عبد المهدي: اللقاء بحزب البعث ـ تنظيم العراق لم ينقطع.. ولا مشكلة لنا مع القوميين

نائب الرئيس العراقي لـ«الشرق الأوسط»: سياستنا الانفتاح لاحتواء المؤمنين بالعملية السياسية.. والحزم ضد من يريد التآمر

نائب رئيس الجمهورية العراقي عادل عبد المهدي («الشرق الأوسط»)
TT

كشف عادل عبد المهدي، نائب الرئيس العراقي والقيادي في المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، عن أن الاتصالات مع حزب البعث السوري (تنظيم قطر العراق)، لم تتوقف ولم تنقطع، وان هناك انفتاحا من قبل المجلس الأعلى، بزعامة عبد العزيز الحكيم، على كل من يؤمن بالعملية السياسية.

وقال عبد المهدي ردا على أسئلة طرحتها «الشرق الأوسط» عبر البريد الالكتروني، إن التيار القومي العربي له مكان بارز في العراق ومساحة يحتلها، وأنه يجري لقاءات بين آونة وأخرى من أجل «التداول والتعاون والتساند» مع ممثلين عن تلك التيارات، مؤكدا ألا مشكلة لدى المجلس الأعلى مع تلك التيارات.

وكانت تقارير محلية كشفت عن وجود اتصالات، يجريها اثنان من كبار قادة المجلس الإسلامي الأعلى أحدهما عبد المهدي، والآخر وزير المالية باقر جبر الزبيدي، لاحتواء القوميين العرب والبعثيين المنشقين عن النظام السابق؛ لإدماجهم في العملية السياسية، وكان عبد المهدي قد أجرى لقاء مع محمود الشيخ راضي، أحد قيادات حزب البعث السوري ـ تنظيم العراق، فسر في حينه بأنه خطوة على طريق المصالحة مع شخصيات بعثية.

كما دعا عبد المهدي إلى مكافأة قادة وأعضاء الصحوات «الأصلاء»، داعيا إياهم إلى التدقيق في هوية منتسبي الصحوات التي أسست لاحقاً، محذرا من «استغلال» البعض لتجربة الصحوة في العراق. وفيما يلي نص الحوار:

* ما صحة المعلومات التي تتحدث عن وجود اتصالات بين المجلس الأعلى مع شخصيات قومية وأخرى بعثية من أجل إعادة دمجهم في العملية السياسية في العراق؟

- إن اللقاء بتنظيم «قطر العراق» لحزب البعث أو ما كان يسمى «بالبعث اليساري»، أو «البعث السوري»، الذي ينتمي إليه محمود الشيخ راضي، لم يتوقف ولم ينقطع منذ الثمانينات، والى يومنا هذا، لقاءاتنا القديمة كانت تستهدف العمل لإنقاذ الشعب العراقي من النظام الاستبدادي، فتنظيم «قطر العراق» قدم مئات الشهداء منذ مجيء «البعث الصدامي» في عام 1968، وكان من أوائل التنظيمات التي استهدفتها التصفيات وأعمال التعذيب، التي طالت الكثير من التنظيمات والتشكيلات، التي رفعت لواء مقاومة النظام السابق، وان هذه اللقاءات لم تنقطع بعد التغيير مباشرة والى الآن، والهدف منها التعاون لبناء العراق الجديد وتخليصه من الأوضاع المأساوية التي يعيشها، وقد حصلت التباسات كثيرة بعد التغيير بسبب حالة الخلط بين هذه التشكيلات، التي ضحت وقاتلت وبين تشكيلات النظام السابق، التي اضطهدت الشعب العراقي، والتي اصطلح عليها الدستور «البعث الصدامي» هذا من جهة، ومن الجهة الأخرى (هناك) الاختلاف ببعض تحليلات واستنتاجات إخواننا في تقويم الوضع الجديد، فلم يقدروا أن الأوضاع التي أعقبت 2003 وطبيعة النظام السابق وظروف مجيء القوات، ثم وجودها بات يتطلب نظرة جذرية للاستفادة من الظروف الجديدة، لإخراج العراق من أنظمة الأقلمة والتدويل والحصار والعقوبات وأحكام الفصل السابع والمديونية والتعويضات، التي صارت حاكمة ومقيدة للعراق، وها نحن فعلاً نسير نحو هذه المآلات التي طالما انتظرها شعبنا، وسنخرج إن شاء الله قريباً من أحكام الفصل السابع، وهو ما نبحثه مع كافة الدول المؤثرة، وكان موضوعاً رئيسياً في مباحثاتنا في فرنسا مع الرئيس ساركوزي خلال زيارتي الرسمية الأخيرة لهذا البلد. كما سيخرج آخر جندي أجنبي في المواعيد التي حددتها الاتفاقية، والأمر نفسه في العملية السياسية، ولن يستقر لنا بال حتى تعود الأوضاع الطبيعية إلى عراقنا الحبيب، ويجد كل مواطن ومن دون استثناء حقه ومكانه الطبيعي في ظل الدستور والقانون.

* هل صحيح أن من بين الشخصيات المرشحة للقائكم بها هي عبد الإله النصراوي واحمد الحبوبي؟

- إن عبد الإله النصراوي وأحمد الحبوبي من المناضلين الأعزاء، وان الأخ عبد الإله النصراوي يقود تياراً وتصدر له صحيفة في العراق، كما شاركت التشكيلات التي يقودها في انتخابات المحافظات الأخيرة، ونعتقد أن التيار القومي العربي له مكان بارز في العراق ومساحة يحتلها كما احتلها دائماً، وإننا نلتقي بين آونة وأخرى للتداول والتعاون والتساند، وهذا يجري بشكل دائم ومستمر.

* لماذا يسعى المجلس الأعلى إلى الاتصال بشخصيات بعثية وقومية، في الوقت الذي تتصاعد فيها الأصوات الرافضة لعودة حزب البعث المنحل إلى العملية السياسية؟

- لا نعتقد بوجود أية مشكلة مع القوى القومية، كان لـلمجلس الأعلى تعاون واسع سابقاً مع هذه القوى وهو مستمر على ذلك، إن التيارات السياسية تتقدم وتتراجع بمقدار مبادراتها وبرامجها، واعتقد أن فرص التيار القومي ما زالت قائمة، والأمر كله يعتمد على البرامج وطرق التعبئة وتجديد البنى مع الأوضاع والظروف الجديدة، أما فيما يخص «البعث» فيجب ألا يحصل أي التباس، «البعث الصدامي» فالموقف منه موقف أخلاقي ودستوري، ولا يستطيع احد العمل خلاف ذلك، إلا إذا غير الدستور والقانون ومزاج الشعب، وتبقى العناصر التي انتمت إلى حزب البعث الحاكم أو تلك التي عملت مع انشقاقات أو تشكيلات أطلقت على نفسها هذا الاسم، والموقف من هؤلاء موقف دستوري أيضا، ويجب عدم اللعب بالكلمات، فالدستور لم يعتبر مجرد الانتماء إلى حزب البعث جريمة بحد ذاتها، إضافة إلى أن القوانين السائدة عرفت «البعث» المقصود بإجراءات القوانين الصادرة سواء «الاجتثاث» أو «المساءلة» هو ذلك الحزب الذي تسلم السلطة في 1968، وحتى سقوط النظام في 2003، سنقف جميعاً بحسم ضد أية محاولة للعودة إلى الماضي أو أية خروقات للقيام بذلك، لكن سنقف بقوة من اجل تجاوز عداوات الماضي وإشاعة روح الإصلاح والتسامح، وبناء عراق جديد يقوم على القضاء والعدل والمواطنة.

* ما مدى صحة لقاء وزير المالية باقر جبر الزبيدي بعدد كبير من الشخصيات القومية القادمة من الولايات المتحدة وبعض العواصم العربية؟

- لم أطلع على تحركات الزبيدي، ولا شك عندي أن السياسة هي واحدة في المجلس الأعلى، وهي سياسة بجانبين كما ذكرت، الانفتاح الكبير من جانب لاحتواء كل من يؤمن بالعملية السياسية، والحزم الشديد ضد كل من يريد التآمر والعودة إلى الماضي البغيض.

* ما هو رأيك في مشروع المصالحة، هل حقق أهدافه المطلوبة؟

- لا شك أن مشروع المصالحة قد حقق أمورا ايجابية مهمة، وفتح نقاشاً مطلوباً لمعالجة أمور معقدة تراكمت خلال عقود من الزمن، تفعيل المصالحة يعتمد على طرفين إن صح التعبير وليس على طرف واحد، إنها مسؤولية جماعية، هل نريد كعراقيين أن نعيش في بلد مستقل غير تابع لأية قوة أجنبية إقليمية أو دولية، ويحكمه نظام ديمقراطي دستوري حقيقي وليس وهميا أو مصطنعا، أم أن البعض ما زال يحمل أوهاما ونظريات النخب وله تقويمات وأفكار صنف فيها مسبقاً الآخرين؟، إذا كان الجميع متفق على السيادة والديمقراطية والحياة الدستورية، فعلى الطرف الحكومي والقوى السياسية الداعمة له، وعدم وضع العراقيل الوهمية لعزل الآخرين، ومعالجة العراقيل الحقيقية بروح الانفتاح والصبر وسعة الأفق وتوفير اللغة والبيئة والوسائل لاحتواء جميع أبناء الشعب، عندما تمر الأمم بمثل هذه الظروف، فإن قرارات تاريخية لا تقف عند التفاصيل، بل تسعى لتكوين ثقة وروح جديدتين، فلا تخلط بين المسؤولين الكبار الذين قادوا إلى المآسي الكبيرة والجماعية وبين أعداد غفيرة أرغموا أو خدعوا أو أخطأوا، في العراق مررنا بمثل هذه الظروف وكم من مرة بعد أحداث في كردستان أو أجزاء أخرى من العراق، كان يصدر عفو عام على عناوين كاملة، من دون الوقوف إلى بعض الأعمال، التي يعاقب عليها القانون في ظروف أخرى، أتذكر ـ إن لم أكن مخطئا ـ أن الشهيد محمد باقر الحكيم قد طالب بشمول جموع البعثيين بالعفو العام، إلا طغمة صغيرة من المجرمين، إن النظام القوي الواثق من نفسه سيتكلم بلغة «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن» و«العفو عند المقدرة» و«عفا الله عما سلف»، وغيرها من موضوعات عظيمة حلت بها الأمم مثل تلك العقد التاريخية، فالعقاب المدروس المحدود حيث يجب، ليقابل ذلك الانفتاح الكامل لتعود للبلاد أجواؤها الصافية المتآخية، هذا الموقف يجب أن يلتقي بموقف مقابل، ليقر المعارضون ومن زال يعارض العملية السياسية والوضع الجديد، بان العودة إلى الوضع السابق أمر مرفوض، كما أن التحجج بالاحتلال وخروج القوات الأجنبية لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية، خصوصاً بعد أن برهنت الحكومة والقوى الوطنية أنها مصممة على غلق هذا الملف، بما يحقق كل ظروف السيادة والاستقلال، وخروج آخر جندي أجنبي وإخراج العراق من الفصل السابع، والانفتاح على الجميع، وضع الشروط واتخاذ التشكيلات السابقة أو النظام السابق كمرجعية معيارية تقاس عليها الشرعيات، أما فهذا أمر مرفوض، الشرعية الوحيدة هو ما تقرره صناديق الاقتراع والدستور، الذي يصوت عليه الشعب العراقي والتعديلات، التي يريد أن يجريها، الكل سيكسب إذا ما حسمت عوامل التوتر الداخلي وعاد الصفاء بين أبناء الشعب، هذه فرصة تاريخية لكل من يؤمن بسلطة الشعب وباستقلال العراق وسيادته وقدراته وحقه في العيش الحر الكريم، مع تأكيدي أن المستفيدين من بقاء أوضاع التوتر ما زالوا أقوياء، سواء لدى هذا الطرف أو ذاك ولأغراض شخصية أو لجهل قاتل.

* كيف تقيم مجالس الصحوات، والاعتقالات التي طالت بعض عناصرها واتهامهم بممارسة أعمال إرهابية؟

- حركة الصحوات هي أول من حرك العوامل الايجابية لتحسن الوضع الأمني، مواجهة القاعدة وطردها من معاقلها القوية لم يكن أمرا ممكناً من دون تحرك الصحوة. لكن النجاحات الأولى للصحوات الأصيلة قد تكون استغلت من قبل البعض، الذي تغطى بغطائها، وان أول واجب لقادة الصحوات الاصلاء هو التدقيق في هوية منتسبيها ومنتسبي الصحوات الأخرى التي أسست لاحقاً، قادة وأعضاء الصحوات الاصلاء يجب أن يقدروا ويكافأوا للخدمات الجليلة التي قدموها للبلاد، وان خلط الأوراق غير مقبول وإلا لن نعرف كيف نفرق بين العليل والصحيح.

* ما أسباب رفض المجلس الأعلى فكرة إنشاء مجالس إسناد في مدن الوسط والجنوب؟

- الأسباب واضحة وقد شُرحت في حينها، وقد برهنت تجربة الانتخابات الماضية أن تلك المجالس كان هدفها انتخابيا قبل أي شيء آخر، كما أن الغطاء القانوني للصرف المالي لم يكن واضحاً، وكذلك الغطاء الإداري والدستوري، لا يوجد لدينا موقف من عناصر هذه المجالس، بل إن كثيرا منهم هم أصدقاء ورجال أجلاء، ونعرفهم جيداً ونعرف وطنيتهم، المشكلة ليست في العناصر بل في الإطارات التي صممت عليها، والأهداف التي وضعت لها، إذا تغيرت هذه الأمور فليست لدينا أية مشكلة.

* باعتقادك ما أسباب التدهور الأمني الأخير في البلاد، سيما أن هناك من يتهم البعث والقاعدة وكذلك المعتقلين الذين أطلق سراحهم من قبل القوات الأميركية؟

- يمكن أن تكون العوامل المذكورة أعلاه، لكن إضافة إلى ذلك، اعتقد أن المعركة الأمنية لم تحسم بعد بشكل كامل، وان المعركة هي هجوم وهجوم مضاد، صحيح أن الدولة قد فرضت سلطتها وان تحسناً امنياً قد تحقق، وان نجاحات استراتيجية قد رسخت نفسها، لكن الطرف الآخر ما زال يمتلك إمكانات التحرك، خصوصاً انه يختار أهدافا سهلة يصعب الدفاع عنها، مثل الأسواق والتجمعات السكانية؛ لإيقاع اكبر أذى واضطراب وخوف ممكن، ويستخدم أقذر وأسهل الأسلحة ضد المواطنين العزل، مما يبين طبيعته المعادية لهذا الشعب، أية نظرية سياسية أو دينية يمكن أن تقبل مثل هذا السلوك؟، إن هذه الأساليب على قسوتها وأذاها وصعوبة مواجهتها هي من جعلت الشعب بملايينه الواسعة تقف ضد الإرهاب والتخريب، وهي التي تكذب الشعارات التي ترفعها هذه الفئة الباغية الضالة.