استطلاعات الرأي ظاهرة إعلامية تتنامى مع اقتراب موعد الانتخابات

القانون اللبناني يحظر نشرها في الأيام العشرة السابقة للانتخاب

TT

باتت استطلاعات الرأي أحدث صيحات الانتخابات البرلمانية اللبنانية لـ«موسم» 2009. ذلك أن البلاد تشهد فورة في إنشاء مكاتب الإحصاءات المهتمة بإصدار أرقام مرفقة بتحليلات تروج لهذا الطرف أو ذاك. أرقام يتسلح بها السياسيون وتشغل الشاشات اللاهثة وراء جذب أعلى عدد ممكن من المشاهدين. ولعل فيض المندوبين المنتشرين لملء الاستمارات في الدوائر التي ستشهد تنافسا حادا بين المرشحين، خير دليل على هذا الأمر. لكن ذلك لا ينفي وجود عدد، وإن كان محدودا جدا، من الشركات التي تتبع معايير علمية تتوخى عبرها الصدق والأمانة في الوصول إلى المعلومات، خصوصا لدى تحديدها حجم العينة المدروسة وطريقة توزعها.

وإذا كانت استطلاعات الرأي عادة مألوفة ترافق مرحلة الانتخابات في الغرب، فإنها «موضة» جديدة في لبنان. وإذا كان المسؤولون في الغرب يلجأون إليها للوقوف على توجهات الرأي العام، فكيف ينظر إليها اللبنانيون، سياسيين وناخبين؟ ما أهميتها؟ وهل تساعد في قيام بعض اللوائح وصياغة الخطاب السياسي؟

بداية، لا بد من الإشارة إلى أن قانون الانتخابات الحالي تطرق في مادته الـ74 إلى «عمليات استطلاع الرأي أثناء الحملة الانتخابية»، موكلا إلى «هيئة الإشراف على الحملة الانتخابية» التي تتبع وزارة الداخلية تحديد «الشروط والأصول التي يخضع لها نشر نتائج استطلاع الرأي أو بثها أو توزيعها أثناء الحملة الانتخابية. وتكون لها الصلاحيات الكاملة للتحقق من مطابقة استطلاع الرأي للقوانين والأنظمة ولقرار الهيئة». واشترطت المادة المذكورة «أن يرافق إعلان نتيجة استطلاع الرأي أو نشرها أو بثها أو توزيعها» ذكر «اسم الجهة التي قامت بالاستطلاع والجهة التي طلبته ودفعت كلفته وتواريخ إجراء الاستطلاع ميدانيا وحجم العينة المستطلع رأيها وطريقة اختيارها وتوزيعها والتقنية المتبعة والنص الحرفي للأسئلة المطروحة وحدود تفسير النتائج ونسبة هامش الخطأ فيها». والاهم انها حظرت «خلال العشرة أيام التي تسبق يوم الانتخاب ولغاية إقفال كل صناديق الاقتراع نشر أو بث أو توزيع كل استطلاعات الرأي والتعليقات عليها».

وهذا ما أثار حفيظة عدد من الخبراء في هذا المجال، فرئيس «مركز بيروت للأبحاث والمعلومات» عبدو سعد أكد انه ليس «مستعدا لإعطاء أي معلومات مجانية عن طريقة توصلي إلى المعلومات. لن أزودهم الاستمارة لكن لا مانع من عرض المنهجية التي اتبعت وحجم العينة. وهذه عادة ما تؤلف 1% من عدد المقترعين». وفيما قال إن «الشيء الايجابي الوحيد في قانون الانتخاب هو حظره نشر الاستطلاعات قبل الانتخابات»، فضل أن «تكون المهلة ثلاثة أيام لا عشرة». من جهته، قال محمد شمس الدين من المؤسسة «الدولية للمعلومات» إن قانون الانتخابات «يتطرق إلى كل شيء من دون ان يقول شيئا، والشروط التي نصت عليها المادة 74 بديهية ولا مانع لدينا من ابراز الاستمارة، لكن حظر نشر الاستطلاعات خلال الايام العشرة التي تسبق موعد الانتخابات أمر سخيف. فماذا لو نشرت الاستطلاع وسيلة إعلامية غير لبنانية؟ كذلك ان الهيئة لا قدرة لها على مراقبة الاستطلاعات». أما المدير العام لشركة «ستاتستكس ليبانون» ربيع الهبر فقال: «اعتقد انه يجب السماح للخبراء في الاستطلاعات بالإطلال إعلاميا، إنما من دون نشر معلومات أو أرقام محددة. في أي حال، لا مشكلة لدينا لأننا مستعدون للتضحية بالأيام العشرة التي تسبق موعد الانتخابات». وقد أجمع هؤلاء الخبراء على ارتفاع «ظاهرة فتح مكاتب استطلاع ظرفية ولأغراض انتخابية».

وأوضح سعد أن «الاهتمام باستطلاعات الرأي بدأ في عام 2005 إنما بشكل خجول، لكنه تعزز في انتخابات المتن الفرعية في عام 2007، واليوم يقبل عليه السياسيون بشكل متزايد». ولفت إلى ان «الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، استعان بسؤال ورد في استطلاع أجريته بعد أسبوع من اغتيال الحاج عماد مغنية ونال نسبة عالية من التأييد بين الطوائف اللبنانية المختلفة وهو: هل تؤيد إسقاط النظام الصهيوني؟ ودعا في خطابه هذا إلى الاستناد إلى الاستطلاعات للوقوف على توجهات الرأي العام وتبعه سياسيون آخرون. وأخذ دور الاستطلاعات يتعزز خلال الأزمة التي بدأت تشتد بين فريقي الموالاة والمعارضة في السنوات القليلة الماضية». وحول هذه النقطة أبدى شمس الدين استغرابه كيف ان «حزب الله يطالب بالاحتكام إلى الشعب فيما يمنع إجراء استطلاعات الرأي في مناطق انتشاره».

لكن سعد لم يخف امتعاضه من أن «السياسيين يشوهون سمعة الاستطلاعات وصورتها خصوصا حين تأتي نتائجها مخالفة لرغباتهم، فيبدأون برمي الارقام جزافا. فهم يسخرونها أحيانا كثيرة لتبرير تصرفات معينة حتى صارت مخارج ديمقراطية لهم». لكنه لفت إلى ان «الكثير من اختيارات المرشحين داخل كل حزب او تيار سياسي، تمت وفقا لاستطلاعات رأي أجريتها بناء على طلب بعضهم. وهذا يمثل اعترافا بهذه المهنة التي تستند إلى أسس علمية وموضوعية في مراحلها المختلفة».

هذه الايجابية خالفها شمس الدين الذي أكد أن «ثقافة استطلاع الرأي غائبة لدى المرشح والناخب على السواء. وإذا بدأت الاستطلاعات تشيع في 2005، فهذا لا يعني ان المشاركين فيها يؤمنون بها. فقبل سنة ونصف السنة أجرينا استطلاعا سألنا فيه الناس عن مقدار ثقتهم بنتائج الاستطلاعات فأتت النتيجة سلبية». ورد «اللامبالاة هذه» إلى «غياب القدرة على محاسبة المسؤولين، ففي الغرب تعدل الحكومات سياساتها تبعا لتوجهات الرأي العام، لكن هذا مستحيل في لبنان».

وأوضح أن «زيادة الطلب على استطلاعات الرأي، سببها الإقرار المبكر لقانون الانتخاب وتصغير الدوائر وغياب المحادل والبوسطات بنسبة كبيرة وزحمة المرشحين، فضلا عن فيض الاموال. لا بل إننا لاحظنا انتشار مكاتب ظرفية أنشئت لأغراض انتخابية، تعمل على اجراء استطلاعات هدفها دعائي ترويجي لا أكثر، وينتهي عملها مع انتهاء الانتخابات. وهذا يؤكد ان المسؤولين يستخدمون الاستطلاعات لتبرير بعض خياراتهم في اختيار المرشحين». وفيما شكا الهبر من «انتشار شركات الاستطلاع غير المهنية» أقر بمكانة الاستطلاعات معتبرا انها «تشكل عاملا أساسيا في تشكيل اللوائح وتحديد التحالفات التي تأخذ في الاعتبار ما يسمى الأشخاص الرافعة أي من يتمتعون بقدرة كبيرة على دعم اللوائح عبر تجيير الأصوات. وفور تشكيل اللوائح ننتقل إلى مرحلة استطلاع الأشخاص واللوائح».

أما شمس الدين فأكد أن «الاستطلاعات الخاصة بالانتخابات لا تعكس نتيجة حاسمة إلا إذا أجريت قبل فترة وجيزة من موعد الانتخابات».

وفي هذا الإطار أشار سعد إلى أن النتائج «تنقلب رأسا على عقب اذا وفد عدد كبير من المغتربين للاقتراع الذين يمكن ان يفدوا في رحلات تشارتر (مباشرة)».

ماذا عن نشر الاستطلاع؟ هنا اختلفت الآراء إذ لم يبد سعد وشمس الدين أي تحفظ عن هذا الامر ذلك ان «المعلومات ملك الزبون، ولا تنشر الا بناء على طلبه شرط ان يتقيد بالنص الحرفي الذي زودناه إياه لأننا لسنا مستعدين للمجازفة بسمعة مؤسستنا»، كما قال شمس الدين مشيرا إلى ان «احد المرشحين في دائرة بيروت الاولى نشر استطلاعا اجريناه له، وكانت النتيجة لصالحه لكنه حرف بعض المقاطع وضخمها. فأرسلنا توضيحا للصحيفة التي نشر فيها الاستطلاع». في المقابل، شدد الهبر على ان «الشركة تشترط على طالب الاستطلاع في العقد الموقع بينهما عدم نشر المعلومات لانها ليست معدة للجمهور ولاننا نرفض ان ندخل في متاهات الدعاية السياسية والانتخابية».

الخبير الإعلامي، مدير قسم الإعلام والتواصل في جامعة القديس يوسف البروفسور باسكال مونان قال إن «ما يميز الخبراء في مجال استطلاعات الرأي عن المحللين السياسيين هو امتلاكهم معطيات علمية مبنية على معايير موضوعية ودراسات. لكن المشكلة أن الإعلام يستضيف خبراء في مجال الإحصاءات يدلون بتحليلات مبنية على آرائهم الشخصية. وكمشاهد وأكاديمي، لا أنتظر من الخبراء ان يطلوا ليعطونا أرقام وزارة الداخلية حول عدد المقترعين والناخبين أو توقعات بخرق فلان لائحة فلان حتى وإن صح ذلك، بل شرحا مفصلا مع بيانات وجداول إحصائية تبين بشكل علمي دقيق كيف ان هذا الطرف او ذاك يتمتع بحظوظ أكبر للفوز. وإلا تحول الخبير الإحصائي محللا سياسيا».