إسلام آباد: الأسلحة النووية ليست مثل الكلاشينكوف يمكن للإسلاميين السيطرة عليه

واشنطن قلقة على سلامة الترسانة النووية الباكستانية

تظاهرة للإسلاميين في شوارع إسلام آباد، أمس، نددت بطالبان الباكستانية وكذلك بالتدخل الأميركي في الشريط القبلي (أ.ف.ب)
TT

صرح مسؤول بارز في الحكومة الباكستانية بأن بلاده حرصت باستمرار على إخطار مسؤولي الدول الغربية المهمة، بما فيها الولايات المتحدة، بشأن الترتيبات الأمنية الجاري اتخاذها لتأمين أسلحتها النووية. وفي تعليق له على تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، قال المسؤول الباكستاني إن المخاوف المرتبطة بأمن الأسلحة النووية الباكستانية لا أساس لها. وأضاف أن باكستان لديها هيكل قيادة وسيطرة كامل لضمان أمن الأسلحة النووية. وأشار المسؤول إلى بيان أصدره الرئيس آصف علي زرداري قال خلاله إن الأسلحة النووية الباكستانية ليست مثل أسلحة الكلاشينكوف التي يروق للمسلحين السيطرة عليها. وجاء نشر تقرير «نيويورك تايمز» حول سلامة الأسلحة النووية الباكستانية متزامنا مع زيارة الرئيس الباكستاني لواشنطن لعقد لقاء مع نظيره الأميركي، باراك أوباما. وفي الوقت الذي يتعاظم فيه تمرد طالبان و«القاعدة» في باكستان، أعرب المسؤولون الأميركيون عن عميق قلقهم حيال المخاطر الجديدة الناجمة عن إمكانية وقوع الترسانة النووية الباكستانية غنيمة في يد الأعداء، بالإضافة إلى احتمال استيلاء المسلحين على تلك الأسلحة أثناء إحدى عمليات النقل، أو إقحام المتعاطفين والمؤيدين لتلك الجماعات في المعامل النووية أو منشآت إنتاج الوقود النووي. وشدد المسؤولون على أنه ليس هناك سبب يدعو إلى القلق بأن الترسانة النووية ـ والقابع أغلبها جنوب العاصمة الباكستانية إسلام آباد ـ تواجه أي تهديد وشيك. وأعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما أنه ما زال واثقا من أن الإبقاء على أمن البنية التحتية النووية الخاصة بالبلاد ما زال على قمة أولويات القوات المسلحة الباكستانية.

ومع ذلك، بات واضحا أن الولايات المتحدة لا تعلم أين تقبع جميع المواقع النووية الباكستانية، وقد تعمقت مخاوفها على مدار الأسبوعين الماضيين بعد أن دخلت طالبان إلى منطقة بونير؛ وهي المقاطعة التي تقع على مسافة 60 ميلا من العاصمة. وأدى توسع انتشار طالبان إلى جعل المسؤولين الأميركيين أقل استعدادا لقبول مظلة التأكيدات التي تطلقها باكستان حول أمن هذه الأسلحة.

وأفاد المسؤولون أن قلق الباكستانيين كان دائما يتمثل في مراوغة الطلبات الأميركية التي تناشدهم معرفة المزيد من التفاصيل عن أماكن وأمن المواقع النووية الباكستانية. وأفادوا أن جزءا من المعارضة الباكستانية نبع من القلق الراسخ لديهم منذ أمد بعيد بأن الولايات المتحدة من المحتمل أن تقدم على الاستيلاء على الترسانة النووية الباكستانية أو تدميرها إذا ما بدا أن المتمردين مرابطون على مشارف المواقع النووية الباكستانية. إلا أنهم أوضحوا أيضا أن معظم المسؤولين الأميركيين والباكستانيين البارزين لم يتعاطوا مع هذه القضية خلال لقاءاتهم، وهي العملية التي توجد ثمة احتمالية بأن تبدأ هذا الأسبوع مع اقتراب زيارة آصف علي زرداري المخطط لها لأوباما في واشنطن يوم الأربعاء.

وأفاد مسؤول بارز انخرط في الحوار مع باكستان خلال عهد بوش، ولا يزال حتى وقتنا الحالي، بقوله: «إننا نعول إلى حد كبير على هذه التأكيدات، وهي نفسها التي نسمعها منذ سنوات، إلا أنه ومع حدوث الأسوأ، وكلما شقوا طريقهم بقوة تجاه هذا الخط، يقولون لنا (لا تقلقوا، إننا نسيطر على زمام الأمور)».

ولم تقدم إدارة بوش سوى على إبداء التعبير عن هذه المخاوف على الملأ، إذ عمدت إلى تكرار الصيغة التي دوما ما كانت إدارة بوش تستخدمها: إننا نثق في الجيش الباكستاني. ويوم الأربعاء، أوضح الرئيس أوباما بقوله: «أنا واثق بأننا يمكننا الاطمئنان إلى أن الترسانة النووية الباكستانية في أمان، وهذا مرده مبدئيا وفي المقام الأول إلى أنه في اعتقادي، فإن الجيش الباكستاني يعي مخاطر وقوع مثل هذه الأسلحة في الأيدي الخاطئة. ونحن لدينا تشاور وتعاون عسكري قوي في نوعه». إلا أنه حسبما أفاد مسؤولون لم يرغبوا في الكشف عن صفاتهم بسبب الحساسية التي تغلف تلك المباحثات بين واشنطن وإسلام آباد، فإن هذا التعاون يقف عند حدود معينة عندما يتعلق الموضوع بمغبة وقوع البنية التحتية النووية الباكستانية في أيدي الأعداء. جدير بالذكر أن إدارة أوباما ورثت عن سابقتها تحت إدارة بوش برنامجا سريا أميركيا ممتدا على مدار عدة سنوات لمساعدة باكستان في تشييد تدابير وقائية مادية حول بعض هذه المنشآت، وتدريب الباكستانيين على الأمن النووي. إلا أن هذا الجهد قد تلاشى حاليا، ولم يتم السماح للمسؤولين الأميركيين بعد ذلك بالاطلاع على كم الأموال التي يتم إنفاقها، أو أماكن الاحتفاظ بهذه الأسلحة، أو حتى احتساب كمية تلك الأسلحة التي ينتجها الباكستانيون. علاوة على أن المنشأة التي كان من المفترض من باكستان بناؤها لإجراء عمليات التدريب الخاصة بها مضى عليها سنوات، متجاوزة بذلك الحد المخطط لها.

ولم يشر المسؤولون إلى ما إذا كان سيتم إثارة هذه القضية خلال الاجتماع الأول من نوعه لزرداري مع أوباما أم لا، إلا أنه حتى ولو تمت إثارة القضية، فمن غير الواضح مدى جدوى المباحثات التي سوف تتم. تجدر الإشارة إلى أن زرداري يترأس سلطة القيادة القومية ـ وهي عبارة عن مزيج من الزعماء السياسيين والعسكريين والاستخباراتيين المنوط بهم مسؤولية الحفاظ على ترسانة البلاد النووية البالغ قوامها ما بين 60 ـ 100 سلاح نووي، إلا أن قيادته هذه تبدو هشة في أفضل الظروف والاحتمالات، إذ إن هذه السلطة تقع إلى حد كبير بين يدي أشفق برفيز كياني ـ رئيس أركان الجيش، والمدير السابق للاستخبارات العامة الباكستانية. ولسنوات، تجاهل الباكستانيون المخاوف الأميركية المتكررة إزاء هذه القضية، حيث رفض الجنرال خالد كيدواي ـ رئيس الأمن النووي بالبلاد ـ هذه المخاوف، واصفا إياها بأنها «خطاب مفرط». وفي السياق نفسه، ينتاب الأميركيين ممن هم على دراية وخبرة كبيرة بالنظام الباكستاني قلق بالغ حيال ما لا يعرفونه، إذ يقول رولف موات لارسن ـ الذي أدار وحدة استخبارات وزارة الطاقة حتى شهر يناير (كانون الثاني)، وكان في السابق ضابطا بالاستخبارات المركزية الأميركية والذي تم إرساله في السابق إلى باكستان لتحديد إذا ما تم تمرير التكنولوجيا النووية إلى أسامة بن لادن أم لا: «ينتابني قلق منذ سنوات حيال مواد الأسلحة في باكستان، وهي المواد الموجودة بالمعامل». وأضاف موات لارسن ـ وهو الآن بكلية كينيدي للحكم بجامعة هارفارد: «ما زال القلق يعتريني من ذلك، ولكن مع ما نشهده حاليا، فإن قلقي يتعاظم من احتمالية فقدان شيء لدى النقل». ويشير العديد من المسؤولين الحاليين إلى أن القلق ينتابهم من احتمالية أن محاولة المتمردين إثارة أي حادثة تحمل باكستان على نقل الأسلحة، ثم يعمدون بذلك إلى استغلال دخيل على دراية بمواعيد نقل الأسلحة أو المواد النووية للاستيلاء عليها. ويبدو أن هذا هو القلق الذي ألمحت إليه هيلاري رودهام كلينتون ـ وزيرة الخارجية الأميركية ـ لدى شهادتها أمام لجنة المخصصات التابعة لمجلس النواب قبل 10 أيام، إذ أوعزت بأن الأسلحة الباكستانية، «مشتتة على نحو واسع بالبلاد». وأضافت في شهادتها: «ليس هناك مكان مركزي كما تعلمون، لقد تبنينا سياسة تشتيت أسلحتهم ومنشآتهم النووية». ومضت الوزيرة الأميركية إلى وصف الموقف المحتمل حال حدوث مواجهة مع الهند، تحمل بدورها باكستان على الرد عليها، رغم أنها لم تذهب إلى قول إن مثل هذا الرد قد يتضمن نقل أسلحة إلى الهند ـ والذي تيقن المسؤولون الأميركيون من حدوثه عام 2002. وأشار الخبراء إلى أنه حتى ومع مواجهة باكستان نوعا من انعدام الاستقرار، إلا أنها تنتج المزيد من البلوتونيوم لصنع أسلحة جديدة، كما أنها تبني المزيد من مفاعلات الإنتاج. وكتب كل من دافيد ألبرايت وبول برانام من معهد العلوم والأمن الدولي في تقرير أخير يوثق التقدم الحادث في هذه المنشآت: «في هذا المناخ الحالي، والذي تقبع فيه القيادة الباكستانية تحت وطأة تهديد أفعال العنف اليومية من قبل قوات طالبان المتمردة، والمعارضة السياسية المنظمة، فإن ثمة ارتيابا يحوم حول المواد النووية المنتجة في هذه المفاعلات». وليس من المستغرب أن يدحض الباكستانيون هذه المخاوف واصفين إياها بأنها نوع من جنون الارتياب المتملك كلا من الأميركيين والهنود، والذي يرمي إلى إثنائهم عن التحديث النووي. إلا أن مصداقية الحكومة ما زالت متشحة بالحقيقة التي استخدمتها من قبل بشدة لإنكار التقارير المفبركة بأن عبد القادر خان ـ أحد مهندسي السباق الباكستاني نحو القنبلة النووية ـ قد باع أي تكنولوجيا نووية في السوق السوداء. وهي التقارير التي تبين صدقها في نهاية الأمر.

* خدمة «نيويورك تايمز»