واحد من أكبر أساطيل العالم يرسو قبالة ساحل سنغافورة

بعد أن جمد نشاطه الهبوط الحاد في حركة التجارة العالمية

مشهد للسفن الراسية قبالة مرفأ سنغافورة («نيويورك تايمز»)
TT

يبدو الإبحار في قارب صغير على طول ساحل سنغافورة حاليا مثل الفأر الذي يسير وسط قطيع لا ينتهي من الأفيال الساكنة.

يتجمع واحد من أكبر أساطيل السفن في العالم هنا خارج واحد من أكثر المواني انشغالا في العالم، بعد أن ألقت بهم أمواج تراجع التجارة العالمية. ربما تكون هناك إشارات غير ثابتة على وجود انتعاش اقتصادي في بعض المناطق حول العالم، إلا أنه يوجد القليل منها هنا.

وتبدو مئات من سفن الشحن، التي يبلغ وزن بعضها 300.000 طن حيث يزيد وزن العديد منها على وزن أسطول أرمادا الإسباني المكون من 130 سفينة، جاثمة فوق سطح الماء بدلا من وجودها بعمق فيه. وتظهر دفاتها الحمراء ونتوءات مقدماتها، التي تغطس في المياه عندما تكون محملة بالشحنات، على ارتفاع عشرات الأقدام فوق الماء. ويجمع الكثير من السفن هنا، وعددها 735 وفقا لخدمة تعقب «ايه أي إس لايف» من أبحاث ريجيستر فيربلاي، وهي خدمة لتعقب السفن ومقرها غوتنبرغ في السويد، وذلك لدرجة أن شركات الشحن قلقة من فقدان السفن أو تصادمها في واحد من أكثر الممرات البحرية ازدحاما في العالم، مضيق ملقا، الذي يفصل ماليزيا وسنغافورة عن إندونيسيا. وتكمن جذور المشكلة في الهبوط الحاد غير المعتاد في التجارة العالمية، الذي أكدته الإحصائيات التجارية.

وقد ذكرت الصين أن صادراتها هبطت بنسبة 22.6 في المائة في أبريل (نيسان) عن العام الماضي، بينما أعلنت الفلبين أن صادراتها في شهر مارس (آذار) انخفضت بنسبة 30.9 في المائة عن العام السابق. وأعلنت الولايات المتحدة يوم الثلاثاء أن صادراتها هبطت بنسبة 2.4 في المائة في مارس (آذار). ويقول رون ريك، الممثل التجاري الأميركي: «تؤكد البيانات التجارية لمارس (آذار) عام 2009 على وجود التحديات الراهنة في اقتصادنا العالمي».

ومن المثير لمزيد من القلق، على الرغم من بعض الإشارات الإيجابية مثل نشاط «وول ستريت» وتباطؤ فقدان الوظائف في الولايات المتحدة، أن المستوى الحالي من النشاط التجاري لا يشير إلى حدوث تحسن قريب، على حد قول الكثير في مجال الشحن. ويقول كريس وودوراد، نائب رئيس خدمات الحاويات في «رايدر سيستم»، شركة اللوجيستيات الكبرى: «تقدم الكثير من الطلبات من أجل موسم التجزئة في الوقت الحالي، ومقارنة بالأعوام الأخيرة، يعتبر الطلب ضعيفا».

وصرح جوشوا فيلمان، نائب مدير قسم آسيا والمحيط الهادي في صندوق النقد الدولي، بأن المستهلكين الغربيين الذين ما زالوا يتأقلمون مع الخسائر في قيمة أسهمهم ومنازلهم ليسوا في حالة مزاجية تسمح لهم بالبدء في الإنفاق من جديد على واردات غير ضرورية. ويقول: «حتى تنتعش التجارة، يجب أن ينشط الطلب. ومن الصعب أن نرى ذلك يحدث في أي وقت قريب». ووفقا لشركة «إتش كلاركسون» ومشاركيها التي تعمل في سمسرة السفن في لندن، فقد تأثرت صناعة الشحن لديها بشدة لدرجة أن المعدل اليومي لطلب سفينة شحن ضخمة، تناسب مثلا نقل خام الحديد، انخفض مما يقرب 300.000 دولار في الصيف الماضي إلى 10.000 دولار في بداية العام الحالي. وقد انتعش المعدل مجددا ليقترب من 25.000 دولار في الأسابيع الماضية، وغادرت بعض سفن الشحن الضخمة سنغافورة. ولكن يقول أصحاب السفن إن هذا الانتعاش قد يكون قصير المدى لأنه يعكس اندفاع صناع الصلب الصينيين من أجل استيراد خام الحديد قبل الزيادة الممكنة في الأسعار في الشهر المقبل.

ويعطي الشحن في حاويات إشارات ضعيفة على الانتعاش، ولكنه ما زال يشهد كسادا كبيرا. ويظهر المزيد من الحاويات الفارغة هنا. وقد انخفضت تكلفة شحن حاوية من الصلب بحجم 40 قدما تمتلئ بالبضائع من جنوب الصين إلى أوروبا من 14.000 دولار بالإضافة إلى تكاليف الوقود منذ عام إلى 150 دولارا في بداية العام الحالي، قبل أن ترتفع مجددا إلى 300 دولار، وهو ما يقل عن تكلفة تقديم الخدمة، كما يقول نيل ديكر، المحلل لصناعة الحاويات في درويري لاستشارات الشحن في لندن. وأضاف أن ثماني شركات صغيرة في الصناعة أشهرت إفلاسها في العام الماضي، ومن المحتمل أن تفلس واحدة على الأقل من شركات النقل الكبرى في العام الحالي.

يقول كريستوفر بالسون، كبير الاستشاريين في «لويدز ريجستر ـ فيربلاي» للأبحاث، وهو قسم استشاري في «لويدز ريجستر ـ فيربلاي»، إن تجمع الكثير من سفن الشحن «أمر استثنائي. لم نشهد شيئا مثل ذلك منذ أوائل الثمانينات» أثناء آخر أزمة كبيرة تصيب صناعة الشحن الدولية.

لقد تضاعف حجم الأسطول العالمي مرتين تقريبا منذ أوائل الثمانينات، لذا ربما يكون تجمع السفن حول مياه سنغافورة في الربيع الحالي أكبر تجمع على الإطلاق. وأضاف محذرا أن بيانات تعقب السفن حول العالم بالتفصيل لم تكن متاحة إلا منذ الأعوام الخمسة الأخيرة. ويصل مجموع وزن تلك السفن إلى ما يزيد على 41 مليون طن، وفقا لخدمة تعقب ايه آي إس لايف. وهو ما يساوي تقريبا إجمالي الأسطول التجاري العالمي في نهاية الحرب العالمية الأولى، وهو ما يمثل 4 في المائة من حجم أسطول العالم اليوم. وقد ضخت صناديق الاستثمار مليارات الدولارات عبر الأعوام الخمسة الأخيرة من أجل شراء السفن وتأجيرها لمدة عام في المرة الواحدة إلى شركات الشحن. ويقول ستيفن فليتشر، المدير التجاري لإيه إكس إس مارين الاستشارية في باريس، إنه مع انتهاء مدة التأجير وإعادة العديد من تلك السفن، ستكون الخسائر التي تتكبدها تلك الصناديق فادحة وكذلك المصارف الأوروبية التي أقرضتها.

وفي فترات الأزمات التي مرت بها صناعة الشحن في الماضي، كانت السفن ترسو لمدة أشهر مرة واحدة في المضايق النرويجية ومناطق أخرى ذات الطقس البارد. ولكن تجبر القيود البيئية المشددة في جميع الدول ذات المناخ البارد تحديدا السفن الراسية على اللجوء إلى مراس أكثر دفئا.

ولكن يثير ذلك قلقا أمنيا، حيث تنمو النباتات بسرعة أكبر على الجوانب السفلية من السفن في المناطق الدافئة. ويقول تيم هاكسلي، المدير التنفيذي لواه كونغ ماريتايم ترانسبورت، وهي شركة شحن مقرها هونغ كونغ: «ينتهي الحال بأن يتدلى من سفينتك حدائق بابل وهذا يؤثر على سرعتك».

ويضيف هاكسلي أن الكثير من النباتات نمت أسفل إحدى سفن الشحن المملوكة للشركة لدرجة أنها استطاعت بالكاد أن تفلت من القراصنة قبالة سواحل الصومال، وهربت السفينة بعد أن أصيبت بـ91 ثقبا نتيجة للطلقات النارية.

وقد اصطدمت بسفينة أخرى تابعة للشركة بالقرب من سنغافورة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي حاوية كيماويات لم تتمكن من الدوران وسط الميناء المزدحم؛ ولم تصب أي من السفينتين بأضرار بالغة.

وقال الكابتن سيغار، مدير المجموعة في ميناء سنغافورة المركزي، في رد مكتوب على أسئلة إن الكثير من السفن ترسو خارج حدود الميناء. فليس عليها تسديد رسوم الميناء هناك.

وقال سيغار إن سنغافورة أبلغت الدول التي تحمل السفن أعلامها من أجل اتخاذ إجراء إداري بشأن نحو من 10 إلى 15 سفينة ترسو في مناطق تعد انتهاكا للقوانين الدولية في الأسبوعين الماضيين. وترسو السفن في مواني أخرى أيضا في جميع أنحاء العالم. فكان هناك 150 سفينة في مضيق جبل طارق وما حوله يوم الاثنين، و300 سفينة حول روتردام، في هولندا، وفقا لخدمة تعقب «ايه آي إس لايف»، ولكن تجتذب سنغافورة، القريبة من الأسواق الآسيوية المزيد من السفن.

يقول مارتين ستوبرفورد، المدير الإداري لـ«كلاركسون» للأبحاث في لندن: «إنها إشارة على الأوقات الصعبة، إن آسيا هي المكان الذي تريد أن تظل فيه في حال تغيرت الظروف».

*خدمة «نيويورك تايمز»