مسؤولون أميركيون: القاعدة تستأنف تهريب مقاتليها إلى العراق عبر الحدود السورية

أفادوا بأن أعداد الانتحاريين ارتفعت إلى 20 شهرياً.. وأن استخبارات دمشق على علم بهم

TT

في الوقت الذي كانت تعمد فيه إدارة بوش إلى مراقبة الهبوط الجذري في عدد التفجيرات الانتحارية بالعراق في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، غادر أربعة تونسيين موطنهم متجهين إلى ليبيا ومنها قصدوا سورية. وهناك، وفي مطار دمشق كان هناك من التقاهم، واصطحبهم إلى منزل آمن. وانقضت 6 شهور مضجرة، حتى اطمأن قادتهم إلى أنه من الآمن في الوقت الحالي نقلهم مرة أخرى، وفي أبريل (نيسان)، تم تهريبهم عبر الحدود العراقية، وفي غضون أيام، كان اثنان منهم من بين المفجرين الانتحاريين الذين حصدوا أرواح 370 عراقيًا على الأقل في موجة الهجمات، التي تمت على مدار الأسابيع العديدة الماضية. وحسبما أفاد مسؤول أميركي بارز، قدم للمحققين سردًا وافيًا عن سير رحلاتهم، اختفى التونسي الثالث، فيما تم إلقاء القبض على الرابع. وأكدت إفادته، التي تضافرت مع ما أشارت إليه مصادر أخرى في الولايات المتحدة والمخابرات العراقية، ما يشك فيه المسؤولون الأميركيون، الذي يشير إلى أنه وبعد فترة طويلة، عاد الممر السوري الذي يديره تنظيم القاعدة إلى العمل من جديد.

وبدا أن استئناف نشاط الممر الأنبوب السوري لنقل الإرهابيين عاد من جديد، في الوقت الذي تتحسس فيه إدارة أوباما حوارًا دبلوماسيًا جديدًا مع سورية. وفي ذات الوقت، ما زال القلق يعتري واشنطن من الأنشطة السورية، بما فيها الدعم الجاري لجماعتي حزب الله وحماس المسلحتين، بالإضافة إلى الأنشطة الأخرى المتعلقة بالعراق.

وفي يوم الأربعاء، وصل جيفري فيلتمان، نائب مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، ودانيال شابيرو، مسؤول مجلس الأمن القومي، إلى سورية في الزيارة الثانية لهما إلى البلاد، منذ تولي باراك أوباما مقاليد الحكم، ومع ذلك، وبعد مرور يومين، جددت الولايات المتحدة عقوباتها المفروضة على سورية، متهمة دمشق بالوقوف وراء الإرهاب في الشرق الأوسط، وتقويض الاستقرار العراقي. وقال روبرت وود، الناطق باسم الخارجية الأميركية، عن تجديد العقوبات: «أعتقد أن ذلك يرسل رسالة مفادها، أن لدينا بعض المخاوف الخطيرة للغاية في دمشق للحديث عنها، فكيف يمكننا أن نحمل سورية على تغيير سلوكها، وأن نرى عزمها فعليًا على الانخراط الجدي في الحوار، وأن يكون لها دور إيجابي في الشرق الأوسط؟» من جانبها، لم تقدم حكومة دمشق أي تعليق يُذكر على زيارة فيلتمان وشابيرو، كما باءت جميع المحاولات الرامية إلى الوصول للسفارة السورية في واشنطن الجمعة، قبل أن تغلق أبوابها لعطلة نهاية الأسبوع، بالفشل. جدير بالذكر أن إدارة بوش قد دأبت على انتقاد سورية؛ لسعيها إلى نقل المحاربين الأجانب إلى الأراضي العراقية، مشيرة إلى أن حكومة الرئيس بشار الأسد «الشمولية» متورطة في عمليات التهريب تلك، ومع ذلك، ما زال مسؤولو الجيش والاستخبارات الأميركية يفتقرون إلى اليقين فيما يتعلق بذلك. ويقول مسؤول عسكري أميركي بارز، تحدث عن بعض القضايا والأمور الاستخباراتية الأسبوع الماضي من دون الكشف عن هويته «ما نفكر فيه حاليًا، هو أننا لا نعلم إلى أي درجة يعلم قادتهم البارزون عن شبكة المقاتلين الأجانب، وكما تتصورون، لو كانوا يعلمون، فإنه ليس بالأمر الذي يمكنهم الحديث عنه». وأضاف المسؤول: «نعتقد أن العلم بهذه الشبكات موجود، حتى ولو داخل المجتمع الاستخباراتي السوري على الأقل، أما لأي مستوى (يعلمون)، سواء كان قليلاً أو كثيرًا، فما زلنا لا نعلم حتى الآن». وفي نفس السياق، أخبر الجنرال ديفيد بترايوس، قائد القيادة المركزية الأميركية، الكونغرس في وقت سابق من الشهر الماضي، أن ممر ضخ المقاتلين من سورية إلى العراق «عاد ثانيةً». من جانبه، أكد الجنرال راي أوديرنو، القائد العسكري الأميركي بالعراق، الجمعة أن «بعض عناصر المقاتلين الأجانب مستمرين في التدفق عبر سورية»، إلا أن المسؤولين كانوا حذرين من عدم اتهام دمشق بدعم عمليات التهريب هذه، واستطرد أوديرنو أن لدى سورية «الفرصة» لإيقاف هذا، ودعا الحكومة السورية إلى «إيضاح التزامها بإيقاف استخدام أرضها كمنصة انطلاق». وأفاد أوديرنو، في مؤتمر صحافي، بأن مجمل العنف في العراق «الذي في أدنى مستوى له، أو أنه يقترب من ذلك منذ صيف 2003، يذكرنا جميعًا بحقيقة أن الموقف ما زال هشًا في بعض المناطق». وأضاف، أن «الهجمات الخطيرة» داخل وحول العاصمة بغداد، والموصل مخطط لها «لجذب الانتباه، وإشعال النزاع الطائفي» في الوقت الذي تعد فيه الولايات المتحدة للانسحاب من كافة المدن العراقية بحلول هذا الصيف، والانسحاب تمامًا من البلاد مع نهاية العام المقبل. ويعتري الجيش على وجه الخصوص قلق بالغ من المنطقة المحيطة بالموصل، في الشمال الغربي بالقرب من الحدود السورية، التي يصفها المسؤولون بأنها المعقل الأخير لقوة القاعدة بالعراق، واتهم كل من المسؤولين الأميركيين والعراقيين الجماعة السنية بالتورط في جميع الهجمات الأخيرة، والمرتكبة في الأحياء والأضرحة الشيعية. وأوضح المسؤول العسكري البارز، أن تدفق المقاتلين الأجانب عبر سورية وصل إلى ما بين 80 ـ 100 في الشهر، خلال منتصف عام 2007، وأن أغلبهم كانوا من «الشهداء» الانتحاريين المحتملين، الذين كان يتم تجنيدهم كثيرًا من المجتمعات المتطرفة في شمال أفريقيا، والمواقع والشبكات الجهادية في الخارج. ومع ذلك، تحسن الوضع الأمني بصورة عامة نهاية هذا العام، وبدأت هذه الأرقام في الهبوط، ومع زيادة القوات الأمنية والعراقية للمعايير الأمنية، بالتزامن مع الانتخابات العراقية في شهر ديسمبر (كانون الأول)، وصلت عمليات نقل وتهريب المحاربين إلى أدنى معدلاتها. وأفاد المسؤول بقوله: «مضت علينا فترة بعد الانتخابات مباشرة، شهدنا فيها دفع أقل من نصف دزينة من المحاربين الأجانب عبر الشبكة، ومن المحتمل أن يكون العدد أقل من ذلك أيضًا خلال يناير (كانون الثاني)، وفبراير (شباط)». وأشار إلى أن العدد ارتفع منذ فترة قريبة إلى 20 في الشهر، ونوهت المصادر الاستخباراتية المتنوعة بازدياد «نداء الدعوة» للمحاربين الأجانب، وقال المسؤول إن زعامة القاعدة بالعراق تحدد «الظروف المواتية التي يمكنها فيها إدارة الهجمات، وسيتحدثون إلى ميسري تلك الإجراءات الخاصين بهم، ويطالبونهم بإرسال المفجرين، ويطالبونهم بالإمدادات». وقال المسؤول، ودعمه مسؤولون آخرون، إن الأمن على طول الحدود العراقية السورية وفي نواح أخرى قد تدهور منذ الانتخابات، وأكدوا على أن النقص المزمن في الوقود، الذي يُمكن شرطة الحدود من القيام بدوريات لأسابيع في وقت واحد، والفساد المتفشي بين الضباط ذوي الرتب الكبيرة، أديا إلى إعاقة تعطيل جهود قطع الإمدادات عن الإرهابيين، وأجبر نقص الموازنة العراقية، المتقلصة نظرًا لتهاوي أسعار النفط، وزارة الداخلية في الشهور الأخيرة على تقليص مخصصاتها الخاصة بوقود فرق شرطة الحدود إلى النصف. وأخبر العقيد نوات سالار، قائد فرقة شرطة الحدود العراقية المتاخمة للحدود السورية، جنرالاً أميركيًا خلال زيارة أخيرة أن «بمقدورهم مباشرة الدوريات لمدة 15 يومًا فقط». في غضون ذلك، أشار المسؤول الأميركي البارز إلى أن الاحتراز العراقي انخفض بصورة عامة بعد الانتخابات، وبات ممكنًا للقاعدة في العراق «إعادة بناء شبكتها». وقال: «صراحة، لا يمكنك أن تبقى في حالة تأهب واستنفار 100% على امتداد 100% من الوقت، إذ يتيح هذا للعدو فرصة تحديد الثغرات ونقاط الضعف».

* ساهم المراسل إرنيستو لندونو من بغداد في إعداد هذا التقرير.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»