السنيورة لا يعتبر الإفراج عن الضباط براءة أو اتهاما.. و«التقدمي الاشتراكي» يحذر من استهداف بنية الدولة

ترقب لموقف القضاء اللبناني ردا على الحملات السياسية والإعلامية ضده

TT

في موازاة استمرار الحملة العنيفة والمركزة من قِبل حزب الله وحلفائه على القضاء اللبناني والتي انطلقت فور صدور قرار المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة قتلة رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، القاضي بإطلاق سراح الضباط الأربعة، تترقب الأوساط السياسية والقانونية والشعبية الموقف الذي سيصدر عن مجلس القضاء الأعلى غدا الثلاثاء والمخصص للبحث في الحملات السياسية والإعلامية التي طاولت السلطة القضائية برمتها والتهديدات التي وُجهت إلى عدد من القضاة.

وقد توقعت مصادر قضائية مطلعة أن «يتخذ مجلس القضاء موقفا حازما وحاسما للرد على هذه الحملات المضللة والافتراءات التي تنال من سلطة العدالة المفترض أن تبقى بمنأى عن كل الاتهامات والتجاذبات والتقاذف السياسي أيا تكن أطرافه». وأوضحت أن موقف مجلس القضاء «سيبدد مشاعر الألم التي انتابت الأوساط القضائية جراء الحملة الشعواء، وسيضع النقاط على الحروف بما يحمي القضاة المستهدفين ويجعلهم محصنين من أي تداعيات آتية من خارج أسوار العدالة».

من جانبه اعتبر رئيس الحكومة فؤاد السنيورة أن موضوع إطلاق الضباط الأربعة «أمر مهم جدا لأنه يعطي رسالة حتى للذين شككوا وأثاروا موجة من الغبار حول المحكمة. وهذا دليل على أن المحكمة تتصرف بموضوعية وبعيدة عن التسييس». وأشار إلى أن القرار التي قضى بإطلاق سراح الضباط والمستند إلى مطالعة المدعي العام الدولي دانيال بلمار «ليس حكما لا بالبراءة ولا بالاتهام. فمن الممكن أن يكونوا أبرياء ومن الممكن أن يكونوا متهمين استنادا إلى القانون الدولي. ويجب قراءة الموضوع بعناية شديدة». وذكّر بأن المدعي العام الدولي «أصبح صاحب المسؤولية عن الملف بعدما رفع القضاء اللبناني يده عنه وبات ينفذ تعليمات القضاء الدولي».

وقال وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريضي، في كلمة ألقاها في ندوة سياسية أقامها الحزب التقدمي الاشتراكي في جبل لبنان، مخاطبا فريق «8 آذار»: «لقد رفضتم الاتهامات السياسية السابقة. وها أنتم تمارسون اليوم كل أشكال الاتهامات، على سياسيين وعلى مسيرة معينة وعلى قضاة ورئيس الجمهورية ومجلس الوزراء. هذا أمر سيؤدي إلى اهتزاز جديد في الحياة السياسية اللبنانية. كنا اعتقدنا السير معا في طريق التهدئة بعد الدوحة». وأشار العريضي إلى «خطورة استهداف البعض للقضاء والتدخل السياسي في شؤونه»، مستغربا «كيف لا يبدي البعض أي إشارة إيجابية حول ما يقوم به فرع المعلومات من كشف للشبكات الإسرائيلية التي تعمل على خرق صفوف المقاومة». أما وزير الدولة لشؤون مجلس النواب وائل أبو فاعور فحذر «البعض الذي يريد أن يبني على قرار المحكمة بإخلاء الضباط الأربعة، منصة سياسية لتصويب اتهامه إلى القضاء اللبناني والأجهزة الأمنية وعلى بنية الدولة ومؤسساتها». وقال: «إذا كان البعض يريد أن يستفيد من هذا القرار لتظهير بعض الوجوه الجديدة التي اعتقدنا أنها ذهبت مع الوصاية ولتدشين انقلاب سياسي جديد، فنحن سنكون في موقع التصدي لهذا الانقلاب، كما تصدينا يوم حاصروا القصر الحكومي ويوم قطعوا الطرق ويوم انقلاب 7 أيار (مايو)، فأفشلنا هذه الانقلابات وانتصرنا بمنطق العدالة وبمنطق السلم الأهلي ضد منطق الفتنة».

من جهته، أبدى وزير الدولة جان أوغاسبيان ثقته الكاملة بالجسم القضائي اللبناني، منتقدا الدعوات إلى استقالة كل من مدعي عام التمييز ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية. وأكد أن «القضاء اللبناني ليس متهما أو مخطئا، بل إن ما حصل في مسألة الضباط الأربعة يعود إلى الاختلاف بين القانون اللبناني والقانون الدولي الذي حدد مهلة التوقيف بثلاثين يوما قابلة للتجديد مرتين، فيما تنص المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية (اللبناني) على مهلة مفتوحة لاحتجاز الموقوفين في الجرائم المتعلقة بالإرهاب والمخلة بالأمن الوطني». وذكّر بأن القانون اللبناني «نص على هذه المهلة المفتوحة بعد الإصرار الذي أبداه رئيس الجمهورية السابق إميل لحود والضغوط السورية التي مورست لدى إقرار القانون».

وأكد نائب رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان أن المحكمة الدولية «ستستمر في عملها بعيدا عن التسييس. وأن إطلاق الضباط الأربعة جاء ليظهر أنها بعيدة عن أي تسييس، لأن قرارها كان انطلاقا من ملفاتها». مشيرا إلى أن «مسألة الضباط شأن قضائي بحت. ويجب أن يبقى في هذا الإطار». بدوره، حذر عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب أنطوان زهرا من «أبعاد الحملة التي يتعرض لها القضاء ومحاولة إسقاط واحد من آخر حصون السلطات المستقلة التي تؤمن باستمرارية البلد السيد الحر والمستقل»، فيما تمنى البطريرك الماروني نصر الله صفير أن «يُصان القضاء، فلا تتناوله الألسن بما تتناوله اليوم من أقوال بعيدة عن الحقيقة والواقع خدمة لأهداف سياسية وتحصينا لقضاة مشهود لهم بالعلم والنزاهة». وقال: «إننا إذ نهنئ الضباط الأربعة الذين أفرج عنهم، نرجو أن تنجلي خفايا هذه القضية لكي لا تبقى مثار جدل». وقد استقبل صفير أمس مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية (المحقق العدلي في قضية اغتيال الحريري) القاضي صقر صقر الذي شكره على موقفه الداعم للقضاء اللبناني وهيبته.

وفي الإطار نفسه، قال مفتي جبل لبنان الشيخ محمد علي الجوزو أمس: «أن يدافع حزب الله عن العدالة ويرفض الظلم شيء جيد وتقدم كبير في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان وعن كرامته وصون للحريات. لكننا نسأل حزب الله: من كان السبب في زج الضباط الأربعة في السجن؟ ومن كان وراء الجرائم التي ارتُكبت في حق لبنان؟ الحقيقة أن الذي أوصل الضباط الأربعة إلى ما وصلوا إليه هو جهاز الأمن السوري الذي سخّر الكثيرين لمآربه والذي كان يدفع السياسيين الموالين لسورية إلى مهاجمة الرئيس الحريري والتشهير به وتهديده باستمرار». وسأل: «لماذا هب حزب الله للدفاع عن الضباط الأربعة؟ هل كل ذلك نصرة للعدالة، أم تغطية لحلفائه في سورية؟ فإذا كان الحزب حريصا على العدالة، فلماذا لا يقدم الذين اقتحموا أحياء العاصمة في 7 أيار (مايو 2008) للقضاء لمحاكمتهم؟».

في المقابل، اعتبر عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب حسن فضل الله أن «قضية الضباط الأربعة كانت قضية سياسية وليست قضائية أو قانونية. وهناك قوى سياسية كانت تعمل واستعجلت لتشكيل المحكمة الدولية لممارسة عملية الابتزاز وتحقيق مكاسب سياسية لسنوات أخرى».