واشنطن تشرك ضباطا باكستانيين لأول مرة في ضربات الطائرات من دون طيار

انطلاق سرب طائرات من أفغانستان بتوجيه من قادة عسكريين باكستانيين

باكستاني يحمل أمس زي شرطي عند موقع شرطة دمرته طالبان في إقليم مالكال في باكستان (أ.ف.ب)
TT

صرح مسؤولون أميركيون بأن الجيش الأميركي دشن برنامجا لمهام طائرات البريداتور للاستطلاع المسلحة والموجهة دون طيار ضد المسلحين في باكستان، وبموجب هذا البرنامج سيشرع الضباط الباكستانيون للمرة الأولى في القيام بدور كبير من نوعه يتعلق بالتوجيه على الطرق، والأهداف، وقرارات إطلاق نيران الأسلحة. ويهدف هذا الجهد المشترك إلى جعل الحكومة في إسلام آباد ـ التي طالما كانت شديدة الاحتجاج على هجمات طائرات البريداتور ـ أكثر ارتباطا بصورة مباشرة في واحدة من أكثر عناصر الحرب ضد المتمردين الإسلاميين نجاحا. ويميط هذا الجهد أيضا اللثام عن اضطلاع الجيش الأميركي بدور جديد موسع أملا في اقتناص عناصر طالبان وحلفائها من القاعدة، والذين يمثلون تهديدا متزايدا على كل من باكستان وأفغانستان. تجدر الإشارة إلى أن هذه المهمة كانت من نصيب الاستخبارات المركزية الأميركية على مدار سنوات، التي كانت توجه طائرات البريداتور الخاصة بها لتنفيذ المهمات داخل باكستان. وبموجب هذه الشراكة الجديدة، سيتم وللمرة الأولى إتاحة سرب منفصل من طائرات وزارة الدفاع الأميركية الموجهة دون طيار لتنطلق في مهام عسكرية مجتازة الحدود الأفغانية وبتوجيه من المسؤولين العسكريين الباكستانيين، والذين سيعملون إلى جانب شركائهم الأميركيين في مركز قيادة موجود في جلال آباد، داخل أفغانستان.

وأفاد مسؤول عسكري أميركي بارز، لم يرغب في الكشف عن هويته نظرا إلى أنه لم يتم الإعلان عن هذا البرنامج للإعلام بعد: «يتعلق ذلك (في إشارة إلى البرنامج الجديد) ببناء الثقة، كما أنه يتعلق بمنحهم (أي الباكستانيين) قدرات لا يملكونها حاليا لمساعدتهم في هزيمة عنصر التطرف الراديكالي الموجود بالبلاد».

ويمثل هذا البرنامج تحولا بالغ الأهمية عن الطريقة التي كانت تدار بها الحرب مع طالبان على مدار أغلب الأعوام السبعة المنصرمة. ذلك بالإضافة إلى أن الوجود العسكري الأميركي المكثف في أفغانستان ليس لديه أي سلطة كبيرة تمكنه من ملاحقة المتطرفين الإسلاميين الفارين بصورة روتينية إلى باكستان. ومع ذلك تحمل هذه المبادرة مجازفات كبيرة بالنسبة لباكستان، التي تناضل للموازنة بين رغبتها في المزيد من السيطرة على هجمات طائرات البريداتور، إلى جانب نفورها وامتعاضها الشديدين من التورط في هجمات الطائرات الأميركية على شعبها. ولدى زيارته إلى واشنطن الأسبوع الماضي، كرر الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري رغبة بلاده في الحصول على سرب طائرات بريداتور خاص بها. إلا أن المسؤولين الأميركيين استبعدوا جميعا هذه الفكرة، ووصفوا العمليات الجديدة التي سيتم تنفيذها بصورة مشتركة باستخدام تلك الطائرات على أنها حل وسط فعال. وفي نفس السياق أعلن المسؤولون الباكستانيون أنهم يعملون مع المسؤولين الأميركيين لتحقيق الانتفاع الأمثل بهذه التكنولوجيا الأميركية. وقال حسين حقاني السفير الباكستاني لدى واشنطن إن باكستان ما زال يعتريها القلق من أن تقدم طائرات الاستخبارات الأميركية الموجهة من دون طيار على انتهاك سيادة أراضي الدولة بصورة «أحادية». وقال حقاني: «لم تكن باكستان أبدا راغبة عن استخدام كل الوسائل المتاحة في تعقب القاعدة والإرهابيين الآخرين، ولقد عملنا مع الجانب الأميركي لإيجاد سبل يمكن أن تتماشى فيها الميزة التكنولوجية الأميركية مع رغبتنا في دعم سيادتنا داخل حدودنا». ويشير استمرار تحليق طائرات البريداتور التابعة للاستخبارات المركزية الأميركية سرا عبر باكستان إلى التركيز على الهدف الرئيسي للولايات المتحدة، ألا وهو القاعدة. إلى جانب ذلك، تهدف الطائرات العسكرية الموجهة دون طيار أيضا إلى تقويض الشبكات المسلحة التي تحركت بالقرب من العاصمة الباكستانية إسلام آباد خلال الأسابيع الأخيرة. وقال المسؤلون إنه على مدار الشهر الأخير، عرضت الولايات المتحدة على باكستان توجيه الهجمات الجوية المتعددة المشاركة فيها طائرات البريداتور التابعة لوزارة الدفاع الأميركية وطائرات ريبر شديدة التسليح والموجهة دون طيار هي الأخرى.

من ناحية أخرى، أحجمت باكستان عن عرض استخدام طائرات البريداتور في عملياتها العسكرية الأخيرة داخل منطقتي وادي سوات وبونر، كما حال الطقس السيئ دون إتمام الهجمات الأخرى. إلا أن مسؤولا عسكريا أميركيا بارزا أفاد بأنه قد تم إطلاق طائرات في مهمتين على الأقل خلال الأسابيع الأخيرة بتوجيه باكستاني.

ومع ذلك، لم تتضمن هاتان المهمتان إطلاق أي صواريخ على الإطلاق، وعبر بعض المسؤولين الأميركيين عن إحباطهم من عدم استخدام الباكستانيين لقدرات طائرات البريداتور بصورة أكثر فعالية. وأشار المسؤولون إلى أنه قد تم منح باكستان سلطة توجيه أوامر بشن غارات جوية تدار بصورة مشتركة طالما أن الولايات المتحدة موافقة على الأهداف. وعلى مدار العام الماضي، أجرى الأدميرال البحري مايكل مولن ـ رئيس هيئة الأركان المشتركة ـ زيارات متكررة إلى إسلام آباد هدفا في تحقيق المزيد من التعاون الباكستاني. ويعتبر هذا البرنامج جزءا من الإصلاح الموسع للسياسة العسكرية الأميركية بالمنطقة. وكان الليوتننت جنرال ستانلي ماك كريستال ـ الذي تم تعيينه هذا الأسبوع ليتولى مهام القائد الأميركي الأعلى الجديد في أفغانستان ـ قد وسع من استخدام طائرات البريداتور عندما كان بالعراق، ومن المتوقع أن يتخذ نفس الإجراء في منصبه الجديد. ومن المخطط أن يتم التحكم في هذه العمليات وتوجيهها من مركز القيادة المشتركة في جلال آباد. ويحتوي المركز على «خلية دمج»، تعمد إلى دمج المعلومات القادمة من عمليات المراقبة والاستطلاع الأميركية إلى جانب الاستخبارات البشرية القادمة من القوات الباكستانية والأفغانية. وجرت نقاشات بين الباكستانيين والأميركيين داخل المركز حول ما إذا كانت الأهداف المحتملة من قادة طالبان أم من القبليين الباكستانيين ممن لديهم صلات غير ثابتة مع المتطرفين. ومع ذلك، أفاد المسؤولون الأميركيون بأن أغلب الضباط الباكستانيين داخل مركز القيادة قد تفهموا مدى خطورة التهديد المسلح، وكانوا تواقين إلى التحرك السريع. إلا أن القادة الباكستانيين كان لديهم الكثير من التحفظات من جانبهم، واتجهوا إلى المراوغة لدى مطالبتهم بتصريح لإطلاق النيران على المسلحين المشتبه بهم. وقد أكد المسؤولون الباكستانيون مرارا وتكرارا للجيش الأميركي أنهم لا يرغبون في إطلاق الصواريخ على مواطنيهم، وفي هذا الصدد يقول مسؤول عسكري بارز: «طالبونا أن نحاول فهم كيف أن يكون الجيش مطالبا في الوقت الحالي بالمضي ضد شعبه. ولا أعتقد أننا يكون لدينا دوما وجهة النظر الصحيحة حول مدى صعوبة هذا الأمر».

ومن المحتمل أن تعكس هذه المعارضة أيضا التناقض الواضح في إسلام آباد حيال برنامج طائرات البريداتور التابع للاستخبارات المركزية الأميركية، فمن الواضح أن الوكالة الاستخباراتية تسير في خضم حملة من الهجمات على نشطاء القاعدة في المنطقة الحدودية القبلية الباكستانية. وتمت آخر عملية من هذا القبيل يوم الثلاثاء، وقيل إنها أسفرت عن مقتل 8 أفراد جنوب منطقة وزيرستان الموجودة بالمنطقة القبلية الخاضعة للإدارة الفيدرالية. حري بالذكر أنه منذ شهر أغسطس (آب)، نفذت الوكالة 55 هجمة جوية على الأقل، مقارنة بـ10 هجمات فقط تم الإبلاغ عنها فيما بين عامي 2006ـ2007 مجتمعين. وصرح المسؤولون الأميركيون أن هذه العمليات أجازتها الحكومة الباكستانية. ويعزو مسؤولو الاستخبارات المركزية الأميركية إلى الاستخبارات الباكستانية توفير المعلومات الميدانية التي غالبا ما تقود إلى شن هجمات طائرات البريداتور. ومن جانبها، تتجه وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية إلى مشاركة نظرائهم الباكستانيين بنتائج عمليات التصوير واعتراض الاتصالات التي تتم عبر الأقمار الصناعية. ورغم الترتيبات والاتفاقات، تحاشى المسؤولون الأميركيون منح باكستان سيطرة أكبر على طائرات البريداتور التابعة للاستخبارات المركزية الأميركية، ويرجع ذلك جزئيا إلى الخوف من منح باكستان إمكانية مباشرة للوصول للعمليات الاستخباراتية السرية والحساسة. وأحيانا، يطلق المسؤولون الأميركيون بعض الشكوك في أن عناصر من الاستخبارات الباكستانية ـ التي كانت لديها علاقات طويلة قائمة مع قادة طالبان ـ يحذرون الأهداف مسبقا من الهجمات الأميركية. وأشار المسؤولون الأميركيون إلى معارضتهم استبعاد طائرات الاستخبارات المركزية الأميركية الموجهة دون طيار من تعقب وقتل كبار رموز القاعدة، وشددوا على أن الطائرات العسكرية الموجهة دون طيار ستلاحق مجموعة مختلفة من الأهداف، لا سيما المسلحون ممن لهم صلات بطالبان. وأشار سيث جونز ـ خبير مكافحة الإرهاب في مؤسسة راند، بقوله: «إذا كان صحيحا أن باكستان ستوجه بصورة حقيقية بعض هذه الطائرات الموجهة دون طيار، فمن شأن ذلك أن يقوض المخاوف (التي يعربون عنها) إزاء هذه الهجمات». وأوضح الخبراء أن موافقة باكستان تعتبر بالغة الأهمية إزاء عمليات البريداتور.

وفي هذا الشأن يقول سكوت سيليمان ـ محامي القوات الجوية السابق، الذي يعمل حاليا أستاذا للقانون بجامعة دوك: «الشيء الهام أنه يتعين عليك الحصول على موافقة الحكومة المضيفة. وما لم تحصل على ذلك، فأنت تجتاز خط الإغارة على السيادة الإقليمية لدولة أخرى».

* خدمة «نيويورك تايمز»