باكستان: معارك سوات تتصاعد ومخاوف من كارثة إنسانية

شهادات الفارين من جحيم طالبان: قطع الأعناق ليس له علاقة بالإسلام.. وحبس السيدات داخل المنازل مستمر والأطفال يتحدثون عن الأسلحة

عشرات من النازحين من منطقة بونير التي تشهد قتالا داميا بين القوات الباكستانية وعناصر طالبان في طريقهم إلى منطقة سوابي حيث مدينة الخيام التابعة للمفوضية العليا للاجئين «رويترز»
TT

خيم الحاج كريم، وأسرته الكبيرة المكونة من 70 فردا على أرضية إسطبل قذرة على بعد 10 أميال خارج العاصمة الباكستانية إسلام آباد. وكان هذا هو أبعد مكان تمكنوا من الوصول إليه بعيدا عن وادي سوات، حيث بدأ آلاف الأشخاص في النزوح من المكان، نظرا للخراب الذي أحدثته طالبان، بالإضافة إلى الحرب المتوقعة والوشيكة مع القوات الحكومية. ويروي كريم، أنه عندما دخل مقاتلو طالبان للمرة الأولى إلى قريته الشهر الماضي، قالوا إنهم قدموا لإحلال السلام وفرض قانون الشريعة الإسلامية في وادي سوات. إلا أنه في اليوم التالي، سحب اثنان من المقاتلين شرطيا من شاحنته، وحاولوا قطع عنقه. على الفور اندفعت الجموع المرعوبة، وحاولت حماية الشرطي. حينها ترك المقاتلون الرجل يمضي، إلا أن هذه الحادثة أكدت أسوأ الشكوك التي كانت تعتري سكان القرية. ويسرد كريم، البالغ من العمر 55 عاما، وهو سائق حافلة، لنا: «قلنا جميعا لبعضنا بعضا، ما هو نوع هؤلاء الذين حلوا هنا؟ وعن أي شريعة يتحدثون؟ إن قطع الأعناق ليس له علاقة بالإسلام. وامتلأت نفوس الناس بالغضب والخوف العارمين». وقالت السلطات في إقليم الحدود الشمالية الغربية، إنه مع احتدام القتال، فإنهم يتوقعون نزوح نصف مليون شخص من منطقة سوات، التي كانت في يوم من الأيام ريفية، وهي منطقة قريبة من الحدود الأفغانية، وهي المنطقة التي يحتل المسلحون المدججون بالسلاح أغلبها في الوقت الحالي. وأعلن المسؤولون يوم الثلاثاء، أنهم يخططون لفتح 6 معسكرات للاجئين في مقاطعات سوابي ومردان الأكثر أمنا، ولكن حتى حدوث ذلك، سيتكبد الكثير من الأفراد ممن فروا تاركين منازلهم عناء البحث عن مأوى لهم. وفي الوقت الذي بدأ فيه اللاجئون في التدفق من سوات، ومنطقة بونير المجاورة لها شمال غرب باكستان، رحلوا وهم يحملون معهم ذكريات الإهانات والرعب، الذي حل بهم على يد قوات طالبان المحتلة، التي تمثلت في حبس السيدات داخل المنازل، وإطلاق النيران على الحمير، في خضم محاولتهم لإجبار القاطنين على قبول التأويل الراديكالي للإسلام.

وقال اللاجئون: إن الحكومة لم تقدم يد العون أو المساعدة، وذلك على أساس جهودها والمتأرجحة بين استرضاء المسلحين تارة، ومحاربتهم تارة أخرى. ومضى البعض إلى القول بأنهم يشعرون أنهم مشوشون وواقعون في شرك، وغير مطمأنين إلى ما إذا كانوا يثقون في اتفاقية السلام التي صاغتها الحكومة وقادة طالبان الشهر الماضي، أم يفرون توقعا منهم باحتدام القتال الذي نشب بعد انهيار اتفاقية السلام. وكان شير محمد، تاجر عقارات من مينغورا، وهي المدينة الرئيسة في سوات، أحد أوائل الأفراد الذين وصلوا إلى معسكر اللاجئين بمقاطعة مردان مع زوجته وأولاده مساء الثلاثاء. وقال ساخطا وهو يركل الأرض خارج خيمتهم، إنه قد ضاق ذرعا بعد احتمال عامين من القتال وانتهاكات طالبان. وأردف قائلا: «أشعر وكأنني فقدت عقلي، إنني أعمل جاهدا للعيش في حياة كريمة، وتعليم أطفالي. والآن، نعيش في معسكر، ويتحدث أطفالي عن الأسلحة».

وأوضح محمد، أنه لا يفهم لماذا لم يستطع جيش البلاد القوي هزيمة المسلحين قبل السيطرة على الوادي. وحتى الآن، وبعد مرور أسبوع من القتال المتقطع، لم يعلن الجيش الهجوم على المسلحين الذين احتلوا أغلب سوات وبونير. ومن المعروف أن طالبان دائما ما كانت ترفض مقترحات الحكومة بشأن إنقاذ اتفاقية السلام، التي وافق المسلحون بمقتضاها على نزع سلاحهم، حال أن تصبح المحاكم الإسلامية هي النظام الوحيد للعدالة في سوات. ومن جانبهم، أعلن مسؤولو الجيش مقتل 35 مسلحا، وثلاثة جنود يوم الأربعاء في سوات، أثناء عمليات قتال متقطعة، ومنها العديد من حوادث إطلاق النيران بالقرب من مناجم الزمرد، التي تستخدمها قوات طالبان ملاذا لها. وأفادوا أيضا أن المسلحين سطوا على ثلاثة بنوك، واحتلوا مباني الإدارات المدنية والشرطية في مينغورا. وأورد الجيش بعد ذلك مقتل 50 مسلحا آخرين في بونير. وأفاد مكتب المساعدة الإنسانية التابع للأمم المتحدة في إسلام آباد أنه سجل بالفعل أكثر من 2200 أسرة في المعسكرات الجديدة، «وأن الكثير منهم قدموا بالملابس التي يرتدونها». وأوضح المكتب في بيان له أنه سوف يزيد أيضا من المساعدة، لمساعدة 6000 أسرة أخرى في المعسكرات الموجودة للاجئين الأفغان. وأوضحت هيئة إغاثة خاصة في سوات، أنها أعادت تسكين مئات الأسر بمناطق متفرقة بمدن مثل إسلام آباد، وروالبندي، بيد أنه لم تقدم الحكومة المحلية أو أي مؤسسة دولية أي مساعدة. واستطرد مسؤولوها بأنهم يخشون من أن يقدم محاربو طالبان على تجنيد الأفراد المشردين المعاد تسكينهم في المعسكرات الكبرى. وقال محمد راية الله، مسؤول بوكالة إغاثة: «الناس في سوات غاضبون ومشوشون، وذلك من جراء تقرب الحكومة من طالبان ومحاربتهم في الوقت ذاته. هناك أعداد ضخمة من السكان، الذين لا مكان لهم بصدد الرحيل، ونحن نحاول أن نوفر لهم المأوى والدعم اللائق، إلا أننا بحاجة إلى المزيد من المساعدة حتى لا يسقطون بين يدي طالبان». يذكر أن باكستان آوت ملايين اللاجئين من صراعات في أفغانستان خلال العقدين المنصرمين، وذلك في شبكات من المعسكرات في الشمال الغربي وفي إقليم بلوشستان الجنوبي الغربي. وترددت اتهامات متكررة بأن الجماعات المسلحة تسللت إلى هذه المعسكرات لاستغلالها كملاذات آمنة لهم، وبؤر للتجنيد. ويقول المحللون العسكريون: إنهم يشتبهون في أن زعامة طالبان الأفغانية استغلت معسكرات اللاجئين في بلوشستان لهذه الأغراض. ومنذ أن شرع المسلحون في شن الهجمات واحتلال المناطق والأراضي داخل باكستان قبل سنوات عدة، شردت عمليات القتال آلاف القاطنين بهذه المناطق، واتجهوا إلى سكنى المعسكرات المحيطة ببيشاور. وفي السياق نفسه في بونير، انخرطت القوات المسلحة في قتال محاربي طالبان على مدار الأسبوع الماضي، وقال الجيش يوم الأربعاء، إن العملية تسير بسلاسة. إلا أن الكثير ممن فروا من بونير قاصدين العاصمة الإقليمية بيشاور، أو ممن تم الوصول إليهم عبر الهواتف الجوالة أوضحوا أن الوضع سيء منذر بكارثة، وأن قوات طالبان ما زالت تحتل الكثير من المنازل. وقالوا إن سكان بونير على وجه الخصوص هم الأكثر عرضة لهجمات طالبان لأسباب عدة، منها: أن المقاطعة مشهورة بأضرحتها الصوفية، والتي يمارس بها السكان بعض الطقوس الدينية الروحية، التي تعتبر محرمة لدى أصوليي طالبان من السنة. علاوة على هذا، فقد أقدم سكانها على تكوين مليشيات في العام الماضي تهدف إلى مقاومة طالبان، كما دفعت إحدى القرى ثمنا غاليا لتحديها طالبان عندما تم تفجير مراكزها الانتخابية في ديسمبر (كانون الأول)، وأسفر الحادث عن مقتل 42 شخصا. ويقول سمير خان، مدير جمعية خيرية تعليمية في بونير، الذي فر من بيشاور الأسبوع الماضي بعد احتلال قوات طالبان لمكتبه: «عندما دخل المسلحون منطقتنا، عقد الناس اجتماعا قبليا للتباحث بشأن ما يمكن أن يفعلوه. واتفقوا على أنهم لن يقبلوهم، وأنهم سيقاتلونهم حتى الموت. إنهم ليسوا بمسلمين، إنهم مجرمون، يشوهون سمعة ديننا، كما أن شعب بونير ليسوا أصدقاءهم». وقال أفصار خان، عمدة مدينة في بونير، الذي فر من بيشاور مؤخرا، إن المسلحين أضرموا النيران في الكثير من المنازل والحقول بالمنطقة، وأنه في العام الماضي انضم إلى جماعة مسلحة حاولت إخراجهم من المنطقة. ويتذكر خان: «كان لدينا 100 رجل فقط، وكان المسلحون يأتون إلينا من الجبال، وأطلقوا علينا النيران من الخامسة مساء حتى منتصف الليل، وبدأت ذخيرتنا في النفاد. حينها طلبنا العون، وظل المسؤولون يخبروننا أن المروحيات في طريقها إلينا، إلا أنها لم تأت. وفي النهاية، طلبنا من جميع المزارعين الفرار، لأننا لم يعد بوسعنا حمايتهم، واضطررنا إلى الاستسلام».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بالـ«الشرق الأوسط»