الطرفان الشيعيان «سمن على عسل» في العلن.. وتنابذ في الخفاء

لبنان: طغيان لحضور حزب الله على حساب حركة «أمل».. وتبني أي مرشح للحزب يخضع لمرجعيته العليا في الخارج

TT

«أنا معك وسيفي على رقبتك». بهذه العبارة يلخص شاب من قرية في جنوب لبنان العلاقة بين القوتين الشيعيتين الرئيسيتين «حركة أمل» وحزب الله، ليضيف: «إذا أردنا أن نتكل على ما نراه في وسائل الإعلام لحسبنا أن الحزبيين والحركيين أحلى من السمن على العسل. لكن إذا أردنا أن نتكلم عن واقع الحال فلا بد من القول إن العلاقات على الأرض يسودها تنافس مستمر ومكبوت. قد يتوحد الطرفان عندما تصبح الهجمة شرسة من الأكثرية، كما حصل بعد العدوان الإسرائيلي وخلال الاعتصام وأحداث 7 مايو (أيار). لكن عدا ذلك تبقى العصبية بين الطرفين موجودة». وعندما نسأله عن حضور المرشحين لدى كل من الطرفين في الانتخابات النيابية التي ستجرى في السابع من يونيو (حزيران) المقبل، ومدى تأثير شخصية كل مرشح وأسباب اختياره، يجيب ضاحكا: «مش مهم. لو ترشح جدْي على اللائحة المشتركة لـ(أمل) وحزب الله سيفوز بالتأكيد». ويضيف: «أهالي جنوب لبنان يعرفون أن اختيار المرشحين يخضع للعلاقات الخاصة لكل منهم بشكل أو بآخر. رئيس مجلس النواب نبيه بري يختار المرشحين الذين يستطيع أن يثق بأنهم لن ينفضّوا عنه تحت أي ظرف. أما في الحزب، فالعلاقات والقرابة تفعل فعلها، مع الإشارة إلى أن كل مرشح يتم تسويقه يجب أن يحظى برضا المرجعية العليا للحزب والتي توجد خارج لبنان».

يصعب الحصول على «متبرع» يتحدث عن الحضور الشعبي لكل من حزب الله وحركة «أمل» في صفوف الشيعة اللبنانيين. العالمون بالأمور يصمتون عندما تسألهم عن الطرف الذي يميل إليه المزاج الشعبي الشيعي في لبنان. هذا الصمت لا يدوم طويلا ليقترن بالطبع بعبارة «من دون أسماء. رجاء لا نريد أي إحراج». أما سبب الإحراج فيعود إلى شبه إجماع على أن ميزان القوى الشيعية يميل إلى حزب الله بفارق كبير عن حركة «أمل».

السبب الأول لهذا الميل هو الشعور الغريزي بالقوة والسلطة الذي يمنحه الحزب لعامة الشيعة. يقول مقرب من حزب الله: «الحزب دافع عن الشيعة أينما وُجدوا. أعطانا السلطة والكرامة. سلاحه يخيف الجميع. النائب وليد جنبلاط غيّر مواقفه كلها عندما شعر بخطر سلاح الحزب عليه. وإذا نزع منه سلاحه ستنقض علينا الطوائف الأخرى. نحن لا نثق إلا في الحزب».

هذه القوة المنبثقة من السلاح والعقيدة والكرامة هي السند الأساسي للحزب. يقول المقرب غير الملتزم: «السلاح أمّن لنا استمرارنا رقما صعبا داخل القرار اللبناني. ونحن نستحق حجما أكبر من حجمنا الحالي». يفسر أحد المفكرين الشيعة هذا الطرح فيقول: «كلما اشتد الهجوم من الكتل والطوائف اللبنانية على حزب الله انتشى اللاوعي الشيعي. وكلما حاول أي شيعي أن يقوّض نفوذ الحزب يجب أن يجابه بحزم، كما حصل مع المرشح أحمد الأسعد. فأهالي الجنوب يعرفون أن حضوره على الساحة الانتخابية لا يشكل تهديدا فعليا. لكن الحزب يعتبر أن من يجرؤ على الدخول إلى الجنوب مع خطاب انتقادي يتناول الدور الإيراني يجب أن يُقمع حتى لا يشكّل سابقة، ما قد يؤدي إلى استسهال الأمر من قِبل آخرين. الحزب لا يقبل النقد، حتى لو كان لطيفا كما كانت الحال مع رئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني. لذا تم استبدال النائب السابق عاصم قانصوه من حزب البعث به».

مرشح شيعي مستقل يقول: «يجب أن نصدق ما يقوله قادة (14 آذار) عن أن حزب الله يريد المثالثة مهما سعى نوابه ومسؤولوه إلى نفي الأمر. هو يعتقد أن حجمه الحقيقي يجب أن يترجم في الدستور اللبناني، ولا يستطيع أن يصل إلى هذا الهدف دون غطاء مسيحي. من هنا الدور الكبير لرئيس تكتل (التغيير والإصلاح) النائب ميشال عون الذي بدأ ينادي بالجمهورية الثالثة، أي بتغيير الدستور، لأن الجمهورية الأولى كانت عند استقلال لبنان. والجمهورية الثانية جاءت مع اتفاق الطائف. والجمهورية الثالثة ستأتي بالمثالثة. وقد تطرق إلى هذا الأمر مرشح الحزب نواف الموسوي عندما قال قبل أيام: (إذا كان اتفاق الطائف لا ينص على المثالثة فهو لا ينص على الثنائية). أما مرشح التيار الوطني الحر الذي يرأسه عون، حكمت ديب، فقد صرح بدوره أن هناك فئة في لبنان لم تأخذ حقها منذ عقود. ويجب أن تأخذ هذا الحق».

ماذا عن حركة «أمل»؟

يجيب المرشح المستقل: «الحركة ليست مؤسسة يمكن اختصارها في رئيسها نبيه بري. فالمعروف أن جمهور الحركة لا يتصرف انطلاقا من عقيدة آيدلوجية كما هو جمهور الحزب. بري بات شديد الضعف إلى درجة أنه لا يمكن أن يلعب دورا مؤثرا. لذا يحاول أن يخوض معركة تعويضية في جزين. أما إذا أراد أن ينقلب على الحزب فلن يجد خلفه أحدا» ليسأل: «لماذا يريد بري موازنة مالية ضخمة لمجلس الجنوب؟». ثم يتولى الإجابة فيقول: «الجواب بسيط. لأنه يريد منافسة الحزب الذي يغرق الجنوبيين بالمال من خلال الجمعيات والمدارس والخدمات الطبية وما إلى ذلك».

ربما يبالغ المرشح الجنوبي. لكن الأكيد أن حضور حزب الله يسبق بمسافة كبيرة حضور حركة «أمل». وفيما يشير البعض إلى أن النسبة تبلغ ما يقارب 20% للحركة مقابل 80% للحزب، يعتبر البعض الآخر أن النسبة هي 34% للحركة و45% للحزب، إضافة إلى المستقلين. لكن الرؤية العلمية تفرض طرحا بعيدا عن الأرقام لتشير إلى أن حجم كل من الفريقين الموحّدين انتخابيا منذ عام 1992 يبرز لدى افتراقهما ليتواجها في الانتخابات البلدية. فالنتائج تدل أن لحزب الله وجودا مضاعفا عما هو لحركة «أمل» في البلديات الجنوبية، وذلك انطلاقا من الانتخابات التي جرت عام 2004. أما بعد العدوان الإسرائيلي في يوليو (تموز) 2006 فقد تغيرت المعادلة ونمت قدرة حزب الله المالية والعسكرية، كما تعزز حضوره السياسي بقوة الأمر الواقع.

هذا الطرح يجد من يرفضه ليشير إلى أن «الحضور النيابي ليس واضح الحجم. هو ليس زعيما شيعيا فقط. هو زعيم وطني بامتياز. وتوافقه مع الحزب لا ينطلق من الضعف كما يدّعي البعض. هناك من يشير إلى أنه يخوض معركة جزين مسيحيا وليس فقط شيعيا. والجهل بحجم بري يعود إلى أنه لم يخضع لامتحان منذ عام 1992. الحزب يعرف أن بري حاجة لا بد منها لشرعنة الكثير من مواقفه. فمسؤولو الحزب يحسبون حساب السمعة الشيعية بشكل عام ويعرفون أن اللعب مع بري ليس محمود النتائج». ويذكّر أصحاب هذا الطرح بمعارك إقليم التفاح أواخر الثمانينات من القرن الماضي التي أرست معادلة إطلاق يد الحزب في المقاومة مقابل إطلاق يد بري في السلطة. ويبدو أن الحزب تجاوز هذه المرحلة ليسأل عن حصته في السلطة، لا سيما بعد خروج الجيش السوري من لبنان. هذا الأمر أدى إلى تباين لا يمكن كتمه بين الطرفين. إشارات هذا التباين كانت تبرز في معارك الجامعة اللبنانية، وتحديدا كلية الحقوق والعلوم السياسية، ولا تزال. في البقاع الأمر يختلف. ووجود الحزب هو الطاغي. وقد بدأ يظهر تدريجا منذ عام 1982 بعد الاجتياح الإسرائيلي وانطلاق عمل المقاومة الإسلامية. البوادر كانت مع انسحاب كوادر الحركة للالتحاق بالحرس الثوري الإيراني الذي كان ينظم عمل المقاومة الإسلامية قبل أن تتبلور هيكلية حزب الله. المرشح الحالي حسين الموسوي الذي كان مسؤولا في الحركة، كان أول المنسحبين وتبعه مصطفى الديراني والشيخ أديب حيدر. منذ تلك المرحلة بدأت حركة «أمل» تفقد حضورها في البقاع، ليحاول بري تعويضها في الجنوب. ويروي البعض أن هذا الواقع دفع ببري إلى طلب عقد اتفاق مع الحزب عشية الانتخابات النيابية عام 1992 بعدم استيراد كادرات الحركة، الأمر الذي التزم به الحزب. لكن إلى متى؟ الجواب قد يأتي بعد الانتخابات النيابية.