اعتقال 5 أشخاص جدد بالتجسس لحساب إسرائيل.. ومعلومات تشير إلى تكليفهم بمسح مواقع حزب الله

إسرائيل تلتزم الصمت.. والتحقيقات مع 17 معتقلا منذ بداية العام قادت للاعتقالات الجديدة

TT

ألقت القوى الأمنية اللبنانية القبض أمس على خمسة أشخاص مشتبه بهم بالتجسس لحساب مع إسرائيل في جنوب لبنان، ضمن حملة التوقيفات التي تشنها القوى الأمنية منذ بداية العام الحالي. وبذلك يكون عدد الموقوفين منذ بداية العام بالتجسس لإسرائيل قد بلغ 17 شخصا منذ بداية 2009، وصدرت مذكرات توقيف في حق عدد منهم «بجرم التعامل مع العدو ودخول بلاده». وفي حال ثبوت الاتهامات، فهم معرضون لأحكام قد تصل إلى الإعدام بجريمة «الخيانة العظمى».

وقال مصدر أمني لبناني لـ«الشرق الأوسط» إن الشبكة الجديدة مؤلفة من كل من اللبنانيين «ح.ع» و«ش.ع» اللذين وُقفا في مدينة بنت جبيل الجنوبية ومن الأخوين «م.ش» و«ح.ش» اللذين وُقفا في منزلهما في بلدة الغازية الواقعة جنوبي صيدا. كما اقتيدت للتحقيق زوجة «ح.ش» وتدعى «ف.ق» للاشتباه بأن لديها علما مسبقا بنشاطات زوجها وشقيقه. وقد ضبط لدى الأخيرين جهاز كومبيوتر مع عدد من الأقراص المدمجة المليئة بالمعلومات، والتي بدأت قوى الأمن بتحليلها. ولفت المصدر الأمني إلى أن الأخوين «ش» كانا يستغلان عملهما في توزيع السكاكر ما يمكنهما من التجوال بحرية في المنطقة واستطلاع المواقع وحتى بعض المباني ذات الخصوصية الأمنية.

وأكد أن «ثمة معرفة بين أفراد هذه المجموعة وبعض الموقوفين في الشبكة التي يديرها العميد المتقاعد في الأمن العام أديب العلم (الذي وُقف سابقا)، لكن التحقيق سيكشف ما إذا كان هؤلاء يعملون بشكل منفصل أم ضمن خطة واحدة ومتكاملة، رغم توفر معلومات عن تنسيق بينهم وبين زوجة العلم حياة الصالومي التي وُقفت مع زوجها قبل نحو شهر بتهمة التعامل مع إسرائيل». وأشار إلى أن «التحقيقات الأولية بدأت على الفور مع الموقوفين المذكورين لمعرفة ماهية نشاطهم التجسسي، وما إذا كانت المهمات الموكلة إليهم استطلاعية تجسسية أم أن لهما دورا ما في أعمال أمنية»، كاشفا أن المعلومات الأولية تظهر أنهم كانوا مكلفين بإجراء مسح للمواقع العسكرية التابعة لأحزاب وتنظيمات لبنانية وفلسطينية في منطقة شمال نهر الليطاني، بما فيها مراكز لـ«حزب الله».

وكان فرع المعلومات قد وقف منذ 11 أبريل (نيسان) الماضي 13 شخصا يؤلفون شبكات تجسس تعمل بأمر من الاستخبارات الإسرائيلية، وتزوّدها تقارير عن مراكز للجيش اللبناني والمقاومة والمعسكرات الفلسطينية، بواسطة أجهزة اتصال متطور تعمل بتقنية عالية. وقد ضبطت مثل هذه الأجهزة في مكتب أديب العلم في منطقة الدكوانة شرق بيروت. وقد وُقف مع زوجته حياة الصالومي ثم وُقف ابن شقيقه المؤهل في جهاز الأمن العام جوزيف العلم. وبعد عشرة أيام وقفت شعبة المعلومات ثلاثة أشخاص مرتبطين بالعميد علم وهم اللبنانيان علي منتش وروبير كفوري في مدينة صيدا، والفلسطيني محمد العوض وهو قريب أمير تنظيم «فتح الإسلام» في لبنان عبد الرحمن محمد عوض (خليفة شاكر العبسي) المطلوب للسلطات اللبنانية بعد التثبت من أنه كان المخطط للتفجيرات التي استهدفت الجيش اللبناني في شمال لبنان وأسفرت عن سقوط العشرات من جنوده بين قتيل وجريح.

وبناء على المعلومات التي أدلى بها هؤلاء، تمكنت شعبة المعلومات من ضبط ثلاثة آخرين في الجنوب قبل الإعلان عن الشبكة الرباعية التي اعتُقل أفرادها أمس.

وقال مصدر أمني لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «الموقوفين زاروا إسرائيل عبر دول أوروبية في معظم الأحيان»، وإنهم «تلقوا فيها تدريبات على استخدام أجهزة إرسال شديدة التطور تعمل بواسطة الأقمار الاصطناعية». وأشار إلى أن إدخال الأجهزة عبر الحدود لم يكن صعبا نتيجة «تمويهها في أغراض أخرى». والجهاز الذي كان يستخدمه أديب العلم عبارة عن ثلاجة صغيرة شبيهة بالثلاجات الموجودة في غرف الفنادق، والجهاز الخاص بعلي منتش عبارة عن وصلة تُستخدم في جهاز الكومبيوتر «ولا تثير أي شكوك». وقال إن الدافع الوحيد الذي يحرك العملاء هو «الإفادة المالية».

وكانت مديرية المخابرات في الجيش اللبناني نجحت في توقيف مجموعة قوامها أربعة أشخاص الأسبوع الماضي ما بين مدينة النبطية في الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية، وتبين أن أفرادها كانوا يتحرون ويرصدون المباني والمواقع التي يظنون أن حزب الله يستخدمها، وينقلون نتائج تحرياتهم إلى إسرائيل. وسبق وقف جهاز أمن حزب الله الأخوين يوسف وعلي الجراح اللذين يشكلان شبكة تجسس قديمة لإسرائيل والضالعين في هذه الأعمال في لبنان وداخل الأراضي السورية منذ عام 1983، أي بعد سنة واحدة من اجتياح إسرائيل للبنان واحتلالها بيروت. كما تمكن حزب الله من وقف العميل مروان فقيه الذي استطاع خلال حرب يوليو (تموز) 2006 التقرب من كوادر في حزب الله عبر تقديم الخدمات لهم، وتولى نقل معلومات عن الحزب وقادته إلى إسرائيل. وقد أحيل هؤلاء جميعا إلى القضاء العسكري الذي ادعى عليهم بجرم التعامل مع العدو وإفشاء معلومات سرية له والنيل من سلطة الدولة، وشرع في التحقيق معهم تمهيدا لمحاكمتهم.

وفي إسرائيل، رفض جهاز الموساد (المخابرات الإسرائيلية الخارجية) وغيره من مؤسسات الأمن الإسرائيلية إعطاء أي تعقيب على مسلسل الاعتقالات في لبنان. واعتبر أحد قادة الموساد السابقين أن هذا الصمت «طبيعي للغاية»، وعلق قائلا: «ماذا نقول؟ فإذا كانوا عملاء لنا فعلا وتبنيناهم، نكون قد تصرفنا مثل حسن نصر الله الذي اعترف بأن قائد خلايا الإرهاب في مصر ينتمي إلى حزب الله ومنح بذلك مصداقية لكل الاعتقالات المصرية. وإذا نفينا، نكون قد أرحنا أناسا لا نعرفهم ولا نعرف ما الغرض من اعتقالهم ونثير ضدنا عملاء سابقين لم ننف في حينه انتماءهم إلينا. لذلك فإن الصمت أفضل طريقة».

وكان أحد قادة جهاز الموساد في السابق إيعيزر سفرير الذي تولى مسؤوليات قيادية عديدة في لبنان خلال عشرين سنة قبل الانسحاب الإسرائيلي من هناك، قد تحدث عن مبدأ تشغيل جواسيس، فقال: «نحن في الواقع لسنا بحاجة كبيرة إلى عملاء بالمستوى الذي يتحدث عنه حزب الله والأمن اللبناني، حيث لدينا وسائل تكنولوجية عالية نستطيع من خلالها الحصول على معلومات أكبر بكثير مما يتخيل اللبنانيون، بدءا بالطائرات بلا طيار وحتى التنصت على المكالمات. وردّا على سؤال ليوضح أكثر، قال سفرير إن «لبنان ليس دولة معادية لإسرائيل ولا نريد منه شيئا، ولكنه اليوم، يشكل خطرا على إسرائيل أكثر من أي وقت مضى، وذلك إزاء التطورات التي يشهدها منذ حرب لبنان الأخيرة سنة 2006. وجاء ذلك في وقت قدمت فيه النيابة العامة الإسرائيلية لائحة اتهام في حق تسعة شبان كانوا اعتُقلوا قبل مدة، وقالت إسرائيل حينها إنها اكتشفت «خلية إرهاب» من مواطني إسرائيل العرب (فلسطيني 48) وادعت أنهم خططوا لعمليات تمرد خلال الحرب العدوانية الأخيرة على غزة. إلا أن الاتهامات المقدمة أمس جاءت مغايرة تماما للادعاءات الأولى والتهم الموجهة ضدهم لم تكن أكثر من مخالفة السير، الأمر الذي جعل قادة هؤلاء الفلسطينيين يتهمون المخابرات بتعمد تضخيم القضايا لأنها معنيّة بتحريض اليهود عليهم.

وكانت المخابرات قد اعتقلت هؤلاء الشبان التسعة، وبينهم قاصران، قبل أربعة شهور، وفرضت الكتمان على اعتقالهم واستصدرت أمرا من المحكمة بمنع النشر عن قصتهم. وعندما نُشر خبر الاعتقال قبل عشرة أيام، ادعت أنهم خلايا إرهاب حاولوا تنفيذ عدة عمليات اعتداء دموي على اليهود انتقاما منهم على الحرب في غزة. وترافق هذا النشر مع حملة تحريض على «فلسطينيي 48» عموما. ولكن في جلسة المحكمة من يوم أمس، اتضح أن الاتهامات تقتصر على مخالفات سير، حيث إنهم قادوا سيارات بشكل فوضوي عنيف يهدد أمن الجمهور. وحسب محامي الدفاع عنهم، فارس إبريق، فإن «الجبل وُلد فأرا» والشرطة ضخمت النشر بشكل متعمد يفوق كل تصور. وقال رئيس لجنة المتابعة العربية العليا، محمد زيدان، إن هذه القضية هي نموذج للتحريض السلطوي الدامي على المواطنين العرب، الهادف إلى نشر وتعميق العداء وربما استدعاء لاعتداءات يهودية على العرب.