المدارس الإسلامية الباكستانية تملأ الفراغ.. لكنها تغذي التطرف وتخرج منها ثلثا الانتحاريين

إسلام آباد: الأسلحة النووية ليست مثل الكلاشينكوف يمكن للإسلاميين السيطرة عليها

فصل من مدرسة إسلامية يكتظ بالطلاب الصغار في مدينة مولتان (نيويورك تايمز)
TT

صرح مسؤول بارز في الحكومة الباكستانية بأن بلاده حرصت باستمرار على إخطار مسؤولي الدول الغربية المهمة، بما فيها الولايات المتحدة، بشأن الترتيبات الأمنية الجاري اتخاذها لتأمين أسلحتها النووية. وفي تعليق له على تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، قال المسؤول الباكستاني إن المخاوف المرتبطة بأمن الأسلحة النووية الباكستانية لا أساس لها. وأضاف أن باكستان لديها هيكل قيادة وسيطرة كامل لضمان أمن الأسلحة النووية. وأشار المسؤول إلى بيان أصدره الرئيس آصف علي زرداري قال خلاله إن الأسلحة النووية الباكستانية ليست مثل أسلحة الكلاشينكوف التي يروق للمسلحين السيطرة عليها. وجاء نشر تقرير «نيويورك تايمز» حول سلامة الأسلحة النووية الباكستانية متزامنا مع زيارة الرئيس الباكستاني لواشنطن لعقد لقاء مع نظيره الأميركي، باراك أوباما. ربما يكون من السهل الخلط في هذه القرية الفقيرة بين المدرسة الابتدائية والحظيرة، فالمدارس لا توجد بها مصابيح، وأرضيتها متسخة، والغربان تنعق من نوافذها الخالية من الزجاج، وقد وصلت سعة الفصل إلى 140، وهو ما أدى إلى خروج التلاميذ إلى ساحة المدرسة.

لكن إذا ما كانت الحكومة قد نسيت هؤلاء الأفراد، فإن الملالي لم ينسوهم. فمع تدهور التعليم الباكستاني، لجأت الأسر الفقيرة إلى المدارس الدينية التي تطعم وتأوي الأطفال، والتي تنتهج أسلوبا قتاليا من الإسلام غير المعروف هنا.

وقد أصبح تركز تلك المدارس هنا في جنوب البنجاب أمرا باعثا على القلق، خاصة مع التمرد المتنامي الذي يواجه الحكومة الباكستانية. ولا تقوم المدارس هنا بأكثر من تحفيظ الأطفال القرآن الكريم، الأمر الذي أدى إلى نشوء جيل من العقول الصغيرة المتعاطفة مع الإرهاب.

وفي تحليل لشخصيات الانتحاريين الذين تربوا في البنجاب، قالت الشرطة في الإقليم إن أكثر من ثلثي الانتحاريين تخرجوا في المدارس الدينية.

وقال ابن عبد الرحمن الذي يدير مفوضية حقوق الإنسان الباكستانية، وهي منظمة مستقلة: «إننا أمام عاصفة قوية على وشك أن تجتاح البلاد، وهي بمثابة إنذار أحمر لباكستان».

وكان الرئيس أوباما قد قال في مؤتمره الصحافي الأسبوع الماضي إنه قلق بصورة بالغة بشأن الوضع في أفغانستان، لأن الحكومة «لا تملك القدرة على تقديم الخدمات الأساسية من المدارس والرعاية الصحية وسيادة القانون ونظام قضائي يعمل لصالح الشعب الباكستاني».

وقد طلب أوباما من الكونغرس تقديم مساعدات تفوق ثلاثة أضعاف المساعدات غير العسكرية التي تتلقاها باكستان ومن بينها التعليم. كانت باكستان تتلقى مساعدات غير عسكرية من الولايات المتحدة في أعقاب اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) ما مجموعها 680 مليون دولار، وهو ما يقل عن المساعدات العسكرية التي تفوق مليار دولار سنويا، وذلك بحسب ما أعلنته وزارة الخارجية.

لكن التعليم ليس أولوية هنا، حتى إن الخطة الباكستانية الحالية الخاصة بمضاعفة النفقات الخاصة بالتعليم العام، فشلت كما كان الحال مع الخطط السابقة، التي كانت عرضة للتوقف نتيجة للبيروقراطية الرتيبة والحكومات غير المستقرة وعدم وفاء الصفوة السياسية الحاكمة بالتزاماتها تجاه الفقراء. وقال ستيفن كوهين، الخبير في الشؤون الباكستانية في معهد «بروكينغز»: «إنها دولة لم تأخذ التعليم على محمل الجد، وإنني جد متشائم بشأن إمكانية إصلاح التعليم هناك».

كانت العائلات الباكستانية التي توجه أبناؤها للتعليم في المدارس الدينية يشكلون نسبة قليلة في المجتمع الباكستاني، بيد أن التعليم في المدارس العامة ذا توجهات إسلامية، فقد تمت أسلمة المناهج الدراسية في الثمانينات في ظل حكم الجنرال محمد ضياء الحق، الجنرال العسكري الذي عزز الهوية الإسلامية الباكستانية كسبيل للتغلب على أشكال القبائل والعرقيات واللغات.

وقد ارتفعت نسبة التعليم في باكستان من 20% عند الاستقلال، منذ 61 عاما مضت، وطورت الحكومة المناهج التعليمية في الآونة الأخيرة وخففت من تركيزها على الإسلام. حتى اليوم لا يستطيع سوى نصف الباكستانيين القراءة والكتابة، وهو ما يعتبر أقل بكثير من الدول التي تماثل باكستان في نسبة دخل الفرد كفيتنام على سبيل المثال. وتشير منظمة اليونسكو إلى أن واحدا من بين كل ثلاثة أطفال باكستانيين في عمر التعليم لا يلتحقون بالمدارس، وأما الذين يلتحقون بالتعليم فيتسرب ثلثهم من الدراسة عند الصف الخامس. أما نسبة التحاق الفتيات بالتعليم فتعد الأقل على مستوى العالم، حيث تلي إثيوبيا واليمن. وينتشر في تلك المنطقة غير المتمدنة من المناطق الريفية في البنجاب الجنوبي، حيث بدأت طالبان في القيام ببعض الغارات بمساعدة الجماعات المسلحة المحلية، أكبر تجمع للمدارس الإسلامية في البلاد. ويوجد في إقليم البنجاب ما يقرب من نصف المدارس الإسلامية الموجودة في باكستان البالغ عددها 1200 مدرسة، ويرى الخبراء أن العدد يفوق ذلك، فعندما حاولت الحكومة إحصاء تلك المدارس في عام 2005 رفضت خمس المناطق في الإقليم تسجيل المدارس.

وعلى الرغم من أن المدارس الإسلامية لا تشكل سوى 7% من نسبة المدارس الابتدائية في البلاد، فإن تأثيرها يتضاعف نتيجة لعدم كفاءة التعليم العام والطابع الديني المتأصل في الريف الذي يقطنه ثلثا السكان. وتعد المدارس الأولية للبنين في هذه القرية صورة لأجيال من الإهمال التي تركت الكثير من الباكستانيين يشعرون بالتهميش من جانب الحكومة. وقال محمد عيجاز أنجوم، المسؤول الحكومي عن مراقبة المدارس في المنطقة، إنه ألِف تلك الكارثة، فهو لا يملك سيارة أو مكتبا، إضافة إلى أن علاوات تنقلاته أقل من 200 دولار سنويا، وأشار إلى عجزه عن القيام بأي أمر حيال ذلك.

كما تعكس نسبة التسرب من التعليم، اعتقاد عدد كبير من الباكستانيين في إمكانية أن يحسن التعليم من مستوى معيشتهم. فأحد أفضل تلاميذ علي، محمد أرشاد علي، حصل على منحة دراسية لإكمال تعليمه بعد الصف الخامس، لكن والديه لم يسمحا له بقبولها، فترك الدراسة والتحق بمهنة كي الملابس ليحصل على 200 روبية يوميا أي ما يقابل 2.5 دولار.

وقال علي: «إن غالبية الآباء يعتقدون أن الوظائف ذات الدخول الشهرية هي للأغنياء فقط، فهم لا يعتقدون بجدوى التعليم».

وقد أوجد الإحباط والإهمال في البنجاب، الذي يعد الإقليم الأكثر كثافة سكانية، المجال للمدارس الإسلامية لكي تملأ ذلك الفراغ.

وقالت زبيدة جلال، عضوة البرلمان ووزيرة التعليم السابقة: «إن المدارس الإسلامية تتزايد أعدادها بصورة كبيرة». وقد بدأت تلك الظاهرة في الثمانينات عندما قدم الجنرال ضياء الحق الأموال والأراضي لتلك المدارس في ظل سياسة أميركية لمساعدة المقاتلين الإسلاميين في حربهم ضد القوات السوفياتية في أفغانستان.كما ينظر للمدارس الإسلامية على أنها فرص للتوظيف، فيقول جان شير، الذي أصبحت قريته، شادان لوند، التي تقع في جنوب غربي البنجاب معقلا للمقاتلين، والتي فاق فيها عدد المدارس الإسلامية عدد المدارس الحكومية، حيث تعمل كشبكة أمان من خلال إسكان وإطعام الأطفال الفقراء: «عندما لا يجد أحد فرصة عمل، يبني مسجدا ويجلس فيه». وتساءل حفيظ الرحمان، وكيل مدرسة جامعة «صديقي تاليمول قرآن» في مولتان، المدينة الرئيسية في جنوب البنجاب، التي تؤوي وتطعم 73 طفلا من أبناء القرى الفقيرة: «كيف يمكن لأب يجني 200 روبية في اليوم أن ينفق على خمسة أطفال». وقد حاول برويز مشرف من قبل تقنين المدارس، عبر تقديم حوافز مالية إذا ما أدرجوا مواد عامة بها، لكن العديد من تلك المدارس رفضت مراقبتها بعد أن حصلت على المال. وقال جاويد أشرف قاضي، الجنرال المتقاعد، الذي عمل كوزير للتعليم في تلك الفترة: «لقد فشل نظام إصلاح المدارس الإسلامية». ويقول شاهباز شريف، الوزير الأول للتعليم في البنجاب، إنه يدرك حقيقة المشكلة، ويحاول انتهاج أسلوب آخر، حيث اقتطع 75 مليون دولار لبناء مدارس نموذجية في 80 منطقة قريبة من المدارس الإسلامية الكبرى، وهي طريقة اقترحها من قبل الجنرال قاضي. وقال أنجوم إن المقاطعة التي تضم موهري بور، تلك القرية المبنية بالطوب اللبن ويعيش فيها ما يقرب من 6.000 شخص، يوجد بها ما يقرب من 200 مدرسة إسلامية، وهو ما يعد ثلث المدارس الحكومية الموجودة في المنطقة.

كما ازدادت أعداد المدارس غير الإسلامية الخاصة منذ التسعينات، وزادت معدلات الطلاب والمعلمين، لكنها مقصورة بصورة أكبر على الأثرياء، وبعيدة عن متناول الطبقة الوسطى من الباكستانيين، حيث تقدم تعليما حديثا صارما.