السودان: تعديل وزاري يقيل وزيرا مطلوبا دوليا وتعيينه في منصب أقل ظهورا

إقالة والى الخرطوم.. وجهات سودانية تربط الأمر بدفن نفايات نفطية بالقرب من العاصمة

TT

بشكل مفاجئ، أجرى الرئيس السوداني عمر البشير تعديلا وزاريا محدودا في حكومته المركزية والولائية، طالت الحقائب الوزارية الخاصة بحزبه، المؤتمر الوطني، كما أجرى تعديلات لافتة في جهاز الشرطة، فيما اعتبر مصدر حكومي تحدث لـ«الشرق الأوسط» أن التعديل جاء ضمن استعدادات البشير للانتخابات العامة في البلاد، المقرر لها في فبراير (شباط) المقبل. وبموجب القرار أقال البشير، وزير الدولة بالشؤون الإنسانية أحمد هارون، المطلوب توقيفه دوليا بمذكرة اعتقال صادرة من المحكمة الجنائية الدولية، من منصبه وعينه في منصب آخر أقل ظهورا، وهو حاكم ولاية جنوب كردفان (غرب) وهي ولاية تشتهر بالنزاعات القبلية، ومنها منطقة ابيي الغنية بالنفط المتنازع على تبعيتها بين الشمال والجنوب. كما أقال البشير، والي العاصمة الخرطوم الدكتور عبد الحليم المتعافي، من منصبه وعينه وزيرا للزراعة، وتشير آراء في العاصمة إلى أن إقالته تأتي بعد سريان أنباء عن دفن نفايات نفطية قرب العاصمة قادمة من الجنوب. ومن التغييرات أيضا إقالة الدكتور فيصل حسن إبراهيم والي ولاية شمال كردفان (غرب)، وعينه وزيرا للثروة الحيوانية. وعين عبد الرحمن الخضر، واليا للخرطوم بديلا للمتعافي. وتمت إقالة البروفسور الزبير بشير طه من منصبه وزيرا للزراعة، وعينه واليا لولاية الجزيرة (وسط). وأقال محمد أحمد الطاهر أبو كلابيش من منصبه وزيرا للثروة الحيوانية وعينه واليا لولاية شمال كردفان «غرب». وبموجب القرار تم تعيين حليمة حسب الله القيادية في حزب المجلس الوطني وزير دولة بوزارة التربية والتعليم الاتحادية، وتعيين الدكتور عبد الباقي الجيلاني مدير لجنة الإحصاء وزير دولة بالشؤون الإنسانية.

وأصدر البشير قرارا بإقالة مدير عام قوات الشرطة السودانية الفريق محمد نجيب، وعين للمنصب اللواء هاشم عثمان الحسن بعد ترقيته إلى رتبة الفريق. وكان اللواء هاشم يشغل قبل تعيينه مدير مكتب الرئيس البشير في القصر الرئاسي لمدة 7 أعوام. وفي سياق التعديلات في جهاز الشرطة السودانية، أصدر البشير قرارا بإعفاء كل من: الفريق محمد عثمان محمد نور مدير شرطة ولاية الخرطوم، والفريق طارق عثمان الطاهر مدير دائرة العمليات بالاحتياطي المركزي، واللواء عوض وداعة الله مساعد المدير العام للشؤون الإدارية، واللواء عبد الرحمن هاشم مساعد المدير العام. والإبقاء على الفريق الدكتور عادل العاجب نائب مدير عام قوات الشرطة. وفي سياق التعديلات التي طالت جهاز الشرطة تم ترفيع لرتبة فريق كل من: اللواء بشير أحمد بشير مساعد المدير العام للجوازات والسجل المدني. واللواء محمد عبد المجيد الطيب مساعد المدير العام لدائرة التوجيه والخدمات واللواء محمد الحافظ عطية مساعد المدير العام للمباحث والأمن. كما تم حل كل الهيئات بالشرطة مع إبقاء هيئة الجوازات والسجل المدني. وخلت قرارات التعديل الوزاري والأخرى في جهاز الشرطة من أي حيثيات، فيما قالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن التعديلات في جهاز الشرطة طبيعية وفي سياق التطور الطبيعي في جهاز الشرطة وكما يحدد ذلك قانون الشرطة. غير أن مسؤولا حكوميا علق لـ«الشرق الأوسط» على التعديل الوزاري بالقول انه يأتي في إطار تحضيرات حكومة الرئيس البشير للانتخابات العامة والرئاسية، المقرر لها في فبراير (شباط) المقبل، وأيد المحلل السياسي الدكتور الطيب زين العابدين قول المصدر الحكومي، وقال ربما هي مؤشر لمواجهة الانتخابات المقبلة، وزاد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن تحويل الدكتور المتعافي من ولاية الخرطوم إلى وزارة الزراعة قد يقصد منه تحقيق إنجازات في قطاع الزراعة «وهو مجال مهم لحزب المؤتمر الوطني في الانتخابات المقبلة»، حسب تعبيره. ومضى يقول إن المتعافي رغم أنه طبيب ولكن أثبت أنه يمتلك عقلية استثمارية قدرت الحكومة أنها يمكن الاستفادة منها في إنجاح المشاريع الزراعية، خاصة أن التجارب السابقة أثبتت أن الوزراء الذين تقلدوا هذا المنصب لم يحققوا نجاحات تذكر في الزراعة، وخاصة بعد فشل مشروع النفرة الزراعية ثم فشل لحد كبير مشروع النهضة الزراعية الآن، وقال «إن المشروعين صرف فيهما المليارات ولم يتحقق أي شيء لأن الصرف تم بطرق سياسية». وحسب المحلل زين العابدين فإن التعديل لم يكن مفاجئا تماما، وقال: ظللنا في الفترة المقبلة نسمع عن قرار مرتقب بإعفاء والي الخرطوم المتعافي من منصبه، ونسمع بأن أحمد هارون وزير الدولة بوزارة الشؤون الإنسانية، الذي تطلبه المحكمة الجنائية الدولية بسبب جرائم دارفور، سيحول من منصبه إلى منصب آخر يتطلب ظهورا أقل». ورجح زين العابدين أن يكون التعديل الوزاري ناتجا عن صراع التيارات داخل حزب المؤتمر الوطني.

وربط محللون كثيرون في الخرطوم فضلا عن الشارع في العاصمة السودانية إقالة المتعافي بواقعة دفن كميات كبيرة من «نفايات النفط في جنوب السودان» سرا شمال مدينة أم درمان العاصمة التجارية السودانية، وكشفت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن لجنة رأسية شكلت أخيرا للتحقيق حول نقل نحو 265 كيلومترا مكعبا من النفايات وهي فتات صخري جرى تفتيته بالفسفور عبر 9 شاحنات من منطقة «جونقلى» في جنوب السودان، حيث تجري شركة النيل الأبيض للنفط البريطانية التنقيب عن النفط هناك لصالح حكومة جنوب السودان ودفنه على بعد 29 كيلومترا شمال مدينة أم درمان. وتبعد جونقلى عن العاصمة السودانية نحو 2000 كيلومتر، ويفصل بينها وبين ولاية الخرطوم ثلاث ولايات.

وكشفت المصادر أن النفايات وصلت الخرطوم محملة في 9 شاحنات وحصلت الجهة التي دفنتها على موافقة من مكتب والي الخرطوم بعد أن استعان خطاب الموافقة بمواصفات فنية محددة لكيفية وشروط الدفن. وأشارت إلى أن النفايات غير مضرة، وقالت المصادر إن المواصفات المكتوبة حددت: بأن تدفن النفايات في حفرة بعمق 5 في 6 في 10 أمتار، وبصبة خرسانية أرضية بسمك 25 سنتيمترا، ويبنى الجدار من مادة أسمنتية خرسانية بحيث لا تسمح بتسرب السوائل، وتغطى الحفرة بطبقة أسمنتية خرسانية بسمك 25 سنتيمترا، وتغطي في الأعلى بردمية ترابية بارتفاع مترين عن الأرض، ويتم وضع سياج على المكان وتكتب عليه لافتة توضح محتويات ما دفن في المكان.

وقالت المصادر إن لجنة من هيئة الطاقة الذرية السودانية زارت الموقع، وحققت في الأمر «ربما رفعت تقريرها إلى الجهات المعنية حول النفايات المدفونة في المكان، وحسب المصادر أنه إذا ما ثبت أن النفايات بقايا تفتيت بالفسفور فإنها حتما ستكون ضارة، كما زار عدد من الصحافيين الموقع، وتشن صحف في الخرطوم حملة عنيفة ضد الخطوة، وتطالب الحكومة بالكشف عن ملابساتها. وتتشكك الصحافة في الأهداف التي جعلت ترحيل النفايات كل تلك المسافات لتدفن شمال العاصمة، وتساءل أكثر من كاتب عن حجم الأضرار المحتملة جراء تلك النفايات.