نازحون عراقيون: نعيش في الخيم منذ 3 سنوات وإذا لم تساعدنا الحكومة فلا أمل لنا

«الشرق الأوسط» تدخل مخيما للمهجرين العراقيين في السليمانية وتنقل صورا عن مأساتهم

طفلان من المهجرين يلهوان داخل مخيم المهجرين في ظروف انسانية صعبة (تصوير: كامران نجم)
TT

فوق قطعة ارض منسية، بعيدة عن الاحياء السكنية في مدينة السليمانية، ثاني مدن اقليم كردستان، اقام عدد من العوائل المهجرة من بغداد والموصل مخيما يعيش فيه 60 عائلة، ويشكلون ما مجموعه 500 شخص.

المخيم الذي اقيم منذ اكثر من ثلاث سنوات، وبالضبط عام 2006، وهو العام الذي عانى خلاله العراق من الاقتتال الطائفي وسيادة الميليشيات المسلحة والاختطافات والقتل المجاني، يفتقر لابسط متطلبات الحياة.

«الشرق الاوسط» زارت المخيم وتحدثت الى ساكنيه من المهجرين ووقفت على معاناتهم التي يصعب تصديقها، وتصديق ان يعيش عراقيون داخل بلدهم في ظل هذه الظروف البائسة بينما تهتم دول اوربية واميركا واستراليا باللاجئين العراقيين من حيث السكن والظروف الحياتية والصحية والثقافية.

يقول وسام كريم، من حي الدورة بجانب الكرخ ببغداد، وهو مختار المخيم «نحن هنا منذ ثلاث سنوات، نزحنا بسبب تهديدات مباشرة من الارهابيين بترك بيوتنا، حيث اجبرت على بيع بيتي للميليشيا التي هددتنا بسعر يساوي اقل من 10% من سعره الحقيقي، وكان من المهم عندي ان انقذ عائلتي واطفالي من الاختطاف او القتل».

ويضيف كريم الذي كان يعمل ببيع الملابس المستعملة المستوردة، والتي تعرف بـ(البالات)، والان يبيع الخضروات داخل المخيم «تساعدنا بعض المنظمات الانسانية وحكومة اقليم كردستان، والمساعدات عبارة عن مواد غذائية وملابس، اما اولادنا فهم بلا عمل ومن ثم حرموهم من المدارس قبل 3 اشهر من غير ان نعرف السبب»، مشيرا الى ان وزارة الهجرة والمهجرين ببغداد صرفت لبعض العوائل التي تحمل البطاقة التموينية رواتب بسيطة لشهر واحد فقط.

من خيمة مظلمة، تأتي من داخلها اصوات متداخلة، ورائحة الكيروسين(النفط الابيض) تخرج الينا ليلى ام قيس، حيث تتجسد في وجهها معاناة امرأة عراقية تحملت الكثير من المآسي، تتحدث وهي تحاول ان تخفي ما تشعر به من ذل بعد ان كانت تعيش مع عائلتها عزيزة وكريمة في منزلها الذي كان يقع في حي الدورة ايضا، تقول «ذات مساء هاجمتنا ميليشيا مسلحة وخطفت ابنتي الصغيرة، ثم طالبونا بالتنازل عن البيت مجانا وترك المنطقة مقابل اعادة ابنتنا سالمة الينا، وقد وافقنا بالحال، ذلك ان حياة وشرف ابنتنا يساوي كل شيء بالنسبة لنا»، حدث ذلك في عام 2006 ايضا.

وتستمر ام قيس بشرح معاناتها، قائلة «لي ثلاثة اولاد وثلاث بنات، وابني متزوج، وكلنا، بضمنهم ابني وزوجته، نعيش في هذه الخيمة الضيقة التي لا تصلح لان يعيش فيها انسان»، مشيرة الى ان «ابنائي لا يستطيعون العمل ما لم يتوفر كفيل لهم، وهم بلا مدارس منذ ثلاثة اشهر».

وتوضح ام قيس قائلة «تأتينا بعض المساعدات من قبل حكومة الاقليم والهلال الاحمر وهي عبارة عن مواد غذائية وبطانيات، لكننا بحاجة الى الوقود والكهرباء، والحمامات النظيفة، فنحن نغسل اجسادنا مرة كل شهر، حيث نبني غرفا صغيرة من الخيم ونحولها الى حمامات، ولا يوجد في المخيم اية مرافق صحية»، وعندما نسالها عما تحتاج اليه مع عائلتها، تجيب على الفور«نحن بحاجة الى كل شيء، ولا نعرف ماذا نفعل، الحل بيد الحكومة العراقية، واذا كانت الحكومة لا تمد الينا يد العون فسوف نبقى في مثل هذه الظروف السيئة واللا انسانية».

ماهر القيسي شاب في مقتبل العمر، وهو كان من سكان حي الدورة ايضا، يقول «تركنا بيتنا قبل 3 سنوات بعد ان خطفوا ابنة اخي وهي طفلة ثم اعادوها بعد ان تنازلنا لهم عن البيت و40 الف دولار، وترك منطقتنا»، ويبدو ان الميليشيات كانت تتبع مثل هذا الاسلوب لتهجير السكان من بيوتهم، يضيف القيسي قائلا «عرفنا المخيم بعد ان شاهدناه ونحن نبحث عن مكان آمن»، مشيرا الى ان عدد افراد عائلته يتكون من ستة اشخاص وهو يدير مخبزا صغيرا اقيم داخل المخيم».

جلال علي وادي (61 عاما) من حي الجهاد، رفض في البداية التحدث لنا ذاكرا مبرراته بقوله «لقد تحدثنا مرارا للصحافة المحلية والعربية والاجنبية وللمنظمات الانسانية ولم يتغير وضعنا، بل لم يفعل لنا احد اي شيء، ولم يلب المسؤولون طلباتنا المشروعة في ان نعيش كعراقيين في بلدنا بأمان وكرامة»، منوها الى «اننا هنا، منذ ثلاث سنوات، تركت البيت مجبرا بسبب العنف الطائفي سنة 2006، حيث هددنا من قبل ميليشيا مسلحة بترك البيت والمنطقة». يذكر ان حي الجهاد كان قد تحول في عام 2006 الى ساحة قتال بين الميليشيات السنية والشيعية.

ويضيف وادي قائلا «لي ثلاث بنات وولدان صغيران نعيش كلنا في خيمة مساحتها لا تتجاوز الـ 150 قدما، وكل 4 اشهر تزورنا وفود من منظمة الهلال الاحمر وتقدم لنا المساعدات الغذائية، بينما اهملتنا الحكومة العراقية تماما ولم تفكر بنا، نريد العودة الى بيوتنا بامان، جئنا الى السليمانية لانها آمنة، ولم يتعد علينا اي شخص، احيانا أعمل بالبناء او حمالا».

حميد عبد الله علي، من الشبك، يقول «نحن عائلتان من طائفة الشبك نعيش في هذا المخيم، انا وعائلة اخي الذي قتل في الموصل، ولي 6 اطفال، كنا نسكن في حي الانتصار في مدينة الموصل»، موضحا «نحن ثاني عائلة نسكن هنا، بسبب الاوضاع الامنية». المعاناة الاكبر يتحملها في هذا المخيم الاطفال الذين حرموا من مدارسهم ومن براءة طفولتهم، فهم يدورون في المخيم مثل السجناء، يقول سلام عماد، 12 سنة، «المدرسة منحتنا اوراقا وطردتنا منذ اكثر من 3 اشهر، لي خمسة اخوة والان لا نذهب الى المدرسة ولا نستطيع ان نعمل، لهذا نقضي اوقاتنا نلعب هنا داخل المخيم».