وباء حقيقي أم مجرد حالة ذعر؟

لا يمكن التنبؤ بدرجة خطورته بعد.. وقد يصيب كل دول العالم

TT

هل تفشي مرض إنفلونزا الخنازير هو الوباء الكبير المقبل أم أنها نوبة ذعر عالمية؟

وهل ما نشهده هو حالة من الذعر أم وباء؟

يطلق رسميا على المرض الذي أسر انتباه العالم اسم إنفلونزا «أيه اتش1 إن1»، ويعرف باسم «إنفلونزا الخنازير»، وظهر في بادئ الأمر في المكسيك. لكن لا تزال طبيعة هذا المرض وكنهه وقوته محل الكثير من البحث. وكما هو الحال مع جميع فيروسات الإنفلونزا، فإنه يتغير بصورة مستمرة، ولذا فإنه لا يعد تهديدا للصحة العامة يمكن التنبؤ به، بل هو تهديد متغير. وقد أضحى المرض عالميا، بعد ظهوره في آسيا، حيث سجلت أول حالة في هونغ كونغ، كما ظهر في الدنمارك، بالإضافة إلى ثماني ولايات إضافية في الولايات المتحدة. ولكن، كان هناك رد فعل عكسي قوي تسببت فيه حالة من الرعب من الإنفلونزا، ويتساءل بعض المسؤولين عما إذا كانت المدارس متعجلة في إغلاق أبوابها مع أول ظهور للفيروس. وقد تطرقت منظمة الصحة العالمية بصورة مباشرة إلى قضية الوباء في مقابل الذعر بتحذير المواطنين من القفز إلى أي استنتاجات بشأن قوة الفيروس. ويقول مسؤولون إنه لم تظهر حتى الآن قدرة الفيروس على التسبب في الموت خارج المكسيك (الشخص الذي مات في الولايات المتحدة كان طفلا صغيرا سافر من المكسيك إلى تكساس)، ومع ذلك لا يعني هذا أنه سوف يبقى مرضا لطيفا خلال الأسابيع والأشهر المقبلة. والإنفلونزا عبارة عن فيروس بسيط، به ثمانية جينات فقط، ولكنه يصنع صورا من نفسه، مما يؤدي إلى حدوث عملية تحول مستمرة. ولمعظم عمليات التحول نهاية مميتة، ولكن مع توافر فرص كافية، يمكن أن يصبح الفيروس أكثر قدرة على نقل العدوى وأكثر فتكا. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تجاوزت موسم الإنفلونزا، فإن جنوب هامبشير، حيث انتشر الفيروس، يدخل الأشهر الباردة حيث يمكن أن تصبح الإنفلونزا أكثر تدميرا. وظهرت بعض الأخبار الإيجابية أمس، حيث قال علماء مكسيكيون إن القدرة على نقل العدوى للإنفلونزا ليست أكبر من تلك المرتبطة بالإنفلونزا الموسمية التي تنتشر كل عام. وتقول نانسي كوكس، رئيسة معمل الإنفلونزا بمراكز الرقابة على الأمراض منها، إن تحليلا جينيا مبدئيا لم يضع نهاية لأي من العلامات التي ربطها العلماء بقوة فيروس الإنفلونزا الإسبانية لعام 1918. وللوباء الذي حدث في عامي 1918 و1919 أثر على الحالة الطارئة الصحية في الوقت الحالي. وأدى ذلك الفيروس الذي انتشر في العالم في النهاية إلى إصابة الجميع تقريبا ومقتل 50 مليون شخصا على الأقل. ويقول جيفير توبنبرغر، الباحث بالمعاهد القومية للصحة الذي أعاد بناء فيروس الإنفلونزا عام 1918، إنه ينمي فيروس إنفلونزا الخنازير الجديد في معمله. ويقول: «من المبكر جدا تحديد ما يجعل هذا الفيروس يظهر. أشعر بعدم الرغبة في التنبؤ بما سوف يقوم به فيروس إنفلونزا يتحول بصورة سريعة». ولكنه يؤمن بأنه سوف ينتشر في كافة أنحاء الكرة الأرضية: «أتوقع أن هذه السلالة سوف تستمر في الانتشار ومن المحتمل جدا أن يصبح وباء فيروسيا إن لم يكن هو حاليا وباء فيروسيا». وهذا لا يعني أن هذا يجب أن يكون وباء شديد الخطورة مثل وباء عام 1918. ويقول مايكل أوسترهولم، أستاذ علم الأوبئة في جامعة مينيسوتا، إن الوضع يشبه التنبؤ بإعصار حيث يعلم علماء الأرصاد الجوية فقط أن هناك منطقة من الضغط المنخفض في المحيط الأطلنطي. ويضيف: «يريد الجميع في أسبوع إجابة عما سوف يحدث، وأي شخص يعطي لك إجابة فورية لا تسمع له أي شيء لأنه لا يمكن لك أن تثق فيه». وأشار المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية جريغوري هارتل أمس إلى أن المواطنين ربما يسيئون فهم كلمة «وباء»، فاللفظة تشير إلى المكان الذي ينتشر فيه مرض ما وليس إلى درجة خطورته. ومن الأشياء الهامة غير المعلومة، معدل الوفيات بين الحالات المصابة بإنفلونزا الخنازير، أي الشريحة الصغيرة من المصابين الذين يموتون. وبالنسبة لإنفلونزا عام 1918، كان 2 إلى 2.5 في المائة بالنسبة للولايات المتحدة في المجمل، ولكن في المعسكرات العسكرية وعلى سفن القوات، كان المعدل 7 إلى 10 في المائة وفي بعض قرى إنويت وصل إلى 70 في المائة. أما بالنسبة لوبائي الإنفلونزا خلال القرن العشرين، فقد كانت المعدلات أحسن حالا بدرجة كبيرة، حيث كان معدل الوفاة خلال الإنفلونزا الآسيوية عام 1957ـ1958 0.2ـ0.5 في المائة وكان المعدل خلال إنفلونزا هونغ كونغ عام 1968ـ1969 أقل، حيث بلغ 0.1 في المائة، وهو معدل يقترب من المعدلات خلال الإنفلونزا الموسمية. وسيكون معدل الوفاة بين الحالات المصابة بإنفلونزا الخنازير أمرا يمكن التأكد منه عندما يكون علماء الأوبئة قادرين على تتبع سلوكه منذ اللحظة التي يصل فيها إلى مجتمع سكاني ما، وتعد هذه مهمة صعبة تحت أفضل الظروف ولا تسمح بذلك الظروف الراهنة في المكسيك. وقد شك الأطباء لأول مرة في شيء ما غريب عندما ظهر عدد صغير من البالغين الشباب في المستشفى يعانون من مرض ذات الرئة. والسؤال هو كم عدد المواطنين الآخرين الذين أصيبوا بالإنفلونزا ولكن لم يمرضوا بدرجة كبيرة، ويجب على الباحثين أن يأخذوا الدم من عدد من المواطنين في المدن المصابة لتقييم عدد المواطنين الذين كانوا مصابين ولم يعرفوا ذلك. وتشير الدلائل الأولى من الولايات المتحدة والقليل من الدول الأوروبية إلى أنه ليس خطرا بصورة غير عادية، حيث إن هناك القليل من الوفيات حتى الآن. وإذا استمر ذلك، فإنه يمكن أن يساعد على معدل الوفيات المرتفع بصورة غامضة في المكسيك. وربما يكون أن المكسيك لديها بالفعل مئات الآلاف، وربما الملايين، من الحالات. وتعد حقيقة أن معظم المواطنين الذين أصيبوا في دول أخرى ذهبوا أخيرا إلى المكسيك أو كانوا على اتصال مباشر مع شخص ذهب إلى هناك دليل غير مباشر على أن المكسيك ربما كانت تعاني من وباء مستتر منذ أشهر. وبغض النظر عن درجة الخطورة التي قد يظهر عليها المرض، فإن فيروس إنفلونزا الخنازير الجديد سيصيب من المؤكد في النهاية جميع القارات والدول، على الرغم من أن ذلك قد يستغرق أعواما. واكتشفت دراسات في الثلاثينات أن 97 في المائة من المواطنين الذين ولدوا قبل 1920 كانت لديها أجسام مضادة لفيروس الإنفلونزا الإسبانية، ويعد ذلك دليلا على أنه في حقيقة الأمر فإن كل شخص كان يعيش خلال الثلاثة أعوام التي ظهر فيها الفيروس 1918 و1919 و1920، أصيب به في مرحلة ما حتى لو لم يكن يعلم ذلك. ويعتقد الخبراء أن مصير مشابه ينتظر أي مجموعة من السكان كانوا عرضة لفترة كافية إلى سلالة جديدة من الإنفلونزا ولم يكن لديهم مناعة منها.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»