المغرب: بعثرة وخلافات وغياب في التنسيق تسود المشهد السياسي عشية الانتخابات البلدية

مقرات 30 حزبا تتحول إلى خلايا نحل.. شبح العزوف عن المشاركة حاضر بقوة

TT

يبدو المشهد السياسي الحزبي المغربي، عشية الانتخابات البلدية، المزمع إجراؤها يوم 12 يونيو (حزيران) المقبل، شبه مبعثر، وتسوده الخلافات، وغياب التنسيق، سواء بين أحزاب الغالبية الحكومية أو بين المعارضة، لخوض معترك هذه المحطة السياسية الجديدة.

وقال خليل بن أحمد جزوليت، مؤلف كتاب «الأحزاب السياسية المغربية، نشأتها وتطورها»، الصادر حديثا بالرباط، لـ«الشرق الأوسط»، «إن المشهد الحزبي في المغرب سيبقى على حاله، وربما يزداد تشرذما، نظرا للصراعات التي ما زالت قائمة، قصد تحقيق المصالح الخاصة». ووصف جزوليت الأحزاب السياسية المغربية بأنها «أحزاب المناسبات الانتخابية ليس إلا»، مشيرا إلى أن مفهوم التنظيم السياسي لدى القيادات الحزبية لم يتم استيعابه بعد، لقيام أو تأسيس حزب سياسي حقيقي. وعزا جزوليت ذلك إلى «التخلف المهيمن على عقلية بعض السياسيين الحزبيين»، متوقعا في ضوء ذلك، أن تكون نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات البلدية المقبلة أقل من نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية 2007.

ولاحظ عبد الرحيم منار سليمي، المحلل السياسي والأستاذ الجامعي، «أن المشهد الحزبي الحالي يعيش ظاهرة صراع الجميع ضد الجميع»، موضحا أن ذلك يتجلى في البحث عن الوجهاء والأعيان، وتبادل الاتهامات حول بعض الوقائع السياسية، أو حول الماضي الانتخابي في المغرب. وأضاف سليمي أن هناك أحزابا يعتريها الإحساس بأنها ستكون قوية من خلال النتائج المنتظرة، وأحزابا أخرى سوف تعيش الصراع من أجل البقاء، وقد تدخل في مرحلة ضعف مستدام إذا لم تحقق النتائج المرجوة من وراء هذا الاستحقاق الجديد».

وذكر سليمي أن أحزابا معينة، مثل «الاستقلال»، متزعم الائتلاف الحكومي الحالي، و«العدالة والتنمية»، المعارض ذي المرجعية الإسلامية، و«الأصالة والمعاصرة»، الحديث النشأة، والمشارك في الحكومة، تراهن على أن قوتها في الساحة السياسية ستستمدها من اقتراع 12 يونيو المقبل، معتبرة أن ذلك سوف تكون له امتدادات سياسية لمرحلة ما بعد الانتخابات. وسجل سليمي أنه لأول مرة يتم فيها من لدن المتتبعين للشأن السياسي بالبلاد الانتباه بشدة لمراقبة مدى حياد الدولة ومسافتها من بعض الأحزاب، مشيرا إلى حزب الأصالة والمعاصرة، الذي وجه اتهامات لوزارة الداخلية بمحاصرتها له، كما أن هناك انتباها قويا لمراقبة «المسافة التصارعية» بين نفس الوزارة وحزب العدالة والتنمية. وخلص سليمي إلى القول إن المشهد السياسي الحالي مفعم بتناقضاته، موضحا أن الصراع يبدو أفقيا، وليس له تأثير على تحريك الجسم الانتخابي، داعيا إلى خلق حدث لتغيير عقلية المواطن في التعامل مع الظاهرة الانتخابية.

وبخلاف جزوليت، توقع سليمي أن تكون نسبة المشاركة في الانتخابات البلدية، ما بين 44 و48 في المائة، أي أقوى من سابقتها التشريعية سنة 2007، مرجعا ذلك إلى قربها من المواطن، وحملها لعناصر جاذبية أخرى، إذا تم استغلالها جيدا، نظرا لوجود وجوه جديدة من الشباب والنساء. وبعيدا عن تحليلات المراقبين السياسيين، تحولت مقرات 30 حزبا مغربيا، كبيرها ومتوسطها وصغيرها، إلى خلايا نحل، تموج بالحركة والنشاط، لوضع آخر الترتيبات التي تسبق تقديم قوائم الترشيحات، وإن كان ذلك لا يخلو بدوره من بعض الصراعات داخل الكواليس حول تزكية أسماء على حساب أسماء أخرى. وأفاد مصدر من مديرية الانتخابات بوزارة الداخلية لـ«الشرق الأوسط»، أن تاريخ إيداع الترشيحات لدى الدوائر المعنية حدد ما بين 18 و29 مايو (أيار) الجاري، للتنافس على 27 ألفا و6 مقاعد في 1503 مجالس قروية وبلدية ومقاطعات.

ولعل أكبر تحد، يطرح نفسه على الأحزاب السياسية هو عدم قدرتها، على تغطية كل الدوائر الانتخابية البالغ عددها 24 ألف دائرة، على امتداد خريطة البلاد. بيد أن أقدم حزب في المغرب، وهو حزب الاستقلال، اعتاد دائما تغطية كل الدوائر الانتخابية، ما أهله لأن يفوز بالمرتبة الأولى في استحقاقات 2003، متبوعا بحليفه في الكتلة الديمقراطية والحكومة، حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.

وكان لافتا أن عباس الفاسي، الأمين العام لحزب «الاستقلال» ركز أخيرا خلال اجتماع المجلس الوطني للحزب، على ضرورة التعبئة الشاملة من أجل جني نتائج متقدمة تزكي وضعيته السياسية الراهنة. ومع اقتراب الاستحقاق الانتخابي، اشتعل السباق نحو الاقتراب أكثر من المواطنين، قصد استمالتهم، وكسب أصواتهم. ويبقى العائق الأكبر الذي يتهدد طموحات الأحزاب في اكتساح صناديق الاقتراع، متجسدا في الخوف من شبح ضعف المشاركة السياسية الشعبية في العملية الانتخابية، توجسا من تكرار ما حدث يوم 7 سبتمبر (أيلول) 2007، أثناء الانتخابات التشريعية، من عزوف على المشاركة السياسية.

والشيء الجديد الذي تتصف به هذه المحطة الانتخابية الجديدة هو إنشاء «دائرة انتخابية إضافية»، وذلك بهدف استقطاب العنصر النسوي، وجعله عامل رهان وجذب لمزيد من الأصوات الانتخابية، تكريسا لحضور متوازن وفاعل للمرأة المغربية في المجالس البلدية، بمعدل وطني يزيد على 12 في المائة من المقاعد، مقابل 0.56 في المائة المسجلة سنة 2003.