«الشرق الأوسط» تقف على مغارة خلية «القاعدة» جنوب السعودية

خططت لإحياء حلم «التجربة الأفغانية» في جبال المنطقة.. واتخذتها مكانا للتدريبات العسكرية

الزميل تركي الصهيل خلال زيارته الميدانية لمغارة خلية الجنوب (تصوير: خالد الخميس)
TT

يبدو أن أفراد الخلية الإرهابية التي عطلت السلطات السعودية نشاطها الشهر الماضي، كانت تريد إحياء التجربة الأفغانية، من خلال تحصنها في مغارات جبال المنطقة الجنوبية، التي قد تمثل لهم في جانب من تضاريسها الوعرة شبيها لجبال تورا بورا في أفغانستان.

ومما يعزز ذلك، إلقاء القبض على المطلوب عثمان هادي العمري ضمن الخلية المفككة، وهو أحد المطلوبين على قائمة كانت تضم 26 إرهابيا خطرا، ممن سبق لهم القتال في صفوف «القاعدة» على الأراضي الأفغانية، وكانت تبحث عنهم السعودية بعد ما بات يعرف بتفجيرات 12 مايو (آيار) الشهيرة التي استهدفت مجمعات سكنية يقطنها غربيون وعرب.

وانعكست التجربة الأفغانية في مسألة التخفي بين الجبال، واتخاذ الكهوف كملاذات آمنة، أو للتحصن ضد الاستهداف، على الطريقة التي استخدمها أفراد خلية ما باتت تعرف بـ«مغارة الجنوب»، والتي قامت «الشرق الأوسط» بزيارتها، كأول صحيفة تخوض غمار هذه التجربة، التي لم تكن خالية أبدا من المخاطر.

تقع «المغارة» الرئيسية التي استخدمتها العناصر المسلحة في تخزين السلاح والغذاء ومكان للمأوى في بعض الأحيان، على بعد 155 كيلو مترا من مدينة أبها، العاصمة الإدارية لمنطقة عسير، وهي ضمن عدة مغارات صغيرة متفرقة في سلسلة جبال السروات التي تمتد من الجزء الغربي للسعودية وصولا إلى اليمن، وتتراوح ارتفاعاتها عن مستوى سطح البحر ما بين 1000 إلى 2200 متر تقريبا، وتعد منطقتها الشرقية الأكثر وعورة.

الوصول إلى منطقة مغارة «القاعدة» يتطلب المرور بقرى مثل «باللحمر، وباللسمر»، بالإضافة لمحافظة النماص. وهذه الأخيرة تنتشر في شوارعها العبارات التي تعكس مدى ولاء أهالي هذه المحافظة للحكومة السعودية، والتي كانت على مرمى حجر من موقع المغارة التي تحصنت بها الخلية التي كانت تنوي القيام بسلسلة اغتيالات في صفوف ضباط أمن كبار.

يقول أحد الأدلاء الذين رافقوا «الشرق الأوسط» في الجولة التي استمرت 8 ساعات، توزعت بين استخدام السيارات ذات الدفع الرباعي، والمشي على الأقدام، «إن عملية الكشف عن المغارة تمت بشكل هادئ من قبل الجهات الأمنية، ودون أن يشعر أي أحدا من السكان المحليين بهذا الأمر». وأضاف «بل حتى إن السكان قد لا يعلمون بأمر هذه المغارة، أو أين تقع».

العبارة الأخيرة التي نطق بها أحد مرافقي الصحيفة، قد لا يمكن استيعابها إلا لمن قام بزيارة إلى مقر المغارة. فالتضاريس الوعرة التي تتمتع بها تلك المنطقة الجبلية، لا يمكن أن توحي لأي كان بأن ثمة حياة من الممكن أن توجد خلف تلك التضاريس، هذا بالإضافة إلى برودة الأجواء فوق تلك المرتفعات التي تذكرك ببرودة ليلة قارسة في موسم الشتاء.

لكن، من الواضح أنه مما سهل على عناصر خلية «القاعدة» التنقل بين تضاريس الجبال بالغة التعقيد، هو أن جل من ألقي القبض عليهم، هم أبناء مناطق جبلية، وباتت مسألة التنقل عبر التضاريس الوعرة بالنسبة إليهم أمرا ليس بالصعب.

وتقع مغارة خلية الجنوب المفككة، على بعد ساعتين من مدينة أبها، وهو الوقت الذي استغرقته «الشرق الأوسط» للوصول إلى المنطقة الجبلية الوعرة.

قسمت خطة الوصول إلى مغارة خلية «القاعدة»، التي سبق للجهات الأمنية أن كشفت وجود صلات خارجية لها، لـ3 مراحل، الأولى والثانية، تم فيها استخدام سيارات الدفع الرباعي عبر طرق برية سالكة وأخرى وعرة، أما المرحلة الثالثة، فكانت تتطلب السير على الأقدام، وذلك لاستحالة وصول السيارات إلى تلك المنطقة.

وتطل المرتفعات الجبلية التي استغل عناصر الخلية الإرهابية أحد مغاراتها ـ بحسب أحد من رافق «الشرق الأوسط» في هذه الزيارة ـ على القرية التي يسكنها سعيد آل خثيم الشهري، وهو أحد من استعادتهم الرياض مؤخرا من غوانتانامو، وواحد من 4 ظهروا في شريط فيديو لتنظيم القاعدة في اليمن يهدد بهجمات ضد السعودية.

ويمكن القول إن مغارة الجنوب، كانت قريبة نسبيا من المنطقة الحدودية الفاصلة بين السعودية واليمن، حيث يوجد في هذه الأخيرة قرابة 26 مطلوبا تطاردهم الرياض لضلوعهم في أنشطة متفرقة لتنظيم القاعدة، ضمن 85 آخرين موزعين على الأراضي الإيرانية والعراقية واللبنانية والسورية.

ووفقا لإفادة بعض المطلوبين الذين تم القبض عليهم وظهرت اعترافاتهم على شاشة التلفزيون، فإن دولا إقليمية تقف خلف محاولات إحداث الزعزعة في دول كاليمن والسعودية.

وكشفت الداخلية السعودية الشهر الماضي، عن وجود ارتباط للخلية الإرهابية التي كانت تتحصن داخل مغارة الجنوب، ببعض العناصر الإرهابية الموجودة في اليمن، إذ تشير المعلومات إلى تنسيق واضح بين من ألقي القبض عليهم، وبعض من وردت أسماؤهم على قائمة الـ85 الملاحقة.

وتشير معلومات «الشرق الأوسط» إلى أن المطلوب على قائمة الـ85 عبد الله فراج الجوير، وهو واحد ضمن 26 من المطلوبين للأمن السعودي ينشطون داخل الأراضي اليمنية، كان يجهز لعمليات إرهابية داخل البلاد، والترتيب لتوفير مخابئ آمنة للعناصر الإرهابية داخل البلاد، وهو ما قد يفسر ارتباط من هم في اليمن بخلية المغارة التي وضعت قوات الأمن يدها عليها.

ومن الملاحظ أن تنظيم القاعدة حينما فشل في إعادة بناء نفسه داخل الأراضي السعودية، خاصة في المدن، وبعد التركيز الأمني على المواقع التي من الممكن أن تستخدم في إعادة تأهيل العناصر المقاتلة من ناحية البنية الجسمانية والتدريب العسكري، جعل من الأراضي اليمنية خيارا له.

ويعد كشف السلطات الأمنية السعودية، لمغارة خلية الجنوب، التي تقع في منطقة نائية ووعرة، دليلا على جاهزية القوى الأمنية ومقدرتها على ملاحقة العناصر المسلحة في كل الأماكن، حتى غير المتوقعة منها. وانقسم تنظيم القاعدة، الذي كشفت كافة بيانات وزارة الداخلية السعودية عن أنه كان يخطط لاستهداف المملكة من الداخل، إلى قسمين؛ الأول توجه إلى الأراضي اليمنية لإعادة بناء نفسه، وتأهيل عناصره، أما الفريق الثاني، فأوكلت إليه مهمة اختيار موقع يشابه المواقع الجبلية التي تتدرب فيها عناصر التنظيم في اليمن، أو تلك التي كان ينشط فيها سابقا في أفغانستان.

ويبدو أن موقع مغارة الجنوب، تم اختياره بعناية فائقة من قبل أفراد الخلية المكونة من 11 شخصا، ولا يستبعد أن يكون الموقع معروفا بالنسبة إلى من فروا إلى اليمن، خاصة أنه يطل على القرية التي يسكنها سعيد الشهري، الذي يعد واحدا من 11 عائدا من غوانتانامو، وردت أسماؤهم على قائمة الـ85، وتشير معلومات إلى وجودهم في ذلك البلد، وسبق لأحدهم، وهو محمد العوفي المكنى بـ«أبو الحارث» بتسليم نفسه لسلطات الأمن السعودية.

وكانت اعترافات متلفزة بثت للعوفي، وظهرت بعد أيام من ضبط خلية المغارة، قد كشفت عن وجود ارتباط بين نشاط «القاعدة»، وبعض الدول الإقليمية، وسمى من بينها إيران، التي قال إنها تدعم الحوثيين في اليمن، الذين يقومون بدورهم بدعم «القاعدة» على الرغم من الاختلاف العقائدي بين الجماعتين.

الوصول إلى مغارة «القاعدة»، ليس بالأمر السهل، فهو بالإضافة إلى كون الطريق التي تؤدي إليه وعرة للغاية، وقد يتطلب المرور من خلالها قيام أشخاص بإزالة بعض العوائق الحجرية التي تحول دون مرور السيارات، لا يمكن النزول إلى المغارة إلا بواسطة حبال فائقة الجودة، كونها على بعد 3 أمتار ونصف نزولا عن قمة المنطقة الجبلية.

وبالنظر إلى طبيعة التجهيزات التي كان عناصر في تنظيم القاعدة داخل الأراضي اليمنية، يقوم بها، أمثال عبد الله حسن عسيري، الذي تشير معلومات «الشرق الأوسط» إلى أنه تدرب على أسلحة سام 7، وصاروخ ميلان، وقذائف الهاون، وبيكا، آر بي جي، صاروخ B10، فإنها تشير إلى رغبة التنظيم في نقل المعركة إلى الجبال السعودية، لا سيما أن كافة تلك الأسلحة تعتبر من الأسلحة الثقيلة ذات الإصابات بعيدة المدى، مما يعزز نظرية أن التنظيم كان يخطط لإلحاق أكبر قدر من الخسائر في صفوف رجال الأمن في حال انتقلت المواجهات إلى الجبال عبر خلية الجنوب، التي كانت الممهد الرئيسي لهذه المهمة، أو اكتشاف أمر الخلية قبل بدء نشاطها الميداني.

وكان من بين ما تم ضبطه في مغارة خلية الجنوب القاعدية، بزات عسكرية، وأحذية تصل تغطيتها لكامل الساق، وخوذ، وسكاكين، وأسلحة متفرقة وغيرها من المضبوطات، التي كانت تعطي إشارات واضحة على العمل العسكري الذي كانت تجهز له هذه الخلية. ويبدو أن خلية الجنوب المفككة، كانت تضع نفسها قبل القبض عليها، أمام كافة الخيارات، لا من ناحية المواجهة الأمنية، وإنما أيضا من ناحية عمليات المراقبة التي كانت تتم عبر الصخور الضخمة التي تهيئ لهم أكبر قدر من التخفي من جهة وكشف الموقع من جهة أخرى، حتى إنهم لم يتوانوا عن وضع احتمال الهروب من القبضة الأمنية عبر الاستعانة بمظلات هبوط «باراشوت»، علمت «الشرق الأوسط» أن الأجهزة الأمنية تحفظت على عدد منها، وكان أفراد الخلية ينوون استخدامها لتحقيق هبوط آمن من الجبال شاهقة الارتفاع إلى السهول المنخفضة سعيا إلى الهروب من رجال الأمن.

وتتقاطع اتجاهات خلية الجنوب لناحية تنفيذ سلسلة من الاغتيالات في صفوف شخصيات سعودية، مع توجهات عدد ممن أدرجتهم السلطات السعودية على قائمة تحمل أسماء وصور 85 ملاحقا في الخارج، حيث تشير المعلومات إلى أنهم كانوا يهدفون للقيام بحملة اغتيالات داخل السعودية، وهو الهدف ذاته الذي كانت تسعى خلية الجنوب لتحقيقه.

ويعكس الموقع الذي اختارته خلية الجنوب المفككة إما كـ«موقع لتحصنها» أو ملاذ آمن لرسم مخططاتها، التي كان منها احتجاز الرهائن وتصويرهم لأغراض الدعاية الإعلامية لتنظيم القاعدة، محاولة أفراد الخلية للبقاء أكبر وقت ممكن بعيدا عن العين الأمنية.

وحاولت خلية مغارة الجنوب الإرهابية التزود بأكبر قدر من المواد التموينية، كيلا تواجه انقطاع الغذاء عنها أو عن الأشخاص الذين كانت تنوي خطفهم ورهنهم، للمساومة فيما بعد، كما فعل التنظيم في بداية نشاطه حينما اختطف مهندسا أميركيا وقام ببث شريط فيديو له عبر الإنترنت، وتحديد مهلة لقتله. وهذا الإجراء يتسق مع ما سبق أن عمله تنظيم القاعدة في أكثر من دولة، من بينها ما تم في باكستان وأفغانستان وأيضا ما عمله أبو مصعب الزرقاوي في العراق، والذي كان يخطف بعض الرهائن ويصور نداءات منهم لآهاليهم ودولهم للانسحاب من العراق على سبيل المثال وصولا إلى التهديد بقتلهم أو تنفيذ ذلك التهديد من خلال قطع أعناقهم ومن ثم بث ذلك على مواقع الإنترنت.

وضبطت السلطات الأمنية في موقع المغارة العديد من كاميرات التصوير، ومجموعة كبيرة من البطاريات لإطالة عمر عمل الكاميرات المخصصة لتصوير الرهائن، وهي الطريقة التي لا يزال التنظيم يتبعها في جبال أفغانستان.

ولاحظت «الشرق الأوسط» أن بعض التواريخ المسجلة على عدد من المواد التموينية التي قامت خلية الجنوب بتخزينها داخل المغارة، يعود لشهر مايو (أيار) 2008، وهو ما يعني أن عملية التخزين وتجهيز الموقع كانت تتم منذ فترة قد لا تقل كحد أقصى عن 6 أشهر، وهو الموعد الذي يتزامن مع اختفاء مجموعة من السعوديين الذين عُلم أنهم دخلوا إلى اليمن بصورة غير مشروعة للانضمام لصفوف «القاعدة» هناك.

وتتمتع المنطقة الجبلية التي توجد بها أكثر من مغارة، بأشجار عالية الكثافة، من الممكن أن تستخدم في حال المواجهات القتالية الميدانية، كما في حرب الشوارع، التي يحرص أفراد التنظيم على أخذ دورات في هذا النوع من أنواع الفنون القتالية.

وتظهر صور خاصة حصلت عليها «الشرق الأوسط»، لقطات لأعيرة نارية فارغة تم رصدها في المرتفعات الجبلية للمنطقة الجنوبية، مما يعكس قيام تلك المجموعة بالتدريبات العسكرية فوق المرتفعات، لمحاكاة طرق التدريب المتبعة في المعسكرات التدريبية التابعة لتنظيم القاعدة على الأراضي الأفغانية.

يقول أحد المهتمين في شأن «القاعدة» الذين تحدثت «الشرق الأوسط» إليهم، أن تنظيم القاعدة في مرحلة ما بعد أحداث 11 سبتمبر، خرج من كونه تنظيما جهاديا كان في بداياته يقاتل من أجل إخراج المحتل السوفياتي، إلى تنظيم ظاهره جهادي، ولكنه على الأرض يحرك من قبل أجهزة استخبارات إقليمية لتحقيق مصالح دول على حساب أخرى.

وأشار هؤلاء المهتمون، إلى أن إيران تمثل مرتكزا أساسيا لكافة تحركات تنظيم القاعدة في المنطقة، على الرغم من الاختلاف المذهبي بينها كدولة شيعية، وبين تنظيم قوامه السنة. ودللت على هذا الأمر، كون إيران تمتلك حدودا مشتركة مع كل من أفغانستان وباكستان والخليج، وهي المناطق الثلاث التي تعتبر الأكثر اضطرابا في هذا الوقت.

وتشهد أفغانستان وباكستان، نشاطا متناميا من قبل تنظيم القاعدة تعكسه المعارك الدائرة بين السلطات المحلية في كلا البلدين مع متمردي حركة طالبان. كما سجل العراق في أبريل (نيسان) الماضي، الذي تتهم إيران بأنها تمارس تصفية الحسابات مع القوات الأميركية على أرضه، حصيلة كبيرة من ضحايا العنف تعد الأكبر منذ أكثر من 8 أشهر.

وقبل أيام أعلنت البحرين عن إحباطها مخططات إرهابية كانت إحدى الخلايا تعتزم القيام بها، وقبلها كانت السعودية قد أعلنت عن خلية مغارة الجنوب التي كانت تجهز نفسها منذ وقت طويل للقيام بعمليات زعزعة للأمن في الداخل.