ساركوزي يعد بدعم بغداد في القرارات الدولية.. وتسوية مشاكل العراق مع جيرانه

المالكي يقلل من شأن الهجمات الانتحارية التي ضربت بلاده.. ويدعو المستثمرين الفرنسيين إلى العودة

رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ونائبه برهم صالح خلال مؤتمر صحافي في باريس أمس (أ.ف.ب)
TT

أبلغ الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي خلال لقائهما بعد ظهر أمس في قصر الإليزيه أن باريس تريد علاقة إجمالية ومتكاملة مع العراق تشمل كافة الميادين بما فيها الميادين السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والثقافية والتربوية وكذلك الميدان الأمني ـ العسكري.

وجاء لقاء ساركوزي ـ المالكي وسط يوم من اللقاءات والاجتماعات المكثفة التي أجراها رئيس الوزراء العراقي في باريس، وبدأها صباحا بلقاء وزير الخارجية برنار كوشنير وأتبعها بمحاضرة في الأكاديمية الدبلوماسية. وقبل الإليزيه، التقى المالكي مجموعة كبيرة من أرباب العمل الفرنسيين في مقرهم . وفي لقاء القمة، حرص الرئيس الفرنسي أن يؤكد للمالكي أن باريس ترى أن العراق «لم يعد مصدر تهديد لجيرانه ولا للإقليم الموجود فيه، وبالتالي من حق العراق أن يستعيد موقعه كعنصر من عناصر الأمن والاستقرار في المنطقة». فيما قال ساركوزي ان باريس ستدعم بغداد في طلبها إعادة النظر في القرارات الدولية التي ما زالت تفرض قيودا على العراق واستخدام علاقات فرنسا الجيدة مع دول الجوار العراقي لتسوية المشاكل التي ما زالت قائمة، بما في ذلك مع الكويت .وذكر ساركوزي بالجهد الذي بذلته باريس لشطب 80بالمائة من الديون العراقية الفرنسية المستحقة على العراق.

وتريد باريس بناء سفارة جديدة لها في بغداد، كما أنها عمدت إلى فتح قنصليتين واحدة في الشمال وأخرى في الجنوب.

وفي حديثه المقتضب للصحافة، في قصر الإليزيه، وصف المالكي اللقاء بأنه كان «وديا وإيجابيا للغاية وبكل المقاييس والمعايير». مؤكدا أنه أبلغ الرئيس الفرنسي رغبته في «إقامة علاقات صلبة في كل الميادين» مع فرنسا. مضيفا أنه «وجد استعدادا فرنسيا» للتجاوب مع العراق.

وقبيل الظهر، وخلال لقاء في الأكاديمية الدبلوماسية، اغتنم المالكي المناسبة لتوجيه مجموعة رسائل تشكل الخلفية التي يستند إليها في تحركه باتجاه فرنسا بشكل خاص والاتحاد الأوروبي بشكل عام بالدعوة إلى علاقات متجددة وتعاون واسع في كل الميادين بما فيها الميدان العسكري والدفاعي. واستفاد المالكي من الفرصة من اجل شرح تحديات المرحلة الراهنة، كما تراها الحكومة العراقية وأولويات تحركها على صعيد الوضع الداخلي وفي علاقات العراق مع محيطه المباشر والعالم الأوسع.

وفي الكلمة التي ألقاها أمام مجموعة واسعة من الدبلوماسيين والسياسيين وأهل الإعلام في الأكاديمية الدبلوماسية، اعتبر المالكي أن مهمة الحكومة في الوقت الراهن هي «بناء الدولة العصرية الحضارية» و«دولة القانون» بعدما نجحت في مهمتها الأولى وهي إعادة الأمن والاستقرار إلى العراق رغم ما عاد يعرفه من استئناف العمليات الهجومية والانتحارية في الفترة الأخيرة.

ورغم هذه النجاحات، توقع المالكي بقاء «بعض الظواهر السيئة» في تلميح للعمليات الإرهابية التي نسبها إلى القاعدة. لكنه طمأن العالم بأنه لن يسمح بالانقضاض على الديمقراطية ولا لعودة النظام السابق ولا لنظام الحزب الواحد. والرسالة الأولى التي خلص إليها المالكي هي طمأنة العراقيين والعالم الخارجي إلى أن الأحداث الأمنية التي يعرفها العراق «هامشية» ولن تؤثر على استقرار الوضع. وأكد المالكي أن السلاح في العراق يجب أن يكون «سلاح الدولة وسلاح غيره»، بما في ذلك سلاح الصحوات التي رأى أن زمنها قد انتهى مع عودة الاستقرار .وأكد المالكي أن 20 ألفا من أعضاء الصحوات ضموا إلى الأجهزة الأمنية الرسمية وثمانين ألفا ضموا إلى المؤسسات المدنية على أساس الشهادة والكفاءة، وأن الحكومة ملتزمة بالدفع حتى لمن لا تتوافر لديه المؤهلات المطلوبة. ونفى المالكي أن تكون قوات الأمن تستهدف الصحوات بل إن المستهدف «المتعاونون مع القاعدة».

وتمثلت الرسالة الثانية بتشديد المالكي على رغبة العراق في بناء علاقات «متوازنة» في علاقاته مع محيطه قائمة على التعاون والمصالح المشتركة. والأهم من ذلك، طمأن المالكي الدول المجاورة أن العراق «لن يكون مقرا» لمنظمات تريد الإضرار بمصالح دول الجوار». وقال المالكي « إن العراق لن يكون مقرا أو ممرا لأي منظمة إرهابية» باعتبار أن أي عمل من هذا النوع «سيقابل» بأعمال عدائية ضده . وبالمقابل وعملا بمبدأ التوازن، طالب بألا تكون دول الجوار منطلقا للإضرار بالمصالح العراقية. ووصف المالك ما هو قائم بين العراق ودول الجوار بأن بغداد «أعادت بناء جسور الثقة مع الدول التي كانت تخشى من دور عراقي بسبب ما خلفه الدكتاتور» في إشارة إلى صدام حسين. واعتبر أن العراق استعاد السيادة الكاملة وعندما سألته «الشرق الأوسط» عن عمليات القصف الجوي التي قامت بها طائرات وطوافات إيرانية قبل أيام في شمال العراق، وعما إذا كانت الاتفاقية الأمنية الموقعة مع الولايات المتحدة الأميركية لا تضمن سيادة العراق وتمنع عنه الاختراقات، اكتفى المالكي بجواب «الحد الأدنى» واعتبر أن ما حصل «يتناقض مع ضرورات حماية أجوائنا». ورأى المالكي أن بعض المنظمات العاملة في العراق مسميا منها مجاهدين خلق وحزب العمال الكردستاني التركي المحظور تخلق مشاكل للعراق، ويتعين بالتالي حلها مع الدول المعنية.

وحث المالكي دول الاتحاد الأوروبي التي تمتلك وزنا دوليا كبيرا أن «تمارس ضغوطا» من أجل منع التدخل في المسائل العراقية، من غير الإشارة إلى الجهات التي يرى أنها تتدخل في أمور العراق الداخلية. وجعل المالكي من إعادة العراق إلى المسرح الدولي كدولة مستقلة، فاعلة وذات سيادة كاملة أحد أهداف سياسته الخارجية. أما رسالة المالكي الرابعة فقوامها الدعوة لمساعدة العراق على قلب صفحة الماضي، ووضع حد لما زال يتعرض إليه من بقايا عقوبات في مجلس الأمن الدولي موروثة من الحقبة السابقة بسبب حروب صدام وامتلاكه الأسلحة الممنوعة وسياساته الإقليمية العدائية. وواضح أن المالكي يريد أن يرى نهاية نظام التعويضات الذي يخضع إليه العراق منذ سنوات.

إلى ذلك، كشفت مصادر رئاسية فرنسية أن الرئيس العراقي جلال طالباني سيقوم بزيارة إلى باريس في نوفمبر (تشرين الثاني) القادم، وسيتم بهذه المناسبة توقيع مجموعة كبيرة من الاتفاقات والعقود في الكثير من المجالات بما فيها المجال الدفاعي .