سليمان: الرابح في الانتخابات سيحمل المسؤولية والخاسر سيحاسب

السجالات الانتخابية بين التصريحات التقليدية والحديث عن كتلة وسطية

TT

أكد رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان «أن الانتخابات النيابية المقبلة ستساهم في إعادة إنتاج التمثيل الديمقراطي وستؤدي إلى المزيد من الاستقرار». واعتبر في تصريح له أن «الرابح فيها سيكون عليه عبء تحمّل مسؤولية إظهار قيمة لبنان وموقعه والحفاظ على استقراره. كذلك سيكون دور الخاسر أساسيا في اللعبة السياسية لجهة المراقبة والمحاسبة والحض على بذل المزيد في خدمة لبنان، وهو دور أكبر من دور الرابح، توفره الديمقراطية للخاسر، خصوصًا عندما تكون النتائج متقاربة».

وكان سليمان شدد على «ضرورة العودة إلى الدستور بعد الانتخابات النيابية المقبلة»، ما يشير إلى عدم رضاه عن صيغة «الثلث المعطل» التي فرضتها التسوية التي حصلت في مؤتمر الدوحة، التي أسفرت عن شل مجلس الوزراء الذي عجز عن العمل طوال العام الماضي. وملامح الحياة السياسية التي ستحددها نتائج الانتخابات المقبلة، لم تقتصر على تصريحات سليمان، فقد بدأت تتسلل إلى الخطاب الانتخابي اللبناني القائم على التنافس، لتشكل جسرا مع «الكليشيهات» المتعلقة بالمقاومة والفساد والانقلاب على الطائف والتخوين وعودة الوصاية عبر خروج الضباط الأربعة الموقوفين في جريمة اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري وأحداث 7 مايو (أيار) العام الماضي، وما إلى ذلك من محاور «التنافس الانتخابي» التي يحافظ عليها كل من فريقي «14 آذار» و«8 آذار» في سباقهما إلى الحصول على الأكثرية البرلمانية. وأبرز ملامح ما بعد الانتخابات تتعلق بالكتلة الوسطية التي ستنتجها صناديق الاقتراع وتصب في حصة رئيس الجمهورية. وهذه الكتلة لن تنبثق من مرشحين محسوبين سلفا على سليمان، باستثناء مستشاره النائب السابق المرشح عن دائرة جبيل ناظم الخوري، لكنها ستضم عددا من المستقلين وحلفائهم، والمرجح فوزهم في البرلمان، منهم رئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي والنائب الحالي ميشال المر وكتلة الأرمن. ويذهب بعض المحللين بعيدا في تشكيل هذه الكتلة لتشمل رئيس مجلس النواب الحالي نبيه بري والنائب وليد جنبلاط. إلا أن ترجيح التحاق جنبلاط دونه ما يسرّب عن أنها ستكون «سورية الهوى». ويستشهد أصحاب هذا الطرح بفشل التحالف بين ناظم الخوري والمرشح عن دائرة جبيل النائب السابق ومنسق قوى «14 آذار» فارس سعيد، بناء على توجيهات واضحة من دمشق ومعها «حزب الله». لكن الكلام الواضح لجنبلاط في معظم تصريحاته الأخيرة يصب في هذا المنحى، ويرفع السقف ليصل إلى المطالبة بصلاحيات لرئيس الجمهورية من دون الإخلال باتفاق الطائف.

وعكس النائب عن طرابلس مصباح الأحدب المخاوف من أحد أهم رموز الكتلة الوسطية في تصريح له. وسأل عن سبب إغفال ميقاتي، خلال إعلانه «لائحة التضامن»، أي إشارة إلى المحكمة الدولية وإلى الرئيس الراحل رفيق الحريري. وقال إنه لا يرى أن هذه اللائحة هي لائحة «14 آذار». وأضاف: «من يمثل 14 آذار في هذه اللائحة تحدث عن تحالف سياسي بين أعضائها. وكان هناك رد من ميقاتي بأن هذا التحالف ليس سياسيا، بل انتخابي. وأنه سيشكل كتلة وسطية مع النائب السابق أحمد كرامي بعد فوزهما». ودعا الأحدب الناخبين إلى طلب ضمانات قبل التصويت، انطلاقا من تصريحات متضاربة لميقاتي بشأن القضاء على خلفية إطلاق الضباط الأربعة الذين أوقفوا في جريمة اغتيال الحريري. كما ذكّر بأن السابع من مايو (أيار) 2008 هو يوم مأساوي للبنان، حيث استعمل فيه سلاح المقاومة في الداخل، فأصبح سلاح ميليشيا، وأدى ذلك إلى استشهاد 82 مواطنا بريئا وإلى احتلال بيروت وسقوطها. وقال إن «اتفاق الدوحة، وهو اتفاق استثنائي وضع لمعالجة وضع استثنائي وسينتهي مفعوله في السابع من يونيو (حزيران)». وانتقل رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد من الحديث عن مشروع الأكثرية المتعاملة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، للحديث على الهم الاقتصادي فيقول: «إننا كمعارضة نريد دولة وليس لدينا مشروع في لبنان غير مشروع الدولة»، وأضاف: «أن هذا الاستحقاق الانتخابي نأمل فيه، ونسعى إلى الأكثرية النيابية من أجل أن نغير السياسات التي عانينا منها الأمرّين خلال السنوات الأربع الماضية وما قبلها». أما المرشح في جبيل فارس سعيد، فيعود إلى المشروع الذي يرى «أنه سينفذ بعد الانتخابات»، ليقول: «إن معركتنا هي للحفاظ على الطائف والشرعية ‏الدولية، بينما معركتهم هي للحفاظ على الغطاء الشرعي المسيحي لحزب الله».‏ ويشبَّه تحالف العماد ميشال عون مع حزب الله وقوى «8 آذار» بدور الحركة الوطنية في تحالفها مع ‏الثورة الفلسطينية. ويضيف: «من هنا، نحن نتمسك باتفاق الطائف على أساس المناصفة، فهي الأساس للبنان، وأي كلام ‏عن جمهورية ثالثة على قاعدة تبديل الدستور هو خطوة باتجاه المجهول يدفع ثمنها الفريق ‏المسيحي أكثر من الطوائف الأخرى».‏ عضو كتلة «المستقبل» النائب غازي يوسف اعتبر «أن الكلام بأن صناديق ‏الاقتراع سترد أحداث 7 أيار صحيح، خصوصا بعد خروج الضباط الأربعة ‏والتصريحات التي رافقت الأمر من بعض أطراف المعارضة الذين كانوا رأس حربة في 7 أيار، ‏كما أن المقصود هو لفت أنظار اللبنانيين إلى أن الانتخابات قد تفرز ‏وصاية قديمة متجددة على لبنان وعلى بيروت بالتحديد».‏ ورأى «أن التوفيق بين الدولة ‏والمقاومة غير ممكن. وهذا الأمر كان حاصلاً في زمن الاحتلال الإسرائيلي، أما اليوم، فيجب أن يكون التوفيق من خلال الدولة، وليس من خلال تسخير الدولة ‏اللبنانية لمشروع حزب الله».‏ من جهته، شن رئيس «التنظيم الشعبي الناصري» النائب أسامة سعد المرشح في صيدا بمواجهة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، كما يقول، هجوما على تيار «المستقبل» لتحالفه مع «القوات اللبنانية»، معتبرا أن «صيدا لن تنسى أبناءها الذين قتلوا أو خطفوا على أيدي القوات»، ومعلنا «أن المدينة ستحاسب هؤلاء». واتهم السنيورة وحلفاءه بـ«التصويب على رأس المقاومة، بهدف تجريد لبنان من قوته من دون أن يقدموا لنا أي بديل للحماية من الخطر الصهيوني، كما لا يريدون وضع استراتيجية دفاعية جدية». وقال: «لن يعبر نهر الأولي (الحدود الشمالية لصيدا باتجاه بيروت) أي مشروع يريد الانقضاض على المقاومة انطلاقا من صيدا». وردا على إثارة السنيورة لأحداث «7 أيار»، قال سعد: «لولا التنظيم الشعبي الناصري لكانت حدثت كوارث في صيدا في 7 أيار»، مذكرا إياه بأن «اتفاق الدوحة طوى تلك الصفحة، والاتفاق ذاته هو الذي نصبك رئيسا لحكومة الوحدة الوطنية الحالية». إلا أن «البازار التقليدي للكليشيهات» خرق قبل يومين مع المواجهة المنتظرة بين بري وعون في دائرة جزين التي فتحت جبهة أخرى وشكلت علامة فارقة في اصطفاف فريقي الصراع الانتخابي اللبناني. ويتوقع البعض خلط أوراق لا يستهان به في صفوف الناخبين المنتمين إلى حركة «أمل» و«التيار الوطني الحر»، وتحديدا في عدد من الدوائر التي يتحكم فيها الصوت الشيعي. وأهمها بعبدا وجبيل وزحلة. وقد بدأت التسريبات تصب في مصلحة كل من الطرفين المتنافسين. فقد سُرب أن ناخبي التيار قد يحجبون أصواتهم عن مرشحي بري في الجنوب. كما سُرب أن ناخبي الحركة سيردون الصاع صاعين لعون عبر مرشحيه أينما كانوا. ومع الحرص على خطاب ودي علني هو السائد، فقد دعا النائب سمير عازار إلى تجديد العزم على الاستمرار في إطار جبهة «التنمية والتحرير» (التي يرأسها بري). وشدد خلال إطلاق الماكينة الانتخابية لحركة «أمل» في قضاء جزين على أن «واجبنا اليوم أن نذهب إلى يوم الانتخاب، وكما اعتدنا سابقا بروح رياضية عالية، بعيدا عن كل استفزاز أو عنف، سواء في سلوكنا أو في خطابنا السياسي، لتعزيز العملية الديمقراطية واستمرار المحافظة على الاستقرار في مدننا وقرانا». ولفت إلى أن «الانتخابات ليست معركة أو منازلة، بل استفتاء للناس ومخاطبة لعقولهم لا غرائزهم».