أحمدي نجاد ورضائي يسجلان اسميهما للانتخابات.. واختفاء 1.1 مليار دولار تعكر حملة الرئيس

مصدر إيراني لـ«الشرق الأوسط»: الحرس الثوري حتى الآن لن يصوت ككتلة واحدة في الإنتخابات

رضائي يحمل بطاقة تسجيله في طهران أمس (أ.ب)
TT

بأسلوبين مختلفين، سجل كل من الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد والرئيس السابق للحرس الثوري محسن رضائي اسميهما للانتخابات الرئاسية الإيرانية في 12 يونيو (حزيران) المقبل. وفيما سجل رضائي نفسه وسط زوجته ومستشاريه وأنصاره ووسائل الإعلام التي علمت قبل يومين أنه سيتسجل أمس، سجل أحمدي نجاد نفسه في أجواء هادئة ، حتى إن نجاد لم يعلن بنفسه تسجيله للانتخابات، بل جاء الإعلام عبر وكالة أنباء فارس شبه الرسمية التي قالت أمس إن الرئيس الإيراني سجل نفسه أمس كمرشح في الانتخابات الرئاسية. وجاء ترشيح أحمدي نجاد لنفسه وسط انتقادات غير مسبوقة له من تيار المحافظين، ومن بينهم رضائي، الذي قال إنه يريد أن يعيد للإيرانيين 1.1 مليار دولار اختفت من عوائد النفط الإيراني عام 2007، مشيرا بشكل ضمني إلى اتهامات عديدة لحكومة أحمدي نجاد بإخفاء مبالغ طائلة من عوائد النفط وعوائد أخرى لاستخدامها في أنشطة أخرى غير معلن عنها. وفيما قالت وكالة الأنباء الطلابية الإيرانية أمس، إن «محمود أحمدي نجاد وصل إلى وزارة الداخلية وتقدم رسميا بترشحه للانتخابات الرئاسية»، أوضح ثمرة مجتبي مسؤول الحملة الانتخابية للرئيس الإيراني أن أحمدي نجاد سيخوض الانتخابات بشعار العدالة في توزيع ثروات الإيرانيين، وهو نفس الشعار الذي استخدمه في انتخابات 2005، موضحا: «لماذا يغير الرئيس شعاره إذا كانت الناس انتخبته في الدورة الأولى بناء على شعار العدالة». وحول برنامج أحمدي نجاد، قال مجتبي إن نجاد سيلتزم بموقفه من رفض وقف البرنامج النووي الإيراني أو تجميد تخصيب اليورانيوم، مشيرا إلى أنه سيعمل أيضا على مواصلة برنامجه لإحياء مبادئ الثورة الإيرانية، وتحسين الاقتصاد.

وعلى الرغم من أن شعاراته الاقتصادية كانت نقطة قوته في انتخابات 2005، فإن الاقتصاد حاليا هو نقطة ضعف أحمدي نجاد الأساسية، مع بلوغ البطالة 12.5% والتضخم 18%، وتقنين استخدام الكهرباء والبنزين، مما أدي إلى استياء بالغ في الشارع الإيراني الذي يتهم كثيرون منه الآن الرئيس بعدم المعرفة الاقتصادية. وكان الرئيس الإيراني عندما سئل مرة عن عدم اتساق سياسته الاقتصادية وتضارب قراراته، رد قائلا: «أصلى لله أن لا أفهم أبدا في الاقتصاد». ويبدو أن عدم الفهم هذا قد يكلفه الرئاسة.

فعندما تولى أحمدي نجاد السلطة عام 2005 كانت أسعار النفط بين 50 دولارا و60 دولارا للبرميل، بعد ذلك بعام بدأت أسعار النفط ترتفع حتى وصلت إلى 150 و160 دولارا للبرميل الواحد. خلال هذه الفترة وجد أحمدي نجاد فائضا هائلا لم يكن يتوقعه، فاستخدم هذا الفائض في أجندة شعبوية، بدءا من قروض بفوائد منخفضة جدا تخالف شروط البنوك الإيرانية، وانتهاء بمصروفات جانبية بعضها لا يعلم البرلمان عنها الكثير. وعادت هذه السياسة لتلاحق الرئيس الإيراني بعد ذلك عندما انخفضت أسعار البترول بشكل قياسي. فبالإضافة إلى معدلات البطالة والتضخم، أوضح آخر تقرير صدر عن البنك المركزي الإيراني تباطؤ الأنشطة الاقتصادية الإيرانية، والاستثمارات الصناعية والاحتياطي الأجنبي من العملات الصعبة. وزاد من مصاعب أحمدي نجاد أن كبار المسؤولين الاقتصاديين في إدارته إما استقالوا أو أقيلوا، وهم اليوم يوجهون له انتقادات لاذعة، وبين بينهم تهمسب مسهيري ثاني رئيس للبنك المركزي في حكومة نجاد، والذي قال إن سياسة القروض منخفضة الفوائد هي التي قادت إيران إلى أزمة التضخم الكبيرة التي تشهدها اليوم. ومما يزيد متاعب أحمدي نجاد أن وزير الاقتصاد البارز في إدارته داود دانيش جعفري، الذي استقال بسبب خلافاته المتزايدة مع الرئيس الإيراني، يعمل الآن مستشارا اقتصاديا في حملة الرئيس السابق للحرس الثوري محسن رضائي، الذي قدم ترشيحه رسميا للانتخابات أمس، وسط تباين حول فرص فوزه في الانتخابات، ومقدار الدعم الذي يحظى به من قبل مؤسسة الحرس الثوري.

وعرف رضائي بانتقاداته لسياسة أحمدي نجاد، وقد وعد بمكافحة الفقر وغلاء الأسعار والبطالة، والتي تعتبر أبرز المشكلات الاجتماعية التي يعاني منها الإيرانيون. وقال رضائي، الذي يشغل أيضا منصب سكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام أمس، إن اقتصاد إيران، خامس أكبر دول العالم تصديرا للنفط، يحتاج إلى «تغيير جذري»، داعيا إلى توسيع قاعدة المنتجات التي تصدرها إيران، مشيرا إلى أن 80% من الصادرات الإيرانية للخارج هي في الواقع نفط، وأنه لا بد من تنويع مصادر الدخل الإيراني. وكان رضائي قد اتهم نجاد قبل أيام بدفع إيران إلى حافة «الهاوية» بسبب سياساته. ورضائي الذي قاد الحرس الثوري طيلة 16 عاما حتى عام 1997، كان أول محافظ يترشح للانتخابات، تلاه الرئيس الإيراني. كما يعتبر أول من يسجل ترشيحه من بين أربعة مرشحين رئيسيين محتملين. وأعلن رئيس البرلمان السابق الإصلاحي مهدي كروبي، ورئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي وهو أيضا إصلاحي، عن عزمهما الترشح للرئاسة. وتساءل رضائي حول اختفاء 1.1 مليار دولار من عوائد النفط الإيرانية عام 2007، واعدا الإيرانيين بأن يعيدها إليهم، محملا الحكومة الحالية مسؤولية اختفاء هذه الأموال. قائلا: «سأجد الأموال المفقودة وأعيدها إلى الشعب الإيراني.. أنا لا أريد الانتقام، لكنني لن أغمض عيني لما يحدث للأموال العامة». وكان البرلمان الإيراني الذي يسيطر عليه المحافظون البراغماتيون قد اكتشف في فبراير (شباط) الماضي أن هناك نحو 1.1 مليار دولار من عوائد النفط الإيرانية عام 2007 (عندما كان سعر البرميل بين 130 و140 دولارا) لم تعدها الحكومة الإيرانية إلى الخزانة العامة. إلا أن الرئيس الإيراني قلل من تقرير البرلمان، قائلا إنه محاولة تهدف إضعاف حكومته، إلا أن البرلمان رد بنفي اتهامات أحمدي نجاد. وكان رضائي (54 عاما) قد رشح نفسه للانتخابات الرئاسية عام 2005 إلا أنه انسحب قبل يومين من موعد الاقتراع من أجل عدم تشتيت أصوات المحافظين، وهو ما صب في صالح أحمدي نجاد في نهاية المطاف. ولد رضائي في محافظة خوزستان الغنية بالنفط، وكان عضوا في ميليشيا مسلحة تعارض الشاه الذي كان مدعوما من الولايات المتحدة قبل الثورة الإيرانية عام 1979. وعينه قائد الثورة الإيرانية آية الله الخميني قائدا للحرس الثوري في عام 1981 ولم يتعد عمره في ذلك الوقت 27 عاما، وقاد تلك القوات خلال الحرب الدامية التي استمرت ثمان سنوات مع العراق. ومنذ عام 1997 يشغل رضائي المحافظ الحائز على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد، منصب سكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام. ورضائي هو من بين خمسة من كبار المسؤولين المطلوبين في الأرجنتين بسبب اتهامات بشأن دوره في تفجير عام 1994 استهدف منظمة يهودية وقتل فيه 85 شخصا. ولم تعلن أية شخصية دينية أو جماعة سياسية بعد دعمها لرضائي الذي يقول إنه يرشح نفسه كمستقل. وعلى الرغم من نفوذ رضائي في أوساط قادة الحرس الثوري وعلاقته الشخصية مع خامنئي، فإن هناك شكوكا في أنه يستطيع تكتيل الأصوات اللازمة كي ينافس موسوي أو نجاد، ما لم يتجه الحرس الثوري بناء على أوامر من المرشد الأعلى إلى التصويت له ككتلة واحدة. وقال مصدر إيراني مطلع لـ«الشرق الأوسط» في هذا الصدد: «الحرس حتى الآن لا يتجه للتصويت ككتلة واحدة. القيادات داخل الحرس الثوري تميل إلى رضائي بسبب سجله ودوره، إلا أن هناك أيضا من قلب الحرس من يدعمون أحمدي نجاد». ومن الصعب الجزم في هذه المرحلة من التحضير للانتخابات بالأقرب للفوز، خاصة في ضوء تجربة انتخابات 2005، إذ لم يتوقع أحد أن يفوز أحمدي نجاد على رافسنجاني في الدورة الثانية من التصويت، ويبقى الأسبوعان المقبلان حاسمان في تحديد مسار التصويت والمرشح المفضل للمرشد الأعلى. وقال مصدر إيراني مطلع لـ«الشرق الأوسط» في هذا الصدد: «5 أسابيع فترة كافية لتغيير النتيجة في أى اتجاه. أحمدي نجاد لن يذهب بسهولة. ما زال هناك من سيصوت له وسط الإيرانيين على الرغم من الانتقادات العامة له من الإيرانيين واستياء الناس من حكومته. الذي سيحدد ما إذا كانت إيران ستشهد رئيسا جديدا أم لا هو ارتياح القائد لاختيار مير حسين موسوي أو رضائي في هذا المنصب. هو يعرف الرجلين جيدا جدا، المهم من يستريح له أكثر كرئيس يتعامل معه يوميا». من ناحيته، قال موسوي إن الشعب الإيراني يدفع الثمن غاليا بسبب تصريحات الرئيس الإيراني التي تصدرت عناوين الصحف التي انتقد فيها من سماهم أعداء الدولة الإسلامية. ونقلت وكالة أنباء العمال الإيرانية (إيلنا) أمس، عن مير حسين موسوي في كلمة ألقاها بمدينة كرمان جنوب شرقي البلاد: «ينبغي ألا أن يدفع الشعب ثمنا غاليا للغاية بسبب مجرد شعارات لا طائل منها». ويؤيد موسوي (68 عاما) التيار المعارض في البلاد بإلقاء اللوم على أحمدي نجاد لدفعه بإيران تجاه العزلة الدولية من خلال تبنيه سياسات متصلبة في الخلاف القائم بشأن البرنامج النووي الإيراني المثير للجدل، وتصريحاته المناوئة لإسرائيل، وتشكيكه في البعد التاريخي للمحرقة النازية ضد اليهود (هولوكوست) إبان الحرب العالمية الثانية. وأضاف: «أعتقد أن بإمكاننا الحفاظ على مبادئنا، ولكن مع قيادة سياسة قائمة على إحداث انفراجة في العلاقات في الوقت نفسه.. ليس هناك ما يدعو على الإطلاق إلى تحويل دول العالم كافة إلى أعداء».

وانتقد موسوي أيضا إعلان أحمدي نجاد أن لديه حلولا للمشكلات العالمية وقال: «يجب أن تحل الحكومة أولا المشكلات في الداخل قبل الانتقال إلى المشكلات العالمية وإظهار نفسها مديرا للعالم». ونقلت وكالة أنباء «فارس» الإيرانية أمس، عن مدير الحملة الانتخابية للرئيس الإيراني القول إن أحمدي نجاد مستعد لإجراء مناظرة مع موسوي ومرشحي الرئاسة الآخرين من أجل الرد على الانتقادات الموجهة إلى سياساته. ويتوقع أن يتقدم رئيس الوزراء السابق المحافظ المعتدل مير حسين موسوي بترشحه اليوم.

وسجل أكثر من 170 شخصا أسماءهم كمرشحين للرئاسة منذ بدء مهلة تقديم الترشيحات في 5 مايو (أيار) والتي تنتهي اليوم. وبعد انتهاء مهلة تسجيل الترشيحات ستحال لائحة المرشحين إلى مجلس صيانة الدستور لدرسها. ومن بين المرشحين حتى الآن 11 امرأة، وعلى الرغم من أن الدستور ينص على أن المرشح يجب أن يكون «رجلا». كما أن من بين المرشحين طفل في الثانية عشرة من عمره. ومجلس صيانة الدستور الذي يهيمن عليه المحافظون، سيعلن اللائحة النهائية للمرشحين المؤهلين خوض الانتخابات في 20 و21 مايو (أيار) على أن تبدأ الحملة الانتخابية في 22 مايو (أيار). وبحسب أرقام وزارة الداخلية، يمكن لنحو 46.2 مليون إيراني التصويت، من أصل عدد سكان إجمالي قدره 70 مليون نسمة. ووصلت نسبة المشاركة الرسمية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في يونيو (حزيران) 2005 التي فاز فيها أحمدي نجاد إلى 62.8 % في الدورة الأولى و59.7% في الدورة الثانية.