كمين من الحلفاء يهز ثقة عسكريين أميركيين في التعاون مع وحدات عراقية

مقتل جنود أميركيين على أيدي زملاء عراقيين يثير تساؤلات حول مستقبل التعاون بينهما

TT

عندما اندلعت الأعيرة النارية، هرع الكابتن سيان كيه. كينيلي نحو السيرجنت أنتوني ديفيز، الذي كان مستلقيا على ظهره، وجره إلى مبنى قريب. لكن جاء ذلك بعد فوات الأوان، حيث كان سيرجنت ديفيز، عضو فريق صغير من المستشارين العسكريين الأميركيين الذين تم إلحاقهم بكتيبة تتبع الجيش العراقي في مدينة نائية عراقية، قد لقي مصرعه بالفعل. وبعد دقائق، علم كينيلي أن أحد جنود الكتيبة، التي عاش معها المستشارون وعملوا مع أفرادها على مدار أشهر، هو القاتل. وأثارت هذه الحادثة شعورا بالصدمة، وكذلك الحقيقة الجديدة التي كشفت عنها، حيث أوضح كابتن كينيلي أن: «القوة التي توفر لنا الأمن تعد واحدة من التهديدات الرئيسة». ولا يعد مقتل سيرجنت ديفيز وكابتن قوات المارينز وارين إيه. فرانك، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي الحالتين الوحيدتين اللتين شهدتها مهاجمة عراقيين عسكريين لجنود أميركيين، حيث أشار المسؤولون العسكريون إلى وقوع سبع حالات قتل بالأسلوب ذاته في شمال العراق خلال الأشهر الستة الماضية، بينهم جنديان قتلا يوم السبت الماضي جنوب الموصل. لكن الحالة الأخيرة تركت صدى خاصا، نظرا لأن سيرجنت ديفيز وفريقه شكلوا لب تحول المهمة العسكرية الأميركية في العراق، فمع رحيل غالبية الجنود بحلول أغسطس (آب) 2010، ستتمثل المهمة الرئيسة للجنود المتبقين في العمل كمستشارين للقوات العراقية، وسيزداد الاعتماد على الثقة في الجانب العراقي فيما يخص أمن القوات الأميركية المتبقية. في هذا السياق، أشار جون إيه. ناغل، لفتنانت كولونيل أميركي متقاعد تولى تدريب مثل هذه الفرق ويرأس الآن «مركز الأمن الأميركي الجديد» إلى أن: «الفرق الاستشارية الأميركية ستنتشر على نطاق أوسع وبكثافة أقل عبر أرجاء العراق، وبالتالي ستصبح هذه الفرق عرضة لمخاطر أكبر». وتعد الفرق العسكرية الانتقالية، التي أدمجت في القوات العراقية منذ عام 2004، مجرد نمط واحد من الوحدات الاستشارية الصغيرة التي باتت تشكل عنصرا مهما في استراتيجية مكافحة التمرد في العراق وأفغانستان. ويوجد حاليا في العراق 182 من مثل هذه الفرق، ويتجاوز عدد أفرادها ما يزيد قليلا على ألفي عنصر يتولون توجيه ودعم القوات العراقية، مثل قوات الشرطة وحرس الحدود. من ناحيته، قال بريغادير جنرال كيث سي. والكر، قائد «مجموعة المساعدة العراقية»، التي تتولى الإشراف على الفرق الانتقالية، إن تحول القوات الأميركية إلى المهمة الاستشارية يعني إدخال تغييرات على أسلوب عمل هذه الفرق، وأنه سيجري دمجها بدرجة أكبر في باقي الوجود العسكري. إلا أنه اعترف أنه ليس هناك كثير مما يمكن عمله للحيلولة دون وقوع مثل هذه الهجمات. وأضاف: «هناك دوما عناصر متطرفة أو مارقة، والمخاطرة دوما قائمة. لكن في الوقت الذي تبني الفرق الانتقالية علاقات مع أقرانها من العراقيين، أعتقد أن المخاطر والشكوك ستنحسر. لكن ذلك لا يعني أنها ستتلاشى تماما». من ناحيته، اتفق الفريق العامل مع الكتيبة الثانية من اللواء الـ11 من الفرقة الثالثة بالجيش العراقي، وهو الفريق الخاص بسيرجنت ديفيز، مع وجهة نظر بريغادير جنرال والكر. يذكر أن غالبية الضباط البالغ عددهم 11 ضابطا عاشوا على مدار أربعة أيام أسبوعيا داخل قاعدة تتبع الجيش العراقي، وبنوا صلات وثيقة مع الضباط العراقيين. وفي هذا السياق، لفت كابتن ديريك دالي، الذي عمل ضابط استخبارات بالفريق، إلى أن «الفكرة التي توصلنا إليها أن المتمردين يلقون أسلحتهم وينضمون لقوات الأمن العراقية كي يجنوا مزيدا من المال». وفي صباح 25 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قام الفريق الاستشاري، بجانب العديد من جنود المارينز الزائرين، وبعض الجنود العراقيين وضباط الشرطة ومجموعة من كبار القيادات البارزة بالقرى القريبة، بالتجمع في فناء محاط بجدار لتوزيع أرز ودقيق على أبناء المدينة. وقبيل فتح البوابات، دوت أصوات أعيرة نارية، وتعرض سيرجنت ديفيز وكابتن فرانك للنصيب الأكبر من الهجوم. وخلال الهجوم، أصيب اثنان من ضباط المارينز. وبعد إطلاقه الأعيرة النارية التي بحوزته، هرع محمد صالح حمادي، أحد الجنود، خارجا من الفناء باتجاه مركبة عراقية طراز «همفي»، والتي تولى جندي عراقي آخر قيادتها باتجاه منزل خارج المدينة. وفي وقت لاحق من الليلة ذاتها، تم تسليم حمادي على يد اثنين من أبناء قبيلته إلى الحرس على الحدود السورية. ولم يتضح بعد ما إذا كان حمادي، الذي تعرض لمشكلات داخل قريته بسبب علاقته بإحدى السيدات والتي أسفرت عن حملها، كان متعاطفا مع أهداف حركة التمرد، أم أنه كان يرغب في الحصول على مال من وراء الهجوم فحسب؟. ولكن الأمر المؤكد أن الأضرار التي تسبب فيها بهجومه كانت فادحة. في غضون يومين من الحادث، وصل 20 من قوات المارينز لتوفير الأمن واتخذوا مواقع بأسلحة رشاشة بالقرب من مدخل المقر الرئيس للفريق. وتم زرع أسلاك شائكة حول المبنى، وبناء أكوام من أكياس الرمل. كما أغلقت الأبواب والنوافذ القائمة بين المبنى الخاص بالفريق والمبنى الذي يضم العراقيين. وأجرى الضباط العراقيون، الذين أعربوا عن شعورهم بالخزي جراء هذا الهجوم، تحقيقا، وغالبا ما تعرضوا أنفسهم للتفتيش لدى زيارتهم الأميركيين. من جهته، وصف الرقيب أول خلف علي سيرجنت ديفيز بأنه أحد أفضل أصدقائه، وقال إن علاقاته الشخصية بالأميركيين لم تتغير، الأمر الذي أكده ضباط عراقيون آخرون. لكنه استطرد موضحا أنه بوجه عام: «لم تعد الثقة على المستوى الذي كانت عليه من قبل». وتضاءلت مرات خروج أعضاء الفريق في دوريات مع العراقيين. وعندما كان يحدث ذلك، كانت قوات المارينز ترافقهم لتوفير الحماية لهم. في هذا السياق، أوضح الميجور رايموند ماتوكس، رئيس الفريق الاستشاري أنه: «لا نزال على علم بوجود أشخاص طيبين في هذه الوحدة، من أدنى المستويات إلى أعلاها، ونرغب في العمل معهم. لكن من الواضح أن هذا الأمر أصبح أكثر صعوبة». وعلى مدار أشهر، كان يجري النظر في قضية حمادي داخل النظام القضائي العراقي بوتيرة أصابت أعضاء الفريق بخيبة أمل. وأدين جنديان آخران من الكتيبة بمساعدة حمادي على الفرار. وقال كابتن كينيلي: «أؤكد لكم وجود حفنة من مثل هؤلاء الأشخاص داخل كل كتيبة»، مستطردا أنه حال عدم تطبيق العدالة سريعا على حمادي، فإن آخرين قد يحذون حذوه.

* خدمة « نيويورك تايمز»