قصة الكيني الذي حول أخبار القراصنة إلى صناعة بكل لغات العالم على سواحل الصومال

مسؤول برنامج مساعدة البحارة لـ«الشرق الأوسط»: من الصعب التصديق بأن كل الأساطيل جاءت للتصدي للقراصنة

أندروا موانجورا
TT

يتلقى عشرات المكالمات الهاتفية ورسائل الكترونية يوميا، معظمها من خارج كينيا. وعلى الرغم من أن أندروا موانجورا مسؤول برنامج مساعدة البحارة الذي يتخذ من العاصمة الكينية نيروبي مقرا له، إلا أنه يعتبر أفضل مصدر على الإطلاق لمعرفة ومتابعة آخر نشاطات القراصنة المسلحين على سواحل الصومال.

قبل سنوات قرر أندروا المولود في الأول من سبتمبر (أيلول) عام 1962، أن يتخلى عن عمله كبحار وأن يتجه إلى مهنته الحالية مدفوعا بتلك المشاهد الإنسانية الصعبة التي عايشها كبحار.

قال لـ«الشرق الأوسط»: «رأيت الناس تعمل في ظروف خطيرة وصعبة للغاية ومع ذلك لا يحصلون على الأجر المناسب، رأيت بحارة يفقدون وتنقطع أخبارهم في ظروف غامضة ولا يهتم أحد بالسؤال عنهم. في المقابل هناك عائلاتهم التي تبحث عن أي خبر يخصهم». انطلاقا من هذه الزاوية قرر أندروا مع مجموعة من البحارة السابقين أن الوقت قد حان لإيجاد مركز أو برنامج لمساعدة البحارة، ومع مرور الوقت تحول المركز إلى مصدر لأخبار أنشطة القراصنة قبالة السواحل الصومالية.

بإمكان أندروا أن يتحدث إليك قليلا باللغة العربية ولا غرابة في هذا فهو يجيد عدة لغات منها الفرنسية والإنجليزية، بالإضافة إلى قليل من الفلبينية واليونانية والألمانية والإيطالية. «أتحدث طوال الوقت إلى أشخاص من مختلف أنحاء العالم، كلهم لا يتكلمون لغة واحدة، كان علي أن أتعلم هذه اللغات، لكي أتمكن من التواصل معهم». لكن الرجل الذي يفتخر بلغاته العديدة التي يقول إنه لن يتمكن من إحصائها يدير عمله من مكتب متواضع في بناية صغيرة في أحد شوارع العاصمة الكينية نيروبي. «نعم لدي مكتب صغير، لكنه كاف، حجرة رئيسية وأخرى للانتظار والمقابلات، ندفع مقابلا لها نحو 8000 شلن كيني أي ما يعادل مائة دولار أميركي».

ميزانية البرنامج الذي يديره أندروا تتكلف نحو 3 آلاف دولار أميركي في السنة، لكنه مع ذلك لا يبدو ميالا لفكرة الحصول على دعم مالي خارجي. بالنسبة له فإنه لا يريد أن يكون كما قال عبدا لأحد أو موظفا لدى أي جهة، «نحن هنا فقط لخدمة البحارة، لا نريد أن نتوسل لأحد من أجل المال، لسنا من هذا النوع من الناس». وإذا كان عمله الرئيسي لا يوفر له الفرصة للحصول على المال فإن أندروا الذي يعمل أيضا ككاتب ومستشار لبعض الشركات يحصل من عمله الإضافي على ما يؤمن له عدم التسول وضمان الاستمرار في مهمته ذات الطبيعة الإنسانية.

لكن الرجل يختلف بشدة مع المروجين لفكرة التدخل العسكري لوقف الخطر الداهم الذي يشكله القراصنة على حركة الملاحة البحرية في مياه المحيط الهندي وخليج عدن. يعتقد أندروا أن وجود كل هذه الأساطيل العسكرية المحتشدة قبالة السواحل الصومالية أمر يدفع إلى التشكك حول حقيقة نواياها، معتبرا أنه من الجيد أن يهتم العالم إلى هذا الحد بمشكلة القراصنة لكن من الصعب أن يثق الشخص في أن هدف هذه القوات هو فقط مكافحة القراصنة.

برسالة نصية قصيرة لا تتجاوز تكلفتها 5 شلن كيني أي أقل من 3% من قيمة الدولار الأميركي، بإمكان أندروا أن يثير اهتمام العالم ويدفع كبريات الشبكات ووكالات الأنباء ومحطات التلفزة الأميركية والغربية إلى مطاردته. العبارات باتت شبه تقليدية: وردنا للتو أن السفينة (...) المملوكة لشركة (...) التي تحمل علم (...) قد اختطفت وعلى متنها (...) بحارا وكانت متجهة من (...) وإلى (...).

عندما تردك هذه الرسالة عبر الهاتف النقال فإن أندروا قد فعلها مجددا وتمكن بفضل شبكته غير المعروفة من المصادر أن يحصل مجددا على خبر يثير شهية الإعلام العالمي ويقلق المتابعين لتطورات الوضع في منطقة القرن الأفريقي وشمال أفريقيا. يقول أندروا لـ«الشرق الأوسط»: «عملنا إنساني بحت لا نعمل بالسياسة ولا نمارسها، لسنا طرفا فيما يحدث، إننا فقط نراقب بشكل محايد ونحاول إثارة اهتمام العالم بحقيقة ما يجري».

يعتقد الرجل أن حل مشكلة القراصنة لن يكون مطلقا باستخدام السلاح وهو قال لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من مقره في كينيا ليس بإمكانك أن تتصور أنك ستقضي على الفقر باستخدام السلاح أو البارود. هذا عبث وتفكير غير سليم.

وأضاف: «على المجتمع الدولي أن يتعامل مع الأمور كلها كحزمة واحدة، الحل العسكري ليس الحل الأفضل في الصومال هناك صيادون ومزارعون فقدوا عملهم، وهم جميعا عانوا من الخسائر التي وقعت بفعل الطبيعة والنفايات السامة. وتابع: «لمكافحة القراصنة عليك الاهتمام أولا باستقرار هذا البلد وبإيجاد بنية متطورة وقابلة للنمو، يتعين إيجاد زراعات مستندة إلى الصناعة والعكس صحيح». وقال: «بإمكانك أن تمنع أحدهم من خطف سفينة أو الاستيلاء عليها، لكنك في المقابل لا توفر لهم أية حلول، وتمنعهم من أن يجدوا ما يقتاتون به أو يتعيشون عليه». يؤمن الرجل بأنه «يجب على المجتمع الدولي أن يعرف حقيقة ما يحدث في أفريقيا وهذا أيضا يحدث في دول أفريقية أخرى، وما يحدث في الصومال يحدث أيضا في ليبيريا والكونغو لكن الاهتمام بالصومال أكبر لأسباب بالطبع ليست إنسانية». من وجهة نظره فإن القراصنة المسلحين على سواحل الصومال هم نتاج طبيعي للدولة المتفككة والحكومة المركزية الضعيفة في العاصمة الصومالية مقديشو، كما أنهم ضحايا لعمليات الصيد غير المشروعة التي تقوم بها شركات صيد أجنبية استباحت مياه الصومال وثرواته البحرية.

وقال «هؤلاء فقط لا يصطادون، إنهم يدمرون الثروة البحرية للصوماليين ويحرمون الصيادين المحليين من ممارسة عملهم الطبيعي في الحصول على الأسماك ومن ثم ينضم هؤلاء لاحقا إلى سوق البطالة». وأضاف: «الغرباء والأجانب بإمكانهم أن يحصلوا على ما يريدون من سواحل الصومال، لكن سكانه وأهله المحليين ممنوعون من نفس الحق، إنه وضع مخجل ومؤسف للمجتمع الدولي».

لكن المشكلة لا تقتصر على هذا فقط بل يضاف إليها أيضا مشكلة إلقاء النفايات الكيماوية السامة قبالة السواحل الصومالية، وقال «هذه مشكلة مزمنة أخرى، شركات وسفن غربية متورطة في هذا العمل يلقون بهذه النفايات التي تضر بالمجتمع المحلى في الصومال». وتابع قائلا: «انظر ما يحدث.. إنهم فقط لا يلوثون البيئة، بل أيضا يدمرونها ويحرمون الصوماليين من العمل». ثمة جانب سيئ آخر لوجود أساطيل محملة بأسلحة متقدمة من نحو 29 دولة قبالة السواحل المترامية الأطراف للصومال، وهى أنه ليس بإمكان الصيادين المحليين العمل بسهولة في هذا المناخ.

بالنسبة لأندروا الذي تعرض لمضايقات كثيرة من الحكومة الكينية كان آخرها اعتقاله لقيامه بالكشف عن حقيقة سفينة الأسلحة الأوكرانية «فايينا» التي خطفها القراصنة العام الماضي وكانت تقل شحنة عسكرية مثيرة للجدل اختلفت الآراء حول وجهتها الرئيسية جنوب السودان أو كينيا، فإن الحل ليس فقط استخدام القوة العسكرية. يبقى أن عمل الرجل قد أثر ليس فقط على علاقته بالسلطات الكينية التي تبدو متربصة به لعدم موافقتها على ما يقوم به، وللثأر من دوره في عملية «فايينا»، بل أثر أيضا على حياة أسرته وذويه. وبعدما تحدث أندروا عن ولده الصغير عاد في رسالة نصية مكتوبة ليقول لـ«الشرق الأوسط»: «لأسباب أمنية تخص الحفاظ على سلامة أسرتي أبعدوا ابني عن القصة، شكرا».