مستشار الأمن القومي الأميركي: إنجاز الترتيبات التفصيلية وراء الكواليس الأسلوب الأمثل لخدمة الرئيس

الجنرال جونز يتجنب الأضواء على عكس أسلافه

TT

داخل فريق يعنى بالسياسة الخارجية يضم شخصيات لديها إحساس عال بالذات والأهمية، يعمد الجنرال جيمس إل. جونز، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي باراك أوباما، إلى تجنب الأضواء. ومقارنة بأسلافه المباشرين، كوندوليزا رايس وستيفين جيه. هادلي، نادرا ما يظهر الجنرال جونز بجانب الرئيس. علاوة على ذلك، لا يعمل الجنرال جونز بمثابة بوابة مرور للوصول إلى الرئيس، على خلاف الفكرة التي شاعت عن سامويل آر. بيرغر بسبب علاقة الصداقة الوثيقة التي ربطته بالرئيس بيل كلينتون.

وطبقا لتصريحاته، اعترف الجنرال جونز بأنه يفضل اتباع توجه من «أسفل إلى أعلى»، ما يختلف على نحو كبير عما جرت العادة على ممارسته داخل مكتب مستشار الأمن القومي الواقع بالجناح الغربي من البيت الأبيض. فخلال اجتماع لمجلس الأمن القومي انعقد في مارس (آذار) حول استراتيجية أوباما الجديدة حيال أفغانستان، نادرا ما يعرب الجنرال جونز، رغم جلوسه إلى جوار الرئيس، عن آرائه، طبقا لما أوضحه مسؤولون حضروا الاجتماع. وبدلا من ذلك، فإنه يفضل التعرف على وجهات نظر الآخرين. كما حرص الجنرال جونز على الابتعاد عن دائرة الضوء فيما يتصل بالتعامل مع وسائل الإعلام الصحافية. وكان أول مؤتمر صحافي داخل البيت الأبيض يتحدث إليه يوم الأربعاء. والملاحظ أن الجنرال الذي تولى قيادة فيالق المارينز لم يخلف وراءه أثرا مميزا، ما جعله عرضة لانتقادات مبكرة داخل الإدارة، منها أنه لا يحاول استغلال منصبه في التمتع بنفوذ أو تسوية النقاشات الدائرة حول السياسات. وخلال قمة الأميركتين التي عقدت مؤخرا في ترينيداد، لم يجلس الجنرال جونز على المقعد المخصص له خلف الرئيس خلال جلسة عامة كبرى. وفي مقابلة معه، أشار الجنرال جونز إلى أن الإحجام عن دائرة الضوء لا يعني بالضرورة تضاؤل التأثير والنفوذ. وقال: «يمكنك أن تكون قائدا يتولى رئاسة كل اجتماع وتتولى مسؤولية التعامل مع كل قضية وتصل بها إلى الحسم وتضطلع بدور بالغ النفوذ. وبالنسبة لي، فإن ذلك قد يكون له تأثير الأصوات الخافتة التي ينبغي الاستماع إليها». وأضاف: «لا أعتقد أنه من أجل التوافق مع وجهة نظر كل شخص إزاء الشكل المناسب للعلاقة بين مستشار الأمن القومي والرئيس فإنه يتعين علي أن أحوم حوله طيلة الوقت». الواضح، أن هذه النقطة ما تزال قيد الجدال. فعلى سبيل المثال، أعرب ديفيد روثكوبف، مؤلف كتاب «إدارة العالم: القصة الباطنة لمجلس الأمن القومي ومخططي القوة الأميركية»، عن اعتقاده بأن: «مستشار الأمن القومي ينبغي أن يوجد خلف الرئيس» بما تحمله هذه العبارة من معنيين فعليا ورمزيا. وأضاف أن الجنرال جونز «لا يجري النظر إليه باعتباره شخصا له حضور». ومع ذلك، فمن الواضح أن أسلوب الجنرال جونز يروق لأوباما، حسبما صرح مساعدون وأصدقاء مقربون من الرئيس. ومن بين الأمور التي يستحق الجنرال الإشادة عليها، عدم ظهور أدلة حتى الآن على وقوع صدامات خطيرة داخل فريق عمل يضم ليس فقط وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري رودهام كلينتون، وإنما كذلك روبرت إم. غيتس، وزير الدفاع، ونائب الرئيس، جوزيف آر. بايدن، وكلاهما خبير بمجال الأمن القومي. في هذا الصدد، أكد برنت سكوكروفت، مستشار الأمن القومي في ظل رئاسة بوش الأب، بقوله: «أتطلع إلى نتائج فريقنا المعني بسياسة الأمن القومي وأشعر بالسعادة حتى الآن». وفي لندن خلال الشهر الماضي، ترك الجنرال جونز مهمة اختيار أعضاء الوفد المرافق لأوباما في اجتماع قمة مجموعة العشرين إلى مايكل فورمان، خبير الشؤون الاقتصادية بمجلس الأمن القومي. يذكر أن الجنرال جونز حضر لقاء أوباما مع نظيره الروسي، دميتري ميدفيديف، لكنه غادر خلال مأدبة العشاء كي يتمكن من الاضطلاع بجهود الوساطة في الخلاف القائم بسبب نفور تركيا من المرشح الأوروبي لمنصب الأمين العام لحلف الناتو. بحلول وقت وصول أوباما إلى ستراسبورغ بفرنسا، بعد يومين من انعقاد قمة الناتو، كان الجنرال جونز قد حدد ملامح اتفاق أقره أوباما بعد عقده مداولات أخيرة مع الجانب التركي. وبالمثل، تخلف الجنرال جونز عن حضور اجتماع عقد في ترينيداد حول المناخ كي يجلس وزير شؤون الطاقة، ستيفين تشو، في مقعهده. وبدلا من ذلك، عقد مشاورات مع كل من وزير الدفاع ومستشار الأمن القومي البرازيليين حول كيف يمكن لأوباما والولايات المتحدة التعاون مع فنزويلا ورئيسها، هوغو شافيز. ووصف الجنرال جونز عملية «اتخاذ الترتيبات التفصيلية» خلف الكواليس باعتبارها نموذجا للأسلوب الذي يمكن من خلاله خدمة الرئيس على النحو الأمثل. وظل محافظا على رباطة جأشه حتى عندما سئل عن الانتقادات التي يتعرض لها من فريق العمل داخل الإدارة بسبب توجهه لركوب دراجة خلال راحة الغداء وتركه عمله مبكرا. إلا أنه من بين أكبر التساؤلات التي لم تتم الإجابة عليها بعد: كيف يتطور شكل العلاقة بين الجنرال جونز وأوباما. من المعروف أن الاثنين يلتقيان صباح كل يوم عندما يتسلم أوباما التقرير الرئاسي اليومي الموجز، ويتحدثان عدة مرات يوميا، حسبما أوضح مسؤولو الإدارة.

*خدمة «نيويورك تايمز»