تساؤلات حول وفاة معتقل سابق في غوانتانامو داخل سجن ليبي

ابن الشيخ الليبي كان مقربا من بن لادن.. وأمير معسكر خالدين بأفغانستان

TT

بدأت السلطات الليبية تحقيقات مكثفة للتعرف على ملابسات وفاة مسؤول سابق في تنظيم القاعدة ومعتقل في معسكر غوانتانامو كان يقضي عقوبة السجن المؤبد في أحد السجون الليبية. وقالت صحيفة «أويا» المحسوبة على المهندس سيف الإسلام، النجل الثاني للزعيم الليبي العقيد معمر القذافي، إن السلطات عثرت على محمد عبد العزيز الفاخري، الذي اشتهر بلقب ابن الليبي، فيما بدا أنه حادث انتحار. ولم يصدر أي توضيح رسمي من السلطات الليبية حول هذه الحادثة التي لم تتناولها أيضا وسائل الإعلام الرسمية الخاضعة لسيطرتها، فيما قال مسؤول ليبي لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يوجد ما يدفع إلى الاعتقاد بأن الفاخري تعرض للقتل أو الإيذاء العمد.

وأوضح المسؤول، الذي طلب عدم تعريفه، أنه «لا يجب استباق الأحداث وانتظار نتائج التحقيقات التي تجرى حاليا لمعرفة ملابسات ما حصل».

و«ابن الليبي» الذي يعتبر من المقربين لبن لادن زعيم «القاعدة» متزوج من سورية وله ابنة اسمها نور، علما بأن اسمه ورد على اللائحة التي تتضمن أسماء 12 شخصا ومنظمة أمر الرئيس الأميركي السابق جورج بوش بتجميد ممتلكاتهم.

تساءل عدد من الأصوليين وخبراء في شؤون مكافحة الإرهاب عن سر انتحار محمد عبد العزيز الفاخري الملقب بابن الشيخ الليبي قيادي القاعدة، بصورة مفاجئة في سجن بوسليم بطرابلس الذي يحتجز فيه قيادات «الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة».

وقال مصدر مطّلع على الملف الأصولي لـ«الشرق الأوسط» إن ابن الشيخ الليبي أمير معسكر «خالدين» في أفغانستان تلقى زيارة من عائلته يوم 29 أبريل (نيسان) الماضي، مشيرا إلى أن الفاخري متزوج بسيدة سورية وله منها ابنة تبلغ من العمر 11 عاما، ثم تلقى ابن الشيخ الليبي الأسبوع الماضي زيارة من مسؤولي منظمة «هيومان رايتس ووتش» داخل سجن بوسلمي، إلا أنه أبلغهم بنفسه أنه لن يجلس معهم، لأنهم تخلوا عنه في غوانتانامو، كذلك تخلوا عن بقية السجناء الذين تعرضوا لانتهاكات في المعسكر الأميركي. يُذكر أن «الشرق الأوسط» كانت أول من كشف سر اعتقال ابن الشيخ الليبي في 2002 نقلا عن مصادر مقربة من «الأفغان العرب». وتساءل عدد من الأصوليين في أوروبا عن سر انتحاره في السجن الليبي وهو يعيش أفضل حالاته المعنوية بعد ترحيله من غوانتانامو قبل ثلاث سنوات، فهو محتجز مع زملائه قيادات «الجماعة المقاتلة»، وصدر عليه حكم بالسجن المؤبد، أي أنه لا توجد تحقيقات معه تدفعه إلى هذا الفعل الذي يستنكره أي مسلم، مشيرا إلى أن ابن الشيخ الليبي أمير معسكر «خالدين» المعروف بهدوء أعصابه موجود في السجن الليبي منذ ثلاث سنوات، مر بظروف صعبة للغاية منذ اعتقاله 2002 في سجون باكستان وبلاد عربية قبل أن يتم ترحيله إلى غوانتانامو، وصمد خلال تلك الظروف ولم يفكر في الانتحار خلال تلك الفترة.

وكانت صحيفة ليبية أفادت أمس أن ابن الشيخ الليبي عُثر عليه منتحرا في زنزانته في ليبيا حيث كان يُمضي عقوبة في السجن منذ نقله من معتقل غوانتانامو عام 2006.

وقالت صحيفة «أويا»: «انتحر محمد عبد العزيز الفاخري الملقب بابن الشيخ الليبي في غرفته بأحد السجون الليبية التي يقضي بها عقوبة السجن المؤبد»، دون أن تحدد أسلوب الانتحار. وأعرب خبير غربي في مكافحة الإرهاب أن منظمة «هيومان رايتس ووتش» ستصدر بيانا خلال الأيام المقبلة يتناول زيارتها الأخيرة إلى سجن بوسليم وسعيها للقاء ابن الشيخ الليبي. وبحسب مصادر غربية فإن الولايات المتحدة سلّمت ليبيا واحدا من أبرز «الأفغان الليبيين» الذين أسهمت «اعترافات» يُزعَم أنه أدلى بها خلال اعتقاله في «توريط» الأميركيين في حرب العراق، إذ أبلغهم أن نظام الرئيس السابق صدام حسين يدرب تنظيم القاعدة على استخدام السموم، وهو زعم ردده الأميركيون علنا في تبريرهم لغزو بغداد عام 2003، لكن تبيّن أن لا أساس له.

وقالت هذه المصادر التي اشترطت عدم كشف هويتها، إن ابن الشيخ الليبي المسؤول عن معسكر «خالدين» في أفغانستان والمعتقل منذ نهاية 2001، نُقل إلى عهدة السلطات الليبية في 2006. وهو من منطقة أجدابيا (شرقي ليبيا)، وتسلّمت طرابلس ـ من السلطات الأميركية، كما يُزعم ـ في العامين الماضيين عددا من قادة تنظيم «الجماعة الإسلامية المقاتلة»، وعلى رأسهم أميرها عبد الله الصادق ومسؤولها الشرعي أبو المنذر الساعدي، في إجراء يبدو انه يتضمن التزاما ليبيا وتحديدا من جهاز الأمن بعدم تعذيب الذين يجري تسليمهم أو إساءة معاملتهم. ولا يبدو أن الليبيين أخلّوا بهذا الالتزام حتى الآن. وابن الشيخ من الأفغان الليبيين البارزين، إذ التحق بمعسكر «خالدين» (في خوست، قرب الحدود الأفغانية ـ الباكستانية) في نهاية الثمانينات، وتدرج في المسؤولية فيه حتى بات المسؤول عنه. وكان الأميركيون يعتقدون في البداية أنه عضو في تنظيم القاعدة، لكن تبيّن أن ذلك ليس صحيحا، إذ لم ينتم إلى القاعدة ولا إلى أي تنظيم ليبي آخر، بل بقي يعمل مستقلا ويفتح أبواب «خالدين» لكل من يريد «التدرب على الجهاد»، على حد ما ذكرت مصادر على علاقة بـ«الأفغان العرب». لذلك يُلاحظ أن غالبية الذين تدربوا في «خالدين» ـ المعسكر الذي افتتحه أصلا في الثمانينات الشيخ الراحل عبد الله عزام ـ لم يكونوا منتمين إلى تنظيم «جهاديّ» معيَّن، بل جاؤوا إلى أفغانستان بهدف تلقي تدريب عسكري. لكن ذلك لم يمنع أن ترسل جماعات «جهادية» مختلفة، بما فيها القاعدة، عناصر منها لتلقي تدريبات في «خالدين». وربما كان هذا هو السبب في أن الأميركيين ظنوا أن الليبي ينتمي إلى تنظيم أسامة بن لادن. وحاولت حركة طالبان خلال حكمها أفغانستان (بين 1996 و2001) أن تحد من حرية ابن الشيخ في «خالدين»، من خلال وضعها كل معسكرات تدريب «الأفغان العرب» تحت سلطتها المباشرة. لكن الليبي، على رغم ذلك، رفض الانضواء تحت لواء «طالبان»، وظل يعمل في شكل مستقل حتى تاريخ الضربة الأميركية لأفغانستان في 2001. ويُعتقد أنه اعتُقل في باكستان بعيد إطاحة حكومة طالبان في تشرين الثاني (نوفمبر) 2001، وسُلّم إلى الأميركيين. وذكرت تقارير أميركية لاحقا أنه نُقل إلى دولة عربية، حيث أبلغ المحققين أن نظام الرئيس الراحل صدام حسين يتعاون مع القاعدة ويدرّب عناصرها على استخدام أسلحة دمار شامل. وأورد هذه المزاعم وزير الخارجية الأميركي السابق كولن باول عندما تحدث أمام مجلس الأمن في بداية 2003 عن علاقة نظام صدام بالقاعدة، لكن الأميركيين أقروا لاحقا بأن مصدر هذه المعلومة تراجع عنها.

واعتمدت إدارة بوش في تأكيدها الحاسم على وجود صلات بين العراق و«القاعدة» على معلومات تفصيلية قدمها ابن الشيخ الليبي بعد أن سُلم سرا إلى مصر من جانب الولايات المتحدة في يناير (كانون الثاني) 2002.

وكان «ابن الليبي» خلال فترة حبسه بواسطة السلطات المصرية ضمن 150 معتقلا آخر كانت الولايات المتحدة ترسلهم من دولة إلى أخرى منذ 11 سبتمبر 2001 بغرض الاستجواب. ودافع مسؤولون أميركيون، من ضمنهم وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس، عن هذا الإجراء وقالوا إن إجراء إرسالهم إلى دول أخرى جاء اعتمادا على الخبرة في الجانبين اللغوي والثقافي لدى حلفاء الولايات المتحدة خصوصا في منطقة الشرق الأوسط.