أسلوب طالبان في تطبيق الشريعة يثير المزيد من الغضب في إسلام آباد

«طلبنة باكستان».. إجبار الدولة الحديثة على العودة إلى ظلمات القرون الوسطى

TT

عندما طالب أصحاب العمائم السوداء من مقاتلي طالبان تطبيق الشريعة الإسلامية في وادي سوات الباكستاني في شهر يناير (كانون الثاني) بداية هذا العام، لم يكترث سوى القليلين لدق ناقوس الخطر في تلك الدولة الإسلامية التي يبلغ تعداد سكانها 170 مليون نسمة.

وعلق المسؤولون الباكستانيون بأن المواطنين ضجوا من البطء والفساد الذي تشهده محاكم الدولة، وقال علماء الدين إن تطبيق الشريعة سوف يؤدي إلى السرعة في تطبيق العدالة، فيما قال معلقون إنه لا يحق للمنتقدين في الغرب أن يتدخلوا في شؤون باكستان. بيد أنه مع فرار مئات الآلاف من مواطني سوات اليوم، وشن القوات الباكستانية حملة لطرد قوات طالبان، بدأ مؤشر الرأي العام في التحول بصورة دراماتيكية، فقد واجه خطر طلبنة البلاد انتقادات من جانب البرلمان الباكستاني وعلى صفحات الرأي في الصحف اليومية والمدافعين عن الاتفاقية التي تقضي بتطبيق الشريعة الإسلامية في وادي سوات وهو ما يعد تراجعا محيرا.

ووصف شوكت محمود، من صحيفة «نيوز إنترناشيونال»، اللاجئين بأنهم «ضحايا لرجال الكهوف الجهلاء الذين يزعمون أنهم مقاتلون إسلاميون». ووصف مقاتلو طالبان بأنهم «زمرة من الهمجيين غزت وادي سوات، لم تنو أبدا تطبيق نظام قضائي قائم على الشريعة وإنما استخدموها كستار فقط، ولم تكن معركتهم سوى معركة من أجل القوة وليس من أجل الإسلام». وتعبر وجهات النظر العديدة تلك، عن البون الشاسع بين نسخة الإسلام الذي تنتهجه طالبان ـ التي تتسم، على الأغلب، بضيق الأفق والتسلط وتطبيق العقوبات ـ وبين صورة الإسلام الذي يسود في باكستان ويتسم بالتسامح والاعتدال والمرونة.

وتتسم باكستان بأنها دولة كبيرة تتداخل بها الكثير من الطوائف والأشكال المتعددة من الفرق الإسلامية، لكن الخبراء يقولون إن المسلمين الباكستانيين يتفقون على أن دينهم يتسم بسمتين رئيسيتين: أولاهما تلك التي تحكم أخلاقهم وقيمهم وإيمانهم وعلاقاتهم، أما الأخرى فتتناول التطبيق العملي لتلك المبادئ والتي قد تتكيف وتتطور بحسب تغير الأزمنة والأحوال وتأتي من ضمنها الحروب والطقس والتكنولوجيا والذوق.

وقال خورشيد أحمد، المشرع في البرلمان: «الإسلام هو هويتنا وسمة حياتنا، لكن التعدد والاختلاف جزء منه، فلا ضرورة لتغطية النساء لوجوههن أو أن يطلق الرجال لحاهم، والقرآن واضح في ذلك بأنه (لا إكراه في الدين)، ومن ثم فلا يمكنك أن تجبر الأشخاص على ذلك».

لم تكن المطالبة بإقامة محاكم للشريعة الإسلامية في سوات مطلب طالبان وحدها، بل كانت مطلبا عاما نتيجة للسخط العام الشديد على نظام المحاكم العلماني الذي لقي انتقادات بالبطء والفساد وامتداد النظر في القضايا إلى عشرات السنين وقدرة الأشخاص النافذين في باكستان على رشوة الشرطة والفوز في القضايا على حساب خصومهم من الفقراء، في حين تتميز المحاكم الإسلامية بأنها أصغر وأسرع وأرخص. ينص الدستور الباكستاني على وجود كلا النوعين من المحاكم، لكن المحاكم الشرعية لها اختصاصات قضائية محدودة تجاه بعض الجرائم مثل الزنا والقتل. ويتلقى قضاة محاكم الشريعة تدريبا قانونيا إلى جانب العلوم الشرعية، ويمكن استئناف أحكامها أمام محاكم الدولة العليا. لكن أيا من تلك المحاكم لا تملك سلطة مطلقة كتلك التي سعت إليها طالبان.

وفي مارس (آذار) من العام الحالي، أصيب الباكستانيون بالذعر من شريط الفيديو الذي تم تسريبه ويظهر إحدى الفتيات وهي تتعرض للجلد أمام العامة في سوات، حيث اتهمت بالزنا. ويقول الخبراء هنا إن تلك العقوبة المختصرة التي لا تقوم على أدلة أو محاكمة، غير إسلامية ولا تتعلق بالشريعة.

وقالوا إذا ما قدمت الفتاة أمام محكمة شرعية حقيقية، لنظرت المحكمة في أدلة موثقة من بينها قسم أربعة شهود بارتكابها للفعل المحرم ومن ثم فقد يطلق سراحها.

وقال رجا ظفار الحق، العالم الإسلامي والناشط السياسي: «عندما يتحدث البعض عن الشريعة والعقوبات مثل قطع يد السارق، لا يدركون أن هناك ثلاثة عشر شرطا لتنفيذ العقوبة وهذا هو السبب وراء عدم قطع أي يد هنا على الإطلاق».

وأضاف: «من الناحية النظرية لا يوجد تناقض بين الإسلام والديمقراطية في باكستان. والدستور لا يحتوي على قانون يمكن أن يتعارض مع القرآن أو تعاليم النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، لكن النظام القضائي من الناحية العملية بطيء ومتحيز لدرجة أن الباكستانيين سئموا منه». وقال: «ما لم تكن هناك إصلاحات حقيقية، فربما تنتشر المطالبة بتطبيق الشريعة في كل أرجاء باكستان».

وتشهد باكستان الآن حركة متنامية داخل المساجد والمؤتمرات تطالب بإلغاء النظام القضائي الحديث وإحلال الشريعة محله، حيث يحث خطباء الجمعة في المدن الكبيرة أتباعهم على التحول من الطرق الغربية المتفسخة إلى الطهارة الأخلاقية القوية. بيد أن باكستان عايشت بعض التجارب المريرة نتيجة تطبيق الشريعة، خاصة تلك التي كانت ممتزجة بالقوة. فخلال الحكم العسكري لمحمد ضياء الحق، من 1977 وحتى 1988 تم فرض نظام «الأسلمة» الذي يفرض تطبيق عقوبات الشريعة التي تشمل الرجم والجلد لارتكاب الزنا وشرب الخمور.

وقد تسببت تلك القوانين المعروفة باسم «الحدود» التي تعرضت للتعديل والإصلاح في النهاية في 2006، في إحداث الكثير من المعاناة للنساء. فكانت تنتهي محاولات النساء باتهام أحد الأشخاص بالاغتصاب إلى اتهامها هي بالزنا ومواجهة عقاب سيء بينما يخلى سبيل الرجل لعدم كفاية الأدلة. وعادت تلك الانتقادات للممارسات الوحشية، التي انتهت بوفاة ضياء الحق عام 1988 إلى الظهور فجأة نتيجة للقصص المرعبة التي انتشرت عن أسلوب طالبان في تطبيق الشريعة في وادي سوات.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»