قرصان أقر باختطاف 25 سفينة: خطر الأصوليين في البر.. أكبر من الأساطيل الحربية في البحر

قال إنه عضو في مجلس سري يدعى «المؤسسة».. وتلقى تهديدات من رجال دين بقطع يده

منظر عام لمدينة كلوي شمال الصومال معقل القراصنة («نيويورك تايمز»)
TT

يقول أبشر بويا، وهو زعيم قراصنة صومالي ذو سمعة سيئة معروف بقسوته الشديدة وأقرّ باختطاف أكثر من 25 سفينة وبأنه عضو في مجلس قراصنة سري يدعى «المؤسسة»، إنه مستعد لعقد صفقة.

وبعد مواجهته ضغوطا متزايدة داخل البحر وبعد تبدل في الأوضاع على البر، أخذ بويا يتردد على شيوخ ورجال دين، ممن سئموا القراصنة وخطاياهم، متعهدا أن يترك مهنة القرصنة إذا تم تلبية مطالب محددة. وقال وهو يتناول طبقا به لحم إبل ومعكرونة: «هؤلاء الفتية الإسلاميون يريدون أن يقطعوا يديّ». ويبدو أن رجال الدين يمثلون مصدر إزعاج بالنسبة له يفوق ما تفعله السفن الحربية الأجنبية التي تجوب داخل البحر، ولذا قال: «ربما يكون هذا أوان التغيير».

وللمرة الأولى داخل هذه المنطقة، التي يكثر فيها القراصنة شمال الصومال، تحاول بعض المجتمعات، التي شهدت ازدهارا بسبب دولارات القراصنة عن طريق تقديم الملاذ والدعم وتوفير الزوجات وإبداء الاحترام وتوفير مساعدة حكومية لهؤلاء المجرمين البارزين، أن تلفظ القراصنة خارجها. وفي الوقت الحالي، يجري تكوين ميليشيات مناهضة لعمليات القرصنة، كما يتشكل رفض لهذا الأمر بين المواطنين بصورة عامة. ويقوم رجال دين وقيادات حكومية بحملة للتبرؤ من القراصنة، داعين إياهم للخروج من المدينة. وهناك دعوات للنساء من داخل المساجد كي يرفضن الزواج من أفراد العصابات البحرية غير الإسلاميين الذين يمارسون السرقة. وأكثر من ذلك، هناك علامة جديدة في مربض للسيارات في مدينة غاروي، عاصمة منطقة بونت لاند التي تتمتع بحكم شبه مستقل، ربما تكون الوحيدة من نوعها في العالم. كُتب على العلامة بخطوط حمراء: غير مسموح بدخول قراصنة.

وتعتبر أعمال العنف وانتشار الجوع وظهور أمراء الحرب وأعمال القرصنة، نتيجة مباشرة في مجتمع عانى من الضعف خلال 18 عاما دون أن تكون له حكومة مركزية قائمة، وبعد انهيار الاقتصاد بسبب الحرب، بل إن بعض الصوماليين يرون أن هذه كانت نتيجة حتمية. ولكن، في مدينة غاروي، يُنظر حاليا إلى القراصنة بصورة متزايدة على أنهم مصدر تشويه للثقافة البدوية المسلمة التي تتسم بالورع، كما أنه ينظر إليهم على أنهم السبب في جلب خطايا المدن الكبرى إلى هذه المدينة الصغيرة، مثل المخدرات والكحوليات والشجار في الشوارع ومرض الإيدز. وقبل أسابيع قليلة، قامت شرطة بونت لاند بالهجوم على عصابة تهريب وفرغوا 327 زجاجة من شراب مسكر إثيوبي الصنع. وينأى المواطنون في الصومال عن الكحوليات، ومن غير المشهور أن يتم إخفاء مثل هذه الكمية من الشراب المسكر في هذه المناطق. ويقول عبد الرحمن محمد محمود، الرئيس الجديد في بونت لاند: «يفسد القراصنة مجتمعنا، ولذا سوف نجهز عليهم». ويشار إلى أنه خلال الثماني عشر شهرا الماضية، حقق القراصنة الصوماليون أرباحا بلغت ما يصل إلى 100 مليون دولار عن طريق خطف عشرات السفن والحصول على فديات، حسب ما تفيد به مؤسسات بحرية دولية.

ومع ذلك، يؤكد زعماء القراصنة في بونت لاند على أنهم مستعدون لترك ما يقومون به إذا ما وفّر رجال الدين وظائف لمرؤوسيهم الشباب، وساعدوا على جعل القراصنة يشكلون قوات لحرس السواحل لحماية سواحل الصومال التي تبلغ 1880 ميلا من عمليات الإغلاق والصيد التي تجري بصورة غيرة قانونية. ومن المبالغة القول بأن العالم سوف يقبل أن يتولى خاطفون جرى إعادة تأهيلهم مسؤولية الحفاظ على الأمن. ولكن، مضى بويا يوم الاثنين معه أكثر من عشرين قرصنا لهم سمعة سيئة في بونت لاند، البعض منهم كان يقود سيارات «تويوتا» رياضية سريعة، وهي تمثل الخيار المفضل حاليا للقراصنة، إلى منزل أحد رجال الدين بمدينة غاروي ليطرحوا ما يفكرون فيه. ويقول قرصان يدعى عبد الرازق علمي عبد الله: «المفاوضات هي ما نؤمن به». ويعترف مسؤولون في بونت لاند، على مضض، بأن القراصنة أفادوهم بصورة ما، حيث جلبوا الاهتمام والمساعدات التي كانوا في حاجة ملحة لها. ويقول فرح دالا، وزير التخطيط والتعاون الدولي في بونت لاند: «أمر مؤسف ولكنه واقع، فبعد كل هذه المعاناة والحروب، بدأ العالم أخيرا في الاهتمام بجراحنا لأنهم ذاقوا جرعة بسيطة منها». وخلال الشهر الماضي، بعد قيام قراصنة صوماليين بخطف ربان أميركي، تعهدت الدول المانحة بأكثر من 200 مليون دولار للصومال، ويهدف ذلك بصورة جزئية إلى محاربة القرصنة. ومنذ هذا الحين، بدأت الأساطيل البحرية الأجنبية في زيادة دورياتهم وألقوا القبض على العشرات من القراصنة. ويقول بويا إن نشاط القرصنة أصبح أكثر خطورة، ولكنه قال إن هناك الكثير من السفن التجارية والكثير من المناطق داخل المحيط. وأضاف عبر مترجم فوري: «الأمر يشبه الذهاب للصيد هناك، في بعض الأحيان تحصل على غزال وفي أحيان أخرى تحصل أصغر ظبي في العالم،» الذي تشتهر به الصومال.

ولد بويا، 43 عاما، في مدينة إيل، وكر القراصنة التي تقع على الساحل. وقال إنه ترك المدرسة في عامه الدراسي الثالث، وأصبح صيادا، وعمد إلى الخطف بعد أن دمرت عمليات الصيد غير القانونية التي كانت تقوم بها سفن أجنبية سبل كسب العيش أمامه في منتصف التسعينات. ويقول يوسف حسن، مدير تحرير الموقع الإخباري الإلكتروني «غاروي أون لاين»: «ينظر إليه على أنه من الرواد».

وعندما مشى بويا إلى داخل مطعم أخيرا، كان عليه أن يصافح نحو ستة قبل أن يجلس على منضدة بلاستيكية علاها الذباب مع صحافيين اثنين أجانب. وقال بفم مملوء بالمعكرونة: «ماذا! أتناول الطعام مع رجلين بيض، يشبه ذلك تناول القط الطعام مع فأر». ويقبع المطعم إلى جوار القصر الرئاسي، ومر بويا بين حشد من جنود بونت لاند قبل أن يدلف إليه. ومن الصعب أن تنسى شكل بويا، حيث يبلغ طوله أكثر من 6 أقدام، كما أنه نحيف جدا. وقبل ذلك، كان يجلس على أريكة جنبا إلى جنب مع رجل شرطة بارز. وتبادل الاثنان الطرف، وربما لم تكن هذه طرفة، فهم أقارب. وكان الرئيس السابق لبونت لاند محمد موسى حرسي أمير حرب سابق يشتبه كثيرا في تواطئه مع القراصنة، وترك المنصب خلال انتخابات عقدت في يناير (كانون الثاني). ويعد الرئيس الجديد عبد الرحمن من التكنوقراط كان يعيش في أستراليا وعاد ومعه الكثير من المستشارين الذين تعلموا في الغرب، ويطمح في أن يكون الزعيم الأول في الصومال الذي يقوم بشيء مهم إزاء القرصنة. وقام بتشكيل لجنة لمناهضة القرصنة وأصدر تقريرا عن «أول مائة يوم». ولكن، لم يقم المسؤولون في بونت لاند بالكثير مع ملوك القرصنة الذين يعرفونهم جيدا، ربما يكونون مترددين في استثارة حرب مع زعامات إجرامية يدعمها المئات من المسلحين. وعندما سُئل عن السبب وراء عدم إلقاء القبض على السمكة الكبرى، قال عبد الرحمن: «الشائعات شيء، ولكن ما نحتاجه هو دليل».

وفي الواقع، من الصعب معرفة أين ذهبت تحديدا كل هذه الملايين، على الأقل هنا في مدينة غاروي. هناك بعض من المنازل الرائعة الجديدة وعدد قليل من الفنادق الجديدة يقضي فيها القراصنة وقتا طويلا، وهناك أيضا عشرات من سيارات تويوتا الرياضية تجوب الشوارع. ولكن، لا توجد أشياء أخرى كثيرة. ويقول بويا، الذي يعيش داخل منزل صغير بسيط: «لا تفاجأ عندما أقول إن جميع هذا المال قد اختفى، فعندما يحصل شخص ما على مال فجأة بعد أن كان لا مال لديه، فإن هذا المال يضيع». ويزعم أن حصيلته التي تقدر بعدة مئات الآلاف من الدولارات اختفت فيما بين الاحتفالات وحفلات الزفاف والمجوهرات والسيارات وتناول القات. وتعليقا على الشبكة الواسعة من الأقارب، يقول: « ليس ثلاثة أشخاص يتقاسمون مليون دولار فيما بينهم، ولكنهم 300». ويقول بويا إنه يقدم نسبة 15 في المائة للعمل الخيري، ولاسيما لمساعدة العجزة وكبار السن. ويضيف: «أحب أن أعطيهم الكثير». وبصورة مجملة، بدا أنه يسعى بجدية ليترك هذا المجال أو أنه كاذب كبير. وقال: «نعلم أن ما نقوم به أمر خطأ، ولذا فإني أطلب الصفح من الله والعالم بأسره ومن الجميع». وبعد ذلك، علا صوت هاتفه المحمول من جديد. ولم يقل ما سيقوم به، ولكن كان هذا وقت الذهاب.

* خدمة «نيويورك تايمز»