اليمن: صالح يتعهد لأوباما بتأهيل معتقلي غوانتانامو.. ويرفض نقلهم إلى بلد آخر

«الشرق الأوسط» ترصد حالات إنسانية لمعاناة بعض أسر معتقلي غوانتانامو من اليمنيين

TT

قالت مصادر حكومية يمنية إن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بذل جهودا لإقناع الرئيس الأميركي باراك أوباما بعدم اتخاذ قرار بإرسال المعتقلين اليمنيين في غوانتانامو، الذين يبلغون زهاء المائة، إلى بلد آخر لإعادة تأهيلهم. لكن المصادر لم تؤكد إن كان تم التوصل إلى اتفاق بين الرئيسين حول المشكلة، خاصة أن الرئيس الأميركي قرر إغلاق المعتقل بحلول يناير (كانون الثاني) المقبل.

وذكرت المصادر أن هذه المساعي بذلت خلال اتصال هاتفي أجراه الرئيس صالح بالرئيس أوباما مساء الخميس الماضي دام 25 دقيقة، ويعد أول حديث بين الرجلين. بحث ذلك الاتصال مستقبل المعتقلين اليمنيين في غوانتانامو على ذمة الإرهاب. وجاء اتصال الرئيس اليمني بعيد وقت قصير من إعلان وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس من الرياض الأسبوع الماضي أن واشنطن تدرس إرسال بعض أو جميع المعتقلين اليمنيين إلى السعودية لإعادة تأهيلهم بعدما نجحت التجربة السعودية في هذا المضمار خلال السنوات القليلة الماضية.

وفي الوقت الذي تحفظت المصادر الرسمية في صنعاء عن ذكر مضمون تلك المكالمة، فإن مصادر متطابقة أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن صالح أعرب عن رفضه نقل معتقلي بلاده إلى بلد آخر وتعهد بأن يخضعوا لبرامج إعادة تأهيل فكرية قبل الإفراج عنهم وإعادة إدماجهم في المجتمع.

وكان اليمن أعلن قبل أشهر أنه يعتزم بناء مركز خاص لاستقبال وإعادة تأهيل معتقليه الذين سيتسلمهم من غوانتانامو. وذكرت تسريبات صحافية أن صنعاء طالبت واشنطن بمساعدة مالية لإنشاء هذا المركز تبلغ نحو 100 مليون دولار، غير أن صنعاء نفت هذه المعلومات.لكن، وفي ظل استمرار ضبابية القرار الأميركي المرتقب بشأن المعتقلين اليمنيين، هناك العديد من القصص الإنسانية تتعلق بالمعتقلين اليمنيين في غوانتانامو وبأسرهم، كما هو الحال لكافة أو معظم المعتقلين.. أحد أشهر هؤلاء المعتقلين هو عبد السلام الحيلة، وهو ضابط في جهاز الأمن السياسي (المخابرات) وكان مسؤولا عن ملف «المجاهدين» إبان الحرب الأفغانية ضد السوفيات، وقبيل اعتقاله في سبتمبر (أيلول) 2002م كان يعمل في مجال التجارة، ففي ذلك التاريخ سافر إلى القاهرة بغرض مناقشة قضايا مالية مع شركة «المقاولون» التي يعد أحد شركائها، غير أنه اختفى في مطار القاهرة ثم تبين بعد بضع سنوات أنه معتقل في غوانتانامو، وأنه تعرض لعملية استخباراتية استدرجته لاعتقاله.. هذا المعتقل وبغض النظر عن براءته أو إدانته، تعرض خلال سنين اعتقاله لنكبات حقيقية في أسرته، كانت آخرها الأسبوع الماضي عندما توفي طفلاه (يوسف 11 عاما وعمر 9 أعوام) في انفجار قنبلة كانا يعبثان بها في منزلهما بصنعاء، وذلك بعد أقل من أسبوع من اتصال عبد السلام بأسرته، وفي ذلك الاتصال نقل إليه خبر وفاة شقيقه (علي 25 عاما) وهو أحب أشقائه إليه، ولم تتمكن الأسرة من إبلاغه أيضا بوفاة والدته، واليوم كيف يمكن إبلاغه بفقدانه لوالدته وطفليه الذي اعتقل وهما صغيران؟

أما المعتقل فهمي سالم سعيد العساني، أحد أبناء مدينة المكلا بمحافظة حضرموت، فكان طالبا في جامعة حضرموت وكان رساما، لكنه تعرض لحادث سقوط منعه من مواصلة الدراسة، ولأن أسرته فقيرة ولم تكن قادرة على تسفيره إلى الخارج للعلاج، فقد قبل بعرض من جماعة الدعوة والتبليغ عام 2001م للسفر معهم إلى باكستان بعد أن أقنعوه بأنهم سيعالجونه هناك. لكن ولسوء حظه، فقد وقعت هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) واعتقل عقب ذلك داخل أحد المستشفيات في باكستان. وأثناء حديثها لـ«الشرق الأوسط» بكت والدته الحاجة سعيدة شماخ وهي تتوجه بمناشدة إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما واليمني علي عبد الله صالح بإطلاق سراح ابنها، الذي قالت إنه اعتقل في المستشفي وليس في ساحة قتال، تقول: «أناشد الرئيس أوباما، ونحن من مؤيديه وأملنا في الله وفيه كبير، ونناشده كأمهات بإطلاق سراح أولادنا» وللرئيس اليمني تقول: «أملنا فيه ما زال كبيرا، ولا نعتقد أنه يمكن أن يساوم بأولادنا». وشرحت والدة فهمي لـ«الشرق الأوسط» كيفية تواصلهم معه خلال السنوات الماضية، وقالت إنهم تلقوا منه قرابة 15 رسالة خطية عبر البريد وبضعة اتصالات عبر موفد من الصليب الأحمر الأسبوع الماضي، وتؤكد أنه خلال الاتصال الهاتفي كان «متحفظا» نوعا ما، ولم يتحدث عن «أي تعذيب، لكنه قال إن رفاقه داخل العنبر صحتهم رديئة وطلب منا أن ندعو لهم». سعيدة قالت أيضا إن الرسائل الخطية أو الكروت التي تلقوها منه، كانت في الغالب تأتي بعض فقراتها أو أسطرها مطموسة «أحيانا باللون الأسود وأحيانا باللون الأصفر». في الوقت الذي تؤكد أن تلك الرسائل كتبت بخطه وبعضها كانت تحمل رسومات له «فهو رسام أصلا». سنوات غياب المعتقلين عن أسرهم والروائح التي فاحت عن تعذيب بشع للمعتقلين داخل أسوار معتقل غوانتانامو، جعلت الأسر يعتقدون أن أي شخص يتصل بهم لا بد وأنه يسعى للإفراج عنهم وفي أحسن الحالات يسألونك إن كانت لديك معلومات جديدة عن موعد الإفراج عنهم.. هذا بالضبط ما حدث مع خالد الريني، شقيق المعتقل عمر الريني، والأخير كان «ميكانيكيا» بسيطا، متزوجا وأبا لثلاثة أطفال، أصغرهم عندما غادر إلى باكستان كان يبلغ من العمر 7 أشهر فقط. وبحسب رواية أسرته، هو أيضا وآخرون في محافظة حضرموت كانوا ضحايا لجماعة الدعوة والتبليغ، التي سعت إلى إقناع كثيرين بالسفر إلى باكستان بغرض الدعوة إلى الله وبمغريات أخرى، كالعلاج، كما حدث مع فهمي العساني، أو الدراسة بالنسبة للمعتقل عمر الريني.

خالد الريني قال لـ«الشرق الأوسط» إن موفدي الصليب الأحمر أكدوا لهم أنهم يسعون من أجل إطلاق سراح المعتقلين. وينقل خالد على لسان شقيقه في آخر مكالمة له الأسبوع المنصرم قوله إنه يمكن أن يطلق سراحهم خلال شهر أو شهرين. ويؤكد خالد الريني أيضا أن بعض الرسائل التي كانوا يتلقونها من شقيقه، كانت بعض فقراتها وأسطرها تأتي مطموسة. ويعتبر ذلك أمرا عاديا، لكنه يقول إنهم يريدون إطلاق سراحه والآخرين: «أطفاله يسألون عنه ويرغبون في رؤيته لأنه عندما سافر كانوا صغارا». موضوع المعتقلين اليمنيين في غوانتانامو كان محل اهتمام من قبل العديد من المنظمات الحقوقية اليمنية، وبالأخص بالنسبة منظمة «هود» التي تابعت قضاياهم على الصعيدين الحقوقي والإنساني. ويعتقد أحمد عرمان، السكرتير التنفيذي للمنظمة أن «موضوع غوانتانامو يبدو أنه في نهايته، وسيغلق قبل نهاية 22 يناير 2010»، ويرجع ذلك إلى نشاط المنظمات الحكومية خلال السنوات الماضية. كما يعتقد عرمان في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن موضوع المعتقلين اليمنيين في غوانتانامو «يجب أن يحسم بقرار سياسي بين الحكومتين اليمنية والأميركية» وذلك لأن هذا الملف «يعد ملفا أمنيا بالنسبة للبلدين». ويلقي عرمان باللائمة على الحكومة اليمنية في قضية التعامل مع ملف المعتقلين بصورة أمنية لأن «الحكومة اليمنية لم تضع الملف كملف حقوقي ولم تشرك فيه منظمات المجتمع المدني أو على الأقل وزارة حقوق الإنسان». ويقول إن أسر المعتقلين «يضعون أيديهم على قلوبهم كلما سمعوا أن المعتقلين اليمنيين قد يتم إرسالهم إلى بلد غير بلدهم، وهذا لا يغير من حقيقة اعتقالهم شيئا، اللهم المكان». كما يتحدث عن أوضاع مأساوية مرت وتمر بها كثير من أسر المعتقلين الذين «فقدوا أهاليهم بالموت وهم داخل المعتقل»، إضافة إلى ظروف اقتصادية صعبة، خاصة بالنسبة لتلك الأسر التي لم يكن لها عائل سوى المعتقل نفسه.