داليا مجاهد لـ«الشرق الأوسط»: مهمتي نقل أصوات الغالبية الصامتة من المسلمين إلى صانع القرار الأميركي

مستشارة أوباما للشؤون الإسلامية: الحرية الدينية قيمة مقدسة والحجاب يبرز هوية أعتز بها

داليا مجاهد خلال ادلائها بشهادتها في احدى جلسات الكونغرس («الشرق الأوسط»)
TT

داليا مجاهد ابنة حي السيدة زينب، المصرية الأميركية المحجبة والباحثة في شؤون الأديان التي وقع اختيار الرئيس الأميركي الجديد أوباما عليها لتكون مستشارا خاصا له، ضمن المجلس الاستشاري للأديان الذي شكله بهدف تحسين العلاقات الأميركية مع مسلمي الولايات المتحدة والعالم، ولتطلعه من خلال عملها على الكيفية التي يفكر بها المسلمون ومن ثم الإجابة عن سؤال ماذا يريد العالم الإسلامي من الولايات المتحدة الأميركية؟

والذي يدعو للدهشة وربما لإثارة التساؤلات ليس المجلس الاستشاري للأديان الذي كونه أوباما ليفهم كيف يفكر أتباع الديانات المختلفة في أميركا؟ وكيف يمكن أن تساهم الأديان في حل المشكلات الاجتماعية ولا تكون عنصراً أساسياً في تواجدها أو تفاقمها؟ وإنما هو تعيين امرأة مسلمة محجبة في منصب رفيع من هذا النوع في البيت الأبيض، وفي هذا الشأن أكدت السيدة داليا مجاهد أن مسؤولي البيت الأبيض والرئيس أوباما لا يعنيهم حجابها وإنما يعنيهم ما يمكن أن تقدمه هي لهم من أفكار لفهم الإسلام والعالم الإسلامي. وانطلاقا من مهام منصبها الجديد قالت داليا التي تترأس أيضا مركز غالوب للدراسات الإسلامية والمتخصص في بحوث الرأي العام إنها ستوصي أوباما بالإنصات لمخاوف وآراء المسلمين حتى وإن اختلف معهم، لافتة إلى أن ذلك سيزيد من فرص التقارب ويفوت الفرصة على «الإرهابيين» في استغلال توتر العلاقات بين الطرفين».

وداليا مجاهد في الثلاثينات من العمر وأم لطفلين وجه مصري بملابس إسلامية الطابع وبفكر أميركي له مرجعيه دينية إسلامية توصف بالانفتاح أو اليسر لا العسر أو بمنهج الوسطية في تقييم الأمور، ومن خلال أجوبتها عن أسئلة «الشرق الأوسط» عبر البريد الالكتروني تحدثت عن دورها كمستشارة للرئيس الأميركي، والتحديات التي تواجه المسلمين في الولايات المتحدة وفي مقدمتها الإسلاموفوبيا، وأخيرا قصة نجاحها الشخصية. تدشن داليا مجاهد، اليوم، في لندن تقرير مؤسسة «غالوب» عن التعايش بين الأديان لعام 2009 الذي تطلق عليه «مؤشر التعايش لعام 2009: دراسة عالمية عن العلاقات بين الأديان». وسوف يكشف التقرير عن أحوال المسلمين في بريطانيا وفرنسا وألمانيا ودرجة تعايشهم وتجانسهم مع المجتمعات الأوروبية، كما يقدم صورة مستفيضة وتحليلا شاملا للعلاقات بين الأديان المختلفة في العديد من الدول حول العالم. وجاء الحوار على النحو التالي:

* ما هو نمط الإسلام الذي تروجين له؟

- انضممت إلى المجلس لكي أخدم بلادي من خلال التعاون مع الأميركيين الآخرين لحل المشكلات المشتركة. وسوف أعتمد في ذلك تماما على الأبحاث التي أجراها معهد «غالوب» في ما يتعلق بالرأي العام المسلم. وأعتقد أن هذه الأبحاث هي السبب وراء اختيار الإدارة لي كي أنضم إلى هذه المجموعة، وهو الأمر الذي يعني أنهم مهتمون بالفعل بتفهم المجتمعات المسلمة. ونحن في «غالوب»، نؤمن بأن القادة يتخذون القرارات بصورة أفضل عندما تعتمد هذه القرارات على المعرفة بالشعوب. ومن أجل حل المشكلات العصيبة التي تجابه عالمنا اليوم ـ وهي مشكلات لا تعرف حدودا وطنية أو تمييزا على أساس اللون أو العرق ـ يجب على القادة الإنصات إلى ما يدور في أذهان كافة الشعوب. ويخبرنا الرئيس أوباما والمسلمون بمختلف أرجاء العالم بأنهم راغبون في الاشتراك معا من أجل حل المشكلات العالمية. وتسهم الأبحاث التي نجريها في جعل هذه الشراكة أمراً ممكناً من خلال منح الأفراد العاديين القدرة على الإدلاء بدلوهم على طاولة صنع القرار.

* ما هو شعورك حيال كونك أول فرد مسلم يتم تعيينه في إدارة أوباما؟

- في الواقع، لست أول فرد مسلم ينضم إلى الإدارة، حيث سبقني مسلمون آخرون تقلدوا مناصب في إدارة أوباما. كما أنني لست أول شخص مسلم بالمجلس الاستشاري المعني بالأديان التابع للبيت الأبيض وشراكات الجوار. في حقيقة الأمر، لقد انضم دكتور إيبو بيتل كثاني فرد مسلم في المجلس. لكنني أول امرأة مسلمة بالمجلس. وأشعر بفخر بالغ لتمتعي بالفرصة لتقديم خدماتي على هذا النحو، لكنني أدرك ـ في الوقت ذاته ـ حجم المسؤولية التي وافقت على تحمل أعبائها. إنني أنظر إلى دوري من منظور ما يتعين تحقيقه، وليس كإنجاز تاريخي. أعتقد أن الإنجازات لم يتم تحقيقها بعد.

* ما هو دور المجلس الاستشاري للأديان و«شراكة الجوار»؟

- إنني عضو في مجلس استشاري مؤلف من 25 فردا يتبع البيت الأبيض، ويركز على طرح الحلول للمشكلات الاجتماعية المرتبطة بالطوائف الدينية. تحديداً، أعني بالحوار بين الأديان وقوة عمل تعاونية، وهي مجموعة مؤلفة من 5 أشخاص فقط. ومن المقرر أن نعمل على وضع توصيات بشأن المجال الذي نركز عليه اهتمامنا وستجري مراجعة هذه التوصيات من جانب مجلس أكبر، ثم يتم دمجها في تقرير سنوي يتضمن توصيات من المجلس إلى الرئيس أوباما.

* ما دورك باعتبارك مستشارة فيما يخص شؤون الإسلام؟

- لست مستشارة بشأن الإسلام، وإنما يتمثل دوري في نقل الحقائق عن معتقدات ومشاعر المسلمين. وأعتبر أن دوري هو نقل أصوات غالبية المسلمين الذي يفرض عليهم الصمت داخل أميركا وبمختلف أنحاء العالم إلى المجلس، بحيث يتعرف صانعو القرار على أفكار هذه الغالبية. أعتقد أن اختياري جاء انطلاقاً من اهتمام الإدارة بما يعتقده المسلمون ويرغبون في سماعه.

* ما هي آمالك وتطلعاتك بالنسبة للمسلمين الأميركيين؟

- تتركز آمالي فيما يخص المسلمين الأميركيين في أن يتمكنوا في إثراء أميركا من خلال الاندماج على نحو كامل في نموها وتنميتها، وكذلك نضالاتها. وطبقاً للأبحاث التي أجريناها، يأتي المسلمون الأميركيون في مرتبة متأخرة عن الأميركيين الآخرين فيما يتصل بمستوى مشاركتهم السياسية والمدنية (ناشونال بورتريت). والأمر الأمثل الذي باستطاعتهم فعله من أجل تعزيز أميركا يكمن في مشاركتهم على نحو كامل في صياغة الفصل القادم من تاريخها عبر المشاركة وتنمية شعور قوي بداخلهم بأنهم يملكون مستقبل بلادهم.

* هل أنت من أنصار الحزب الديمقراطي أم الجمهوري؟ - أنا أميركية أكرس نفسي لخدمة بلادي.

* كم عدد الساعات التي تعملينها أسبوعياً؟

- 60 ساعة على الأقل، لكني علي الاعتراف بأن العمل يشغل بالي طيلة الوقت.

* ما وجهة نظرك حيال تنامي كراهية المسلمين (الإسلاموفوبيا) داخل أميركا؟

- يعد التحامل ضد المسلمين داخل أميركا إحدي الحقائق القائمة. وقد توصل معهد «غالوب» إلى أن المسلمين من بين أكثر الفئات التي يجري النظر إليها بصورة سلبية في الولايات المتحدة، وأن ما يزيد قليلاً فقط على ثلث الأميركيين قالوا إنهم لا يكنون أي مشاعر تحامل ضد المسلمين. ويشكل هذا الوضع خطراً بالغاً على الولايات المتحدة ككل. إن تعريف مرض العنصرية يقوم على أنها التحيز في إصدار الأحكام، بمعنى أن العنصرية تلقي بغيومها على الحكم الصائب وتدفع الأفراد باتجاه اتخاذ قرارات غير عقلانية. إضافة إلى ذلك، تغرس العنصرية بذور الشقاق داخل الأمة الواحدة وتحول دون استفادتها على نحو كامل بمواردها الفكرية والثقافية. في الواقع، إن العنصرية مصدر تخريب، وتعتبر أحد جوانب القصور من الناحية الاستراتيجية. من جانبي، أشعر بفخر بالغ حيال المسيرة التي خاضتها الولايات المتحدة في محاربة هذه المشكلة فيما يخص العلاقة بين السود والبيض. عام 1956، وافق 4% فقط من الأميركيين على الزواج بين البيض والسود. وقد كان الزواج الذي أثمر رئيسنا غير قانوني في فيرجينيا عندما ولد. أما اليوم، يوافق 80% من الأميركيين على الزواج بين البيض والسود. وفي العام الماضي، أصبح باراك أوباما أول مرشح رئاسي عن الحزب الديمقراطي. لقد أصبحنا أمة أقوى وأكثر ذكاءً نتيجة هذا النمو. أما قفزتنا التنموية القادمة فسوف تتمثل في تخليص مجتمعنا من كافة صور التحامل.

* هل تجابهين أي مشكلات بسبب ارتدائك الحجاب في أميركا، وهل تشعرين أنه من الضروري ارتداء ما يعبر عن هويتك كمسلمة؟

- بطبيعة الحال، يبرز الحجاب على الفور هويتي كمسلمة، وهي هوية أشعر تجاهها باعتزاز بالغ. لكنني أرتدي الحجاب لأنني، مثلما الحال مع غالبية المسلمات المحجبات، أتفهم أنه أحد عناصر ديني. ورغم أنه ليس بالأمر الهين أن يبدو المرء مختلفاً داخل أي بلد، إلا أنني أعتقد أن الولايات المتحدة واحدة من أكثر المجتمعات تقبلاً للاختلاف على مستوى العالم. والأهم من ذلك، أننا نعتبر الحرية الدينية قيمة مقدسة، وكنا دوماً منارة ونموذجاً يحتذى به بالنسبة للعالم بأسره في هذا الشأن. إن السماح لكل فرد بممارسة معتقداته الدينية بحرية عزز قوة بلادنا، ولم يهددها. ومثلما أعرب الرئيس أوباما ببلاغة: «إن موروثنا المتنوع يعد نقطة قوة، وليس ضعفاً».

* ما الرسالة التي ترغبين في نقلها إلى النساء المسلمات بكافة أرجاء العالم؟

- أود القول إن أمامكن دورا مهما عليكن الاضطلاع به من أجل جعل هذا العالم مكاناً أفضل للأجيال القادمة، كمخترعات وكاتبات وأمهات وطبيبات وصانعات سلام وقائدات. إن العالم بحاجة إلى طاقاتكن وعبقريتكن، لذا، امضين قدماً في الإسهام بكل إخلاص.

* ما هي المجالات المتعلقة بالسياسات الداخلية والخارجية التي تعتقدين أن على الإدارة إحداث تغييرات بها؟

- أنصح الرئيس بأن أهم ما ينبغي أن يفعله الآن هو الإنصات. لقد زعم الكثيرون بأن الإرهابيين «اختطفوا الإسلام»، لكنني أختلف معهم. أعتقد أن الإسلام بخير ويزدهر في حياة أتباعه بمختلف جنبات العالم. أما ما سنحت للإرهابيين فرصة السيطرة عليه فهي القضايا المثيرة لسخط المسلمين. والملاحظ أن القضايا المستحوذة على اهتمام المسلمين لم تلق اهتماماً في الغالب من قبل الإدارة السابقة، ما ترك فراغاً استغله المتطرفون. وتلك حقيقة خطيرة بالنسبة لنا جميعاً. وبدلاً من ذلك، يتحتم على الولايات المتحدة الاستماع إلى القضايا التي تهم التيار الرئيسي من المسلمين حتى لو لم تكن واشنطن تتفق مع وجهات نظرهم، ذلك أنه لم يعد من الممكن تجاهل هذه القضايا أو تركها بحيث يحتكرها المتطرفون لصالحهم.

* ما هي النصيحة التي تقدمينها لأوباما من أجل تحسين علاقات الولايات المتحدة بالمسلمين والعالم المسلم؟

- أؤيد إقرار خطة العمل الموضحة في تقرير «تبديل المسار» التي توصي بأربعة مجالات للعمل: الاحترام، والإصلاح (السياسي والاقتصادي) وتسوية الصراعات. فيما يتصل بالولايات المتحدة، أوصي بأن يقوم مسؤول كبير بالإدارة بـ«جولة استماع» داخل الولايات المتحدة والإنصات للقضايا التي يهتم بها المسلمون الأميركيون. مثل كافة الأميركيين، يساور القلق المسلمين الأميركيين إزاء الأزمة الاقتصادية، ومستقبلهم المالي ووظائفهم. ومثلما الحال مع الكثير من المواطنين الأميركيين الآخرين، يشعر المسلمون الأميركيون بالقلق إزاء التصوير العنصري وسياسات الهجرة التمييزية وتراجع الحريات المدنية.

* ما نصيحتك إلى المسلمين بشتى بقاع الأرض لتحسين علاقاتهم مع الولايات المتحدة؟

- عندما سأل «غالوب» المسلمين بمختلف أنحاء العالم هذا السؤال، كانت الإجابة الأكثر ترديداً هي المساعدة في الحد من التطرف وتحديث مجتمعاتهم. كما قال الكثيرون إن عليهم بناء علاقة مع الغرب والولايات المتحدة تقوم على الاحترام المتبادل. ومن المثير أن أكثر الآراء التي أعرب عنها الأميركيون تتمثل في ضرورة تحسين المسلمين مستوى اتصالهم بالأميركيين، وذكروا في المرتبة الثانية الحد من التطرف. بذلك نجد أن هناك إدراكاً لدى المسلمين ليس فقط بأن تطرف قلة منهم يضر العلاقة بين المسلمين والغرب ككل، وإنما كذلك بأن المسلمين هم أول ضحايا هذا التطرف. كخطوة أولى، أشجع المسلمين بمختلف أرجاء العالم على التواصل مع الإدارة الجديدة والاستجابة لدعوة الرئيس أوباما لاتباع نهج جديد نحو الأمام. ومن خلال رسالة بريد إلكتروني بسيطة إلى [email protected] يخبرون خلالها الرئيس بشعورهم حيال دعوته هذه وكيفية استجابتهم لها. كما أشجع المسلمين بمختلف أرجاء العالم على تغيير أسلوب تفكيرهم من كونهم ضحايا، رغم استمرار الكثير من المشكلات، إلى تفكير يليق بمواطنين عالميين ذوي قيمة كبيرة لديهم حلول إيجابية يودون طرحها. وأشجع المسلمين على منح هذه الإدارة الجديدة فرصة قبل إصدار أية أحكام بشأنها، علاوة على محاولة الاقتصاد في توقعاتهم نظراً لأن السياسات الأميركية لا يمكن أن تتغير بين عشية وضحاها أو على يد فرد واحد. بيد أن ذلك لا يعني أنه ليست هناك أية مجالات للتعاون والتحسن التدريجي ومزيد من الحوار. في النهاية، يبقى أهم شيء على المدى البعيد، أن يستثمر الشباب في بناء مجتمعاتهم بحيث يعكسون قيم العدالة وإتاحة الفرص والتعاطف مع الجميع.

* أخبرينا عن رحلة نجاحك كمسلمة أميركية ترتدي الحجاب. ما هي التحديات التي واجهتها في الطريق؟

- لقد حظيت بنعم كبرى، الحمد لله. أعتقد أن قصتي تمثل قصة أميركية فريدة من نوعها. لقد نشأت في أسرة متعلمة تنتمي للطبقة الوسطى، لكن من دون علاقات وساطة أو مميزات خاصة. ومن خلال تفوقي في المدرسة، تمكنت من ارتياد جامعة كبرى وعملت على المساعدة في سداد تكاليف دراستي من خلال العمل في الصيف كمهندسة تحت التدريب. كان عملي الصيفي داخل مصنع للورق بمدينة صغيرة في ويسكونسن. وكنت في الـ19 من عمري فقط وأتولى إدارة عمل فنيين عمدوا إلى تذكيري أغلب الوقت بأنهم تعاملوا مع الآلات لفترة أطول من عمري على وجه الأرض. كما أخبرني الكثيرون منهم بأنني أول شخص مسلم يقابلونه على الإطلاق. وبطبيعة الحال شكل هذا كله تحدياً أمامي، لكنني تعلمت الكثير من هذه الفترة. بمجرد أن يكون الناس على معرفة أفضل بي، أصبحت في نظرهم خبيرة، وليس مجرد امرأة ترتدي حجابا. وحملت هذه الخبرة معي إلى وظيفتي الدائمة بعد تخرجي في الجامعة. علمتني هذه المواقف أن العيش تبعاً لما يمليه عليك ضميرك أهم من التوافق مع البيئة المحيطة بك. وأعتقد أن هذا الدرس الحياتي البسيط هو الذي ساعدني على النجاح ومنحني الشجاعة اللازمة لمواجهة أصعب المواقف وأشدها وطأة.