الجاسوس السابق منظم لقاءات الباب الخلفي مع حزب الله وحماس.. عمل متخفيا في باكستان وأفغانستان

وثق به عرفات وقادة حماس ومسؤولون إسرائيليون كبار

ألاستر كروك («نيويورك تايمز»)
TT

بات الحوار مع الجماعات الإسلامية السياسية هو السمة الغالبة في الدوائر الحاكمة في كل من واشنطن ولندن هذه الأيام، فقد أبدت إدارة باراك أوباما رغبتها في إجراء حوار مع إيران، كما قررت وزارة الخارجية البريطانية إعادة اتصالاتها الدبلوماسية مع حزب الله في لبنان.

كانت تلك الجهود تمارس بصورة سرية قبل أن تخرج إلى العلن هذه الأيام. فقد قامت مجموعات محدودة من الدبلوماسيين الغربيين، على مدار سنوات عدة، برحلات سرية إلى بيروت لإجراء محادثات سرية مع أعضاء حركة حماس وحزب الله والجماعات الإسلامية الأخرى. كانت الاجتماعات التي تدور في غرف المؤتمرات في الفنادق تشهد مصافحة حذرة من الجانبين ثم قضاء ساعات طوال في الاستماع وإلقاء الاتهامات بالإرهاب على أحدهما والاتهامات بالغرور الاستعماري على الجانب الآخر.

ويعد ألاستر كروك، ذلك الرجل الهادئ، ذو الشعر الأصفر، الذي يبلغ من العمر 59 عاما، والذي قضى ثلاثة عقود من العمل في جهاز الاستخبارات السرية الخارجية البريطاني إم آي 6، والذي يدير منظمة تدعى منتدى النزاعات، والتي تضم مجلسا من المستشارين يضم جواسيس سابقين ودبلوماسيين ونشطاء سلام، هو منظم لقاءات الباب الخلفي تلك.

وقضى كروك غالبية حياته المهنية في التحدث إلى الإسلاميين، وقد ساعد خلال عمله كعميل متخف في باكستان وأفغانستان في نقل الأسلحة إلى الجهاديين الذين يحاربون السوفيات، ثم قضى بعد ذلك عدة أعوام يتعامل فيها مع حماس وفتح كمفاوض للاتحاد الأوروبي ونجح في الوساطة في وقف إطلاق النار عدة مرات مع إسرائيل في الفترة من عام 2001 إلى 2003. عرف عن كروك الشجاعة والعناد، غير أنه على المستوى الشخصي مهذب إلى درجة كبيرة ومسالم وذو ابتسامة شيطانية ماكرة.

وتأتي مهمة منتدى النزاعات، الذي تأسس في عام 2004، شبيهة بمخطط جهود إدارة أوباما في الوقت الحالي «لفتح علاقة جديدة بين الغرب والعالم الإسلامي عبر الحوار والتفاهم المشترك الجيد».

وعلى الرغم من أن كروك، يبدو كشخصية أسطورية لشبكة صلاته العميقة بين الإسلاميين في الشرق الأوسط، فإنه ليس متفائلا بشأن نتائج حوار عادي خاصة مع إيران.

وقال كروك: أعتقد أن هناك خوفا حقيقيا، وأنه ستكون حوارات بين بعضهم البعض يقول فيها الإيرانيون «إننا نرغب في الحديث عن العدالة والسلام» وستقول الولايات المتحدة «هل أنتم مستعدون للتخلي عن طموحات تخصيب اليورانيوم أم لا؟» وأوضح كروك أن الغرب بحاجة إلى تغيير خطابه الدبلوماسي من التهديد والمكافآت، إلى إظهار المزيد من الاحترام للخصوم، لتجاوز هذا المأزق مع إيران والجماعات الإسلامية بشكل عام.

وقد قضى كروك السنوات القليلة السابقة يحاول توضيح ذلك للمسؤولين الغربيين المتشكيين، في عدد من المقالات والخطب والمؤتمرات. وعلى الرغم من أنه غير متخصص في اللغة العربية، فإنه يمتلك معرفة عميقة بالحركات الإسلامية الحديثة. وقد انطلق في مجال تحليل السياسات الفلسطينية وحتى الفلسفة الإسلامية في القرون الوسطى.

تبنى كروك في الآونة الأخيرة منهجا تفسيريا أكثر، ففي كتابه «المقاومة: جوهر الثورة الإسلامية»، تجنب الحديث عن المسائل الخلافية مثل إسرائيل والمرأة، وركز بدلا من ذلك على ما أسماه لب الثورة الإسلامية والتي عرفها بأنها مقاومة فلسفية للتعريف المعتمد على اقتصاد السوق للفرد والمجتمع. وقد أثار النقاد الاجتماعيين الأوروبيين، من أمثال ثيودور أدورنو وماكس هورخمير، وأقر انتقاداتهم للتفكير الغربي والمجادلة بأن الإسلام يقدم نموذجا أكثر قداسة.

ولم يكن من المدهش أن يقابل الكتاب ببعض الانتقادات اللاذعة، حيث تجددت الاتهامات بأن كروك أصبح عربيا، على الرغم من أن زملاءه في منتدى النزاعات قالوا إنهم متحيرون، ليس بسبب تعاطفه مع الإسلاميين وإنما للقضايا الفلسفية التي يحتويها الكتاب. ويقول كروك إن الكتاب محاولة منه لفهم الأرضية المشتركة للإسلاميين والنظر إلى ما وراء الحواجز.

وقال: «شعرت برغبة حقيقية في فهم ما يحدث داخل الحركات الإسلامية بصورة أفضل، وتأصيل ما يقولونه بصورة يمكن فهمه في الغرب».

ويبدو المشروع جزءا أصيلا من مشروعه الكبير بشأن الحوار. ولتوضيح ذلك، وصف كروك حلقة من النزاع في أيرلندا الشمالية حيث وضعت فيها بريطانيا فصيلين متنازعين في غرفة للنقاش، معتقدة بسذاجة أن تلك المحادثات يمكن أن تسفر عن شيء، لكنها لم تزد سوى في خصومتهم. لذا حاول المفاوضون القيام بأمر آخر، حيث طلبوا من طرفي النزاع كتابة تاريخهم ورؤيتهم من أجل المستقبل على قطعة من الورق، وبعد ثلاثة أعوام من المناقشات توصل الفريقان في النهاية إلى اتفاق اعترف فيه كل منهما بشرعية الآخر والخطة التي كتبها.

وقال كروك مشيرا إلى جهود جورج ميتشل الكبيرة في التوصل إلى اتفاق الجمعة العظيمة في أيرلندا الشمالية عام 1998، ورابطا إياه بالعديد من العقبات التي تواجه الولايات المتحدة في حديثها مع إيران: قال لي جورج ميتشل ذات مرة «لا تكون لديك عملية سياسية حتى تقبل بأن الجانب الآخر لديه وجهة نظر شرعية. فهل تتمتع الولايات المتحدة بالرغبة والصبر على ذلك؟ أنا لست واثقا من وصول الولايات المتحدة إلى هذا الحد بعد».

ويصف مارك بيري، المدير المشارك لمنتدى النزاعات، أحداث غزة عام 2002 عندما حاول الرجلان وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، وبعد أسابيع من المفاوضات أسقطت إسرائيل قنبلة على قائد حماس الذي كان يفترض أن يوقع على اتفاق الهدنة مما أضاع جهودهما، لكن الصبر أكبر ميزات كروك.

وقال بيري واصفا تلك الأحداث: لقد أنهكنا، وفي اليوم التالي نظرت إلى ألاستر في غرفة الفندق وقلت له «ماذا نفعل الآن؟ قال لي «نحاول من جديد».

ليس من الواضح تماما مصدر رسوخ كروك، فهو يتملص من الإجابة عن حياته الخاصة وعمله وربما كان ذلك نتيجة للتدريب. ولد كروك في أيرلندا وتربى في جزيرة روديسيا ـ زيمبابوي اليوم ـ وتعلم في مدرسة داخلية سويسرية وحصل على درجة في الاقتصاد من اسكتلندا قبل الالتحاق بالاستخبارات البريطانية حيث عمل في مجال المال في لندن. وقال عن فترة عمله في مجال العمل المصرفي بسخرية واضحة: «إنها منطقة خطرة يصعب العمل بها». تم منع كروك قانونيا من مناقشة خدمته مع جهاز إم آي 6، التي شملت أعواما من العمل الدبلوماسي في القضايا الإسرائيلية الفلسطينية. وقال إنه خلال عمله كمفاوض بشأن المناطق الفلسطينية، سافر بمفرده في سيارة تاكسي متحاشيا قافلة مدرعة لدبلوماسيين غربيين. ويقول أصدقاؤه الذين عملوا معه، إن ياسر عرفات وقائد حماس وبعض المسؤولين الإسرائيليين رفيعي المستوى كانوا يثقون في كروك ثقة تامة.

بيد أن بعض الإسرائيليين اشتكوا من أنه كان مقربا من حماس، وفي أواخر عام 2003 تم استدعاؤه إلى لندن ـ فقد وصل إلى سن التقاعد ـ وخرج بهدوء من الخدمة الحكومية. ويقول إنه غير نادم على ما قام به، لكن زملاءه في منتدى النزاعات قالوا إنه يشعر بالأسف بسبب الطريقة التي تمت معاملته بها.

انتقل كروك في عام 2005 مع شريكته آيسلنغ بايرن وابنتهما أمستيس إلى بيروت حيث يعيش في شقة مؤسسة على الطراز الفرنسي القديم ويعمل من مكتب في منزله.

ويبتسم كروك عندما أشرنا إلى أن منتدى النزاعات ربما يكون قد قدم له مسارا للأبواب الخلفية للدبلوماسية، لكنه لا ينكر ذلك مطلقا، وقال «نحن مكملون، وما نقوم به ليس إلا عامل تحفيز وخلق أفكار. أما القسم الثاني فيدور حول كيفية تحويل أمر صغير قام به عدد قليل من الناس في غرفة واحدة إلى شيء أكثر ضخامة».

* خدمة «نيويورك تايمز»