صحيفة صغيرة في المكسيك أجبرت الأطباء على الإعلان عن المرض القاتل

أرسلت صحافيين متخفّين للتحقيق في قضية دخول امرأة إلى المستشفى تم عزلها

TT

كان الوقت عطلة عيد الفصح عندما لاحظ مواطنو أواكساكا بعض الأحداث الغريبة في مستشفى الدكتور أوريليو فالديفيسو العام الذي تديره الدولة، إذ حظر دخول أقسام المستشفى وحضرت أعداد إضافية من رجال الأمن. وعلى الفور أرسلت صحيفة «دياروا ديسبرتر» المحلية، بعد حصولها على معلومات من مصدر داخل المستشفى، اثنين من صحافييها للتحقيق في شأن القضية متخفيَين في زي ممرضين، وعندما دخلوا إلى المستشفى وجدوا حالة من الانزعاج تسود في أرجائها. أجبرت الأسئلة التي نشرتها الصحيفة مسؤولي الصحة في أواكساكا على الخروج إلى العلن في السادس عشر من أبريل (نيسان) ـ قبل أسبوع كامل من الإعلان عن حالة الطوارئ في المكسيك نتيجة لإنفلونزا الخنازير ـ للإعلان عن وجود وباء مرضي قاتل. وقد كانت وفاة أحد مرضي أواكساكا الذين تأكد موتهم بسبب إنفلونزا الخنازير مثار فزع انتاب العالم أجمع. كيف استطاعت أواكساكا، إحدى أفقر المناطق المكسيكية وأكثرها تنوعا عرقيا، مع صحيفة عنيفة ونظام صحي يفتقر إلى المال، مواجهة الضربات الأولى لمرض أصبح فيما بعد أزمة صحية عالمية؟

كانت أديلا غوتيريز قد لجأت إلى المستشفى لطلب العلاج في وقت متأخر. بعد التشخيص الخاطئ المتكرر لحالتها الصحية لم يتمكن المستشفى الذي يعوزه الكثير من المعدات، من تشخيص حالتها التشخيص الملائم، الأمر الذي أدى إلى حيرة المسؤولين وجهل العامة بما يجري.

ما إن كشف النقاب عن الحقيقة حتى جاءت أواكساكا كمثال على أهمية دور الشبكات الصحية العامة في المناطق النائية ذات التجمعات السكانية المهاجرة المتفرقة.

وداخل مستشفى «فالديفيسو» العام تكتظ غرفة الطوارئ، وتقول الدكتورة سيرافين لوبيز كونتشا التي أمضت ساعات من مناوبتها في ليلة الخميس قبيل عطلة عيد الفصح عندما دخلت غوتيريز إلى المستشفى: «لم تكن تستطيع التنفس، وقد تحولت أصابعها التي تفتقد الأوكسجين إلى اللون الأزرق. ظلت غوتيريز مريضة طوال أسبوع»، واستمرت في عملها في التجوال على المنازل للإحصاء لمكتب الضرائب حتى عطلة عيد الفصح. وتقول لوبيز إن غوتيريز «عرضت نفسها على ثلاثة أطباء وجميعهم أكدوا لها أنها تعاني من عدوى في الحلق وأعطوها بعض الأدوية، لكن حالتها ظلت تزداد سوءا».

وقالت الطبيبة المقيمة في أواكساكا والتي كانت تشرف على حالة غوتيريز: «كانت في حالة سيئة جدا». ونظرا إلى اعتقادهم بأن غوتيريز كانت تعاني من التهاب الرئة قامت لوبيز والفريق المعاون لها بحقنها بضمادات حيوية وأمصال، لكن غوتيريز لم تتمكن من التنفس، وكان عليهم أن يوصلوا إليها أنابيب التنفس، إذ لم تكن قادرة على التنفس بمفردها. بعد ذلك بيومين، أرسلت المستشفى عينة شعبية من غوتيريز لتحليلها في معمل خارجي يقوم باختبارات للمستشفى، لأن أكبر مستشفيات أواكساكا ـ مستشفى فالديفيسو العام ـ لا يمتلك المعدات الكافية. قام خبير التحليل الكيميائي الجزئي أدريان خواريز أفيندانو باختبار العينة يوم عيد الفصح، وكانت النتائج تفيد بوجود فيروس حيواني معدي ولا يطابق أنواع الفيروسات المعروفة. وقد ثبت أن تلك النتائج غير صحيحة. وأثبتت التحاليل التي أجريت في كندا أنها مصابة بنوع نادر من إنفلونزا الخنازير. وقد أحدثت التشخيصات الخاطئة للمرض سلسلة من ردود الأفعال. قامت إدارة المستشفى بعزل غوتيريز داخل المستشفى وبدأت في تطهير وتعقيم المبنى، حتى أنها أعطت الوسائد والأغطية لعمال المستشفى المسالمين. استعد المستشفى لنقل غوتيريز إلى مستشفى متخصص، لكنها ماتت في الخامسة إلا الربع من مساء الثالث عشر من أبريل (نيسان)، قبل أربعة أيام من الاعتراف بالكارثة. في ذات اليوم دخل الدكتور روبين كرونادو غارسيا إلى غمرة الأحداث، كرئيس لوحدة الاستخبارات التابعة لحالات الأوبئة الطارئة في هيئة الصحة في أواكساكا، حيث تم تكليفه بالبحث عن الأفراد الذين تعاملت معهم غوتيريز. حشد كرونادو سبع فرق يتكون كل منها من ثلاثة محققين بدأوا في التجوال في أواكساكا، وكثفوا جهودهم في ثلاث مناطق: المستشفى، ومنزل عائلة غوتيريز، ومحل عملها. قام كرونادو بالتأكد من أن الجميع في المستشفى والذين اقتربوا من غوتيريز كانوا يرتدون كمامات واقية، وبدأوا في فحص الفريق الطبي خوفا من العدوى. خضع نحو 105 أفراد للاختبار بداية من الأفراد الذي يدفعون عربات نقل المرضى إلى فنيي الأشعة والأطباء.

كما أجريت فحوصات لأسرة غوتيريز التي تضم زوجا وثلاث بنات وأم زوجها، لكن أيا منهم لم تبد عليه أعراض المرض. قام كرونادو بفحص 106 أفراد ممن التقتهم غوتيريز في الثاني والعشرين من أبريل (نيسان)، الذين كانت غالبيتهم عبارة عن مجموعة من الفلاحين وعمال المكتب الذين التقتهم في بداية ونهاية يوم العمل. من بين الأفراد الذين تم فحصهم ثبت إصابة بعضهم بالإنفلونزا لكن أيا منهم لم يكن يحمل الفيروس القاتل أو تلك التي اكتشفت. وقال كرونادو إن فريقه لم يحاول تعقب مسيرة غوتيريز في ذلك اليوم لأن غالبية زياراتها كانت توقفية مقارنة بأفراد أسرتها والعاملين معها. ونظرا إلى أن أحدا ممن التقتهم أغلب الوقت لم تصبه العدوى فقد استنتج أن فرص العدوى بين الأشخاص الذين زارتهم لفترة قصيرة ستكون محدودة جدا. وقال كرونادو: «ظلت غوتيريز على مدار أسبوع كامل من مرضها تنام في ذات السرير مع زوجها كل ليلة وتتعامل مع أطفالها كما تفعل كل عائلة في أواكساكا، لكن أيا منهم لم تظهر عليه بوادر المرض». أقامت الوحدة التابعة لكرونادو 28 مركزا متنقلا في أنحاء أواكساكا بحثا عن أعراض الإنفلونزا، وهو أمر مبني على شبكة ريفية أقيمت منذ عامين لرعاية التجمعات السكانية المتفرقة في المناطق الفقيرة التي تشهد تجمعات سكنية كبيرة، حيث تمتد أواكساكا على مساحة 36,000 ميل مربع في جنوب المكسيك والمحاطة بالجبال والتي تؤوي أكثر من 12 مجموعة عرقية وبها أكثر من 50 لهجة محلية.

وتقول عائلة غوتيريز إنها كانت تحب زيارة المدن الريفية، واستمرت في القيام ذلك حتى قبيل وفاتها. وأشارت العائلة التي تشعر بالغصة والارتباك إلى أنها كانت بصحة جيدة حتى وقت إصابتها بالإنفلونزا. قال زوجها لويس راميرز الذي يعمل لحّاما والذي تزوجها قبل 22 عاما: «كانت اجتماعية ومسؤولة». ويشعر ألفريجو مارتينز ناشر صحيفة «ديسبرتر» (التي تعني «أفيقوا»، التي تأسست قبل عام بمبلغ 3 ملايين دولار من مجموعة من المستثمرين ويعمل بها 100 صحافي وتنتهج أسلوبا جديدا من الصحافة، والتي قامت بحملات ضد المسؤولين المقصرين وتبيض الأموال ومؤسسات الفساد)، بالزهو من نهج جريدته، وأبدى مارتينز فخره بوحدة الاستخبارات في جريدته التي تعتزم انتهاج مسار جديد في الصحافة مهما تكلف الأمر. ويقول مارتينز: «تلك هي المهمة التي يجب على الصحافة القيام بها». ويتساءل عما إذا كانت السلطات المحلية ستقوم بإعلام المواطنين بحالة الطوارئ أن لم يكن طاقم الجريدة قد دخلوا إلى المستشفى ونقبوا عن الحقيقة. وقال: «لقد جعلناهم يأتون إلينا».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»