مسلمو الهند.. تتقرب منهم الأحزاب في مواسم الانتخابات بوعود زائفة

من أكثر فئات المجتمع تهميشا.. والأحزاب تدعي أنها صديقة لهم وتتلاعب بهم

نساء في الهند يشاركن في تجمع انتخابي في نيودلهي (أ.ف.ب)
TT

في كل موسم انتخابات نيابية في الهند، تبدأ كلمة «مسلم» في التردد على ألسنة المرشحين، في بلد يشكل المسلمون فيه حوالي 14 في المائة من مجموع السكان البالغ عددهم 1.25 مليار نسمة.

ومع انطلاق الجولة الثالثة من الاقتراع على 124 مقعدا برلمانيا، التي بدأت الأسبوع الماضي في انتخابات تستمر طوال شهر كامل حتى منتصف مايو (أيار) الجاري، يطرح سؤال بشكل مستمر: «ما الذي يفكر فيه المسلمون الهنود؟، وما هي القضايا التي يصوتون على أساسها للأحزاب المختلفة؟ هل تتماثل قضاياهم مع قضايا باقي الهنود، أم أن لديهم عددا من القضايا الخاصة بهم؟

يشكل المسلمون أكثر من 30 في المائة من الناخبين في 42 دائرة انتخابية من مجموع الدوائر الانتخابية البالغ عددها 543. وللناخبين المسلمين في ولاية أوتارا باراديش الهندية، أهمية كبيرة في أي حسابات انتخابية، بسبب كثافتهم السكانية. ويعد أكبر تمركز للمسلمين (ما بين 10 في المائة و20 في المائة) في ولاية أوتارا باراديش، بنغال الغربية (20)، بيهار (17)، آسام وكارانتكا وكيرالا (8)، مهاراشترا (7)، جامو وكشمير وراجستان وأندرا براديش (6 في كل منها).

شهدت الهند في السنوات القليلة الأخيرة، بعض الاضطرابات الأمنية التي أدت إلى مصادمات بين المسلمين والهندوس، بسبب لوم التحقيقات الجماعات المسلمة على غالبية الأعمال الإرهابية التي وقعت. وعند وقوع هجمات إرهابية، غالبا ما يكون المسلمون مستهدفين من قبل الشرطة كمشتبه بهم أساسي. ولا يتمتع المسلمون في غالبية المدن الهندية بالثقة في أن الشرطة سوف تعاملهم بعدالة.

ومن ثم فإن السعي للبحث عن صوت سياسي يحميهم من مضايقات الشرطة ووحشيتها أمر بالغ بالأهمية بالنسبة للمسلمين.

وقد حاولت بعض الأحزاب السياسية في الماضي استمالة المسلمين الذين يعاني قسم كبير منهم من الأمية، عبر إطلاق تصريحات جذابة، منها على سبيل المثال، الوعد بجعل اللغة الأوردية اللغة الثانية في البلاد، وإغلاق المدارس نصف يوم الجمعة لأداء الصلاة، والسماح بزيارة أضرحة الأولياء المسلمين والثناء على القادة الإسلاميين البارزين.

إلا أن المسلمين الهنود سئموا من هذه الحيل التي تمارس منذ أكثر من ستة عقود، ولا يتطلعون هذه المرة إلى الأحزاب لكي تعدهم بالمساعدات أو المعاملة الكريمة. لكنهم يتطلعون إلى المعاملة العادلة والمساواة مثلهم مثل الهنود الآخرين. ولا يبدو أن الناخبين المسلمين سيصوتون بشكل جماعي لأي جهة، لكنهم يبحثون في كل دائرة في سجل الأحزاب والمرشحين، ويضعون خطا فاصلا بين خطبهم وخدعهم، وأعمالهم التي أثرت على المجتمع. ويطلب المسلمون الهنود من الأحزاب السياسية المختلفة تقديم ضمانات قوية لتوفير مناخ آمن لهم يحميهم من العنف المنظم ومن المعالة الخشنة التي يلقونها على أيدي قوات الشرطة، وأن يطبقوا برامج لإزالة التأخر الكبير لمجتمعهم في مجالات التعليم والاقتصادات الاجتماعية.

والمشكلة بالنسبة للمسلمين الهنود في افتقادهم قيادة يمكن أن تعرض قضاياهم من أجل تقدم مجتمعهم. ويظل القادة المسلمون في الأحزاب الرئيسة مشتتين وغير موحدين، حيث يلتزم العديد منهم بأجندات الآخرين ويؤجلون المناقشات الخاصة بقضايا مجتمعهم مع قادة أحزابهم طمعا في ترشيحهم من قبل أحزاب معينة. وبدلا من عرض القضايا الملحة للمسلمين على قادة الأحزاب باتوا متملقين لرؤساء الأحزاب سعيا وراء توسيع دائرة معارفهم.

ولا يزال المسلمون يعانون من الحرمان من التعليم وعدم القدرة على المشاركة في المؤسسات العامة أو خطط الدولة والوظائف. كما يعد فشل الحكومة والأحزاب الأخرى في اتخاذ أي مبادرات لتطبيق نتائج لجنة ساتشار لرفع التخلف غير العادي بين المسلمين، إحدى القضايا الرئيسة التي تؤرق المسلمين في الهند.

وقد تم تعيين لجنة ساتشار من قبل رئيس الوزراء الهندي مانموهان سنغ لتقييم الحالة الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية للمجتمع المسلم في الهند. وقد خرج التقرير ببعض الإحصاءات التي أظهرت أن ترتيب المسلمين أدنى من أكثر الطوائف تهميشا في المجتمع الهندي. وقدمت اقتراحات محددة، عرفت بتوصيات لجنة ساتشار. بيد أنه برغم نشر نتائج وتوصيات اللجنة منذ ما يزيد على عامين فإن الحكومة لم تتخذ أي خطوات لتنفيذ تلك التوصيات. حتى إن الحكومة لم تقدم التقرير للمناقشة في البرلمان ولم تشكل لجنة برلمانية لعقد جلسات استماع وتقدم توصيات بشأنها. وكان المسلمون يعتقدون أن معظم القيادات من المسلمين في الأحزاب الرئيسة والمنظمات الإسلامية سوف يقومون بالتأكد من أن تنفيذ توصيات اللجنة يأتي كجزء متكامل للخطة الانتخابية للأحزاب الرئيسة. لكن ذلك لم يكن ما ظهر عشية الانتخابات على الرغم من وجود 90 دائرة انتخابية في المناطق يشكل المسلمون بها نحو 20 في المائة من عدد السكان حيث يمكنهم الضغط على الأحزاب للتعامل مع قضاياهم الرئيسة.

وبعض النظر عن ذلك، فإن الأحزاب التي تدعي أنها صديقة للمسلمين تتلاعب بهم. فحزب بهوجان ساماج، الذي عارض منذ أشهر قليلة الاتفاق النووي بين الهند والولايات المتحدة وقال إنه ضد المسلمين لم يقدم سوى 14 مرشحا في الدوائر الانتخابية في الولاية البالغ عددها 80 دائرة. وكذلك حزب سماجوادي، الذي ادعى أنه صديق وثيق للمسلمين، استقطب كاليان سنغ، الذي كان وزيرا أولا بالجناح اليميني لحزب بهاراتيا جاناتا الذي أشرف على هدم المسجد البابري عام 1992، إلى القيادة العليا. أما بالنسبة لراشتاريا جاناتا دال، فعندما سأل المسلمون عن السبب وراء عدم وجود مسلم في قيادة الحزب، قال رئيسه لالو ياداف إنه نفسه كان رئيس حزب مسلمي بيهار. أما حزب المؤتمر، فلم يضم في حملته الانتخابية أيا من قادة المسلمين الكبار بين قائمة كبار المرشحين. وحقيقة الأمر فإنه خلال السنوات الخمس الأخيرة من حكم الحزب في نيودلهي، لم يقدم الحزب أية فرصة لأي من القيادات المسلمة داخله للظهور ولأن يكون في موضع القيادة الوطنية. وقد قام حزب المؤتمر دون شك بممارسة بعض الحيل تجاه المسلمين عندما طالبوا بفرص في مناصب قيادية.

وخلال الشهور القليلة الماضية تزايدت أعداد القادة السياسيين المسلمين عبر البلاد. ولا تركز أحزاب مجلس العلماء، وحزب بارتشام بارتي، وذا مسلم ماهاز، والسلام، التي طفت على السطح في الشهور الأخيرة، سوى على جوانب هامشية، حيث لا يوجد لديها جهود جادة في تقديم قضية مشتركة مع المجتمعات غير الإسلامية. وعلى الرغم من أن ظهور الأحزاب الإسلامية الأخرى مثل الجبهة الديمقراطية المتحدة، وميلي كونسل، على الساحة منذ بضعة أعوام فإنها لم تنجح في عقد تحالفات مع الأحزاب العلمانية الكبرى في البلاد.

وهناك أيضا جماعة علماء الهند التي على الرغم من أنها ليست حزبا سياسيا إلا أن قادتها يتنافسون في الانتخابات من منتديات سياسية مختلفة، داعمين أجندات وقادة الأحزاب الخاصة والذين غالبا ما يكون مرشحوها ضد بعضهم بعضا. وقد خرجت الأجندة والقضايا الخاصة بالمسلمين عن إطار اهتماماتهم.

وإذا ما نظرت أيضا إلى قيادات تلك الأحزاب الإسلامية فستجد أنهم لا يحظون بالكثير من المصداقية نظرا لسيطرة العلماء الدينيين عليهم وعدم وجود نخبة من أهل الفكر تعمل على توسعة قاعدتها. والتساؤل المطروح هو لماذا يتجاهل أهل الفكر من المسلمين القضايا الملحة للمجتمعات المسلمة؟.

ربما لن يؤدي ظهور المزيد من الأحزاب الإسلامية إلى تغير بارز في التصويت في عمليات الإدلاء بالأصوات القادمة، لكن الحراك السياسي يشير إلى أن الناخبين السياسيين لم يعودوا كما كانوا من قبل. وقد تصاعدت المعركة لكسب القلب الهندي والعقلية المسلمة بين الأحزاب المختلفة.

ويبدي المسلون رغبتهم في دعم الأحزاب السياسية التي تعزز البنية الديمقراطية العلمانية لدول يمكنهم فيها الحفاظ على نمط حياتهم المميز وميراثهم أكثر من أي شيء آخر.