لمستقبل بلادنا.

* خاص بخدمة «نيويورك تايمز».. من مجلة «دير شبيغل» الألمانية