متحف مخدرات بالمكسيك يحكي قصة تجار يمتازون بالعبقرية وعسكريون يفوقونهم ذكاء

استخدم في تعليم الجنود.. ومغلق في وجه العامة

مسدس يطلق عيارات نارية قادرة على اختراق المدرعات من معروضات المتحف
TT

يعتبر «متحف المواد المخدرة» في المكسيك، الذي يجري استخدامه في تعليم الجنود ومغلق في وجه العامة، شهادة قوية على القدرة الكبيرة على الابتكار والموارد الضخمة التي يتمتع بها تجار المخدرات في إطار الحرب الدائرة بينهم وبين سلطات فرض القانون. تراود كابتن الجيش كلوديو مونتاني الرغبة في توضيح أمر واحد من البداية: أن هذا المكان ليس متحفا للمواد المخدرة، بمعنى أن الهدف من ورائه ليس إضفاء هالة من التمجيد حول تجار المخدرات. وقال مونتاني، خلال الجولة الافتتاحية لمجموعة عسكرية أطلق عليها رسميا «متحف المواد المخدرة»: «يتمثل هدف المتحف في إظهار للمكسيك والعالم بأسره الجهود والنتائج الطيبة التي حققناها». ولكن بعد قضائك ساعتين في تفحص المعروضات مع مونتاني، وهو يرتدي زيه الرسمي وحذاءه اللامع، لن يسعك سوى التساؤل فيما بينك حول ما إذا كان من الأفضل اختيار اسم آخر للمتحف، بحيث يصبح «متحف حرب المكسيك الطويلة وغير المحسومة بعد ضد تجار المخدرات القادرين باستمرار على التوصل إلى سبل جديدة ماهرة لتوفير إمدادات المخدرات للولايات المتحدة».

يسلط المتحف الضوء على الدور الذي اضطلع به الجيش على امتداد 33 عاما في هذه الحرب، علاوة على كونه دليلا قويا على ما يتمتع به تجار المخدرات من قدرة هائلة على الابتكار وموارد كبرى. وتنوعت أساليب تجار المخدرات ما بين استخدام شبه غواصات وتسريب الكوكايين الكولومبي سرا عبر البحر واستخدام أعيرة نارية قوية قادرة على اختراق المدرعات، مما يؤكد أن عصابات التهريب تمثل خصما لديه القدرة على اكتساب مزيد من القوة يوم بعد يوم. ويضم المتحف قسما كاملا يضم مجموعة من المنتجات الصناعية التي تم ضبطها عبر الحدود ـ بينها كعكة محلاة لا يبدو عليها أي مؤشر يثير الريبة وكعكة «إمبانادا» اتضح أنها ممتلئة بالمخدرات ـ مما يعد شهادة بحق جنود يتميزون بقدر عال من اليقظة، لكنه في الوقت ذاته يثير تساؤلا حول حجم الكميات التي نجح التجار في تهريبها. وفي هذا الصدد، أكد مونتاني أن: «تجار المخدرات يمتازون بالعبقرية. لكن العسكريين يفوقونهم ذكاء». يذكر أنه قبل توليه مسؤولية إدارة المتحف، عمل مونتاني في الجبهة الأمامية في الحرب الدائرة ضد تجارة المواد المخدرة. والواضح أن هذا المتحف يختلف تماما عن أي متحف عادي، فعلى سبيل المثال، غير مسموح للعامة بالدخول إليه. يوجد مقر المتحف في الطابق السابع من مبنى وزارة الدفاع المكسيكية بالمدينة، ويجري استغلاله في تعليم وتوجيه الأفراد العسكريين بشأن تجارة المخدرات التي أوكلت إليهم مسؤولية مكافحتها. تم تشكيل هذه المجموعة عام 1985، في وقت كان يجري الاعتماد على قوات الجيش بصورة رئيسية في القضاء على محاصيل الماريجوانا والخشخاش عبر اجتثاثها من جذورها وحرقها. إلا أن المعروضات التي يضمها المتحف تحمل أهمية الآن أكثر من أي وقت مضى، مع اضطلاع المؤسسة العسكرية بدور أكبر في الحرب ضد المخدرات أكثر عن أي فترة سابقة من تاريخها. من جهته، نشر الرئيس المكسيكي فيليبي كالديرون 45.000 جندي بمختلف أرجاء البلاد منذ إعلانه الحرب ضد عصابات الاتجار بالمخدرات في ديسمبر (كانون الأول) 2006. وشكلت تلك الفترة حقبة دموية في تاريخ البلاد، حيث اندلعت الصدامات بين الجنود وتجار المخدرات، وبين عصابات الاتجار في المخدرات المتناحرة، مما أسفر عن سقوط ما يزيد على 10.000 قتيل. يذكر أنه عند مدخل المتحف توجد لوحة معدنية معلقة تتضمن الخسائر في صفوف المؤسسة العسكرية منذ ديسمبر (كانون الأول) 2006، والتي بلغت 99 قتيلا من الضباط والجنود. وبوجه عام، يروي المتحف قصة معركة أشبه بتلك التي تدور بين القط والفأر، تمتد جذورها إلى فصول التاريخ الأولى، حيث استخدم أبناء المكسيك مخدر البيوت وأنواع من الفطر تحوي مواد مسببة للهلوسة في طقوس خاصة. ولاحقا، قدم بحارة إسبان إلى البلاد حاملين بذور الماريجوانا، وأحضر تجار صينيون برفقتهم الخشخاش إلى المناطق المكسيكية المطلة على المحيط الهادي. ويكشف المتحف الحملة العالمية لوقف تداول المواد المخدرة غير القانونية. وفي إطار إحدى الخرائط المهمة، تشير الأسهم إلى الطرق التي تتداخل عندها العديد من الطرق التي تسلكها عصابات الاتجار بالمخدرات داخل الولايات المتحدة. وتوجد بالمتحف معروضات أخرى توضح معامل سرية لإنتاج الهيروين، ونماذج لمروحيات عسكرية تحوم فوق فرق تنفيذ عمليات إبادة محاصيل المواد المخدرة، وصورا تكشف كيف ساعدت سنوات طويلة من الممارسة القائمين على زراعة المخدرات بتحقيق غلة أكبر من حقول الماريجوانا والخشخاش بحلول الثمانينيات، عندما ازدهرت تجارة المخدرات داخل المكسيك. وفي إحدى قاعات المتحف، يوجد نموذج بالحجم الطبيعي لمزارع يحمل سلاحا ويقف متأهبا للحراسة داخل معسكر بدائي خاص بتجار مخدرات به جهاز اتصال لاسلكي خاص بالشرطة وتمثال نصفي ليسوع مالفريدي، الشخصية الأسطورية التي يعدها تجار المخدرات واحدا من القديسين. وتوجد لوحة قريبة تحمل عبارات تشير إلى عرض رشاوى وإصدار تهديدات. تضمنت إحدى العلامات عبارة: «أنا قريب للغاية»، بينما ذكرت عبارة أخرى «أنت محاصر. إذا قطعت النبات، لن تخرج من هنا حيا». إلا أنه من المحتمل أن تكون قاعة «ثقافة المخدرات» المفضلة لدى جمهور الزائرين، حال السماح للعامة بدخول المتحف، حيث تظهر هنا معروضات تكشف لمحة من حياة كبار تجار المخدرات، مثل هواتف نقالة مرصعة بالمجوهرات ومسدسات ذهبية وسترات واقية ضد الرصاص. وأوضح مونتاني أن المعروضات تكشف: «البذخ الذي يستغلونه لإبهار الجماعات المنافسة لهم والسلطات». من بين المعروضات المبهرة للغاية مسدس طراز Colt 38 Super مطلي بالذهب ومرصع بأحجار صغيرة حمراء وخضراء اللون ومحفور عليه تاريخ استقلال المكسيك: 16 سبتمبر (أيلول) 1810. (من يمكنه إذن اتهام تجار المخدرات بانعدام الشعور الوطني؟) ويضم المتحف مسدسا آخر صادرته السلطات العام الماضي عند إلقاء القبض على أحد لوردات المخدرات المشتبه فيه، ألفريدو بيلتران ليفا، وهو مسدس مرصع بالزمرد وبه نقش يحمل صورة الزعيم الثوري فرانسيسكو بانشو فيلا وحكمة تقول: «أفضل الموت واقفا على قدمي عن الحياة جاثيا على ركبتي». وتثير الإغراءات التي تنطوي عليها المخدرات وامتدادها إلى داخل التيار الرئيسي من الثقافة المكسيكية وتوارثها من جيل لآخر قلق مونتاني ـ والكثير من المسؤولين. وعلى الجدار بالقرب من باب الخروج من المتحف، توجد صورة قال مونتاني إنه تمت مصادرتها خلال غارة ضد منزل أحد تجار المخدرات، تضم صورة طفل صغير يبلغ قرابة العام جالسا على الأرض، وقد تمت تغطيته في محاولة للتمويه، بينما تحيطه مجموعة من الأسلحة كما لو كنت لعبه المفضلة.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»