منتدى الاقتصاد العالمي ينطلق اليوم من البحر الميت بتطلعات لما بعد الأزمة

قيادات عالمية شابة تجتمع قبل فعاليات المنتدى لتطرح أفكارا جديدة وتتواصل مع مشاريع محلية أردنية

المستشار في مصرف «يو بي إس» مانفرد رايكل يؤشر على بلده النمسا لطلاب من مدرسة «الأمل» كي يريهم من أين جاء ليتواصل معهم («الشرق الأوسط»)
TT

يجتمع أكثر من 1400 قائد من عالم السياسة والاقتصاد والإعلام والعمل الاجتماعي من 85 دولة في البحر الميت لحضور المنتدى الاقتصادي العالمي الخاص بالشرق الأوسط الذي ينطلق اليوم وسط أجواء ترقب حول فرص السلام في المنطقة وتأثير الأزمة الاقتصادية على المنطقة والعالم. وتضم جلسات النقاش جلسات تشمل الوضع الاقتصادي في الشرق الأوسط، ومصير الأعمال الخيرية التي تدعمها الشركات وسط الأزمة الاقتصادية، وعملية السلام ومستقبلها، والعلاقات الإيرانية ـ الأميركية. وبينما يفتتح العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني المنتدى، يشارك عدد من المسؤولين العرب البارزين، منهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ونائب الرئيس العراقي عادل عبد المهدي، ووزير الخارجية البحريني خالد الخليفة، ومن بين المشاركين من الولايات المتحدة في المنتدى مستشارة الرئيس الأميركي فلاري غريت، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ جون كيري، كما يشارك عدد كبير من رجال وسيدات الأعمال وممثلين عن شركات مثل «جي بي مورغانز» و«بيبسي» و«بي تي».

ومن المرتقب أن تكون من أبرز المبادرات المنطلقة من المنتدى «مبادرة إعادة تصميم عالمية»، ترتكز على وضع الخطط للعالم ما بعد الأزمة الاقتصادية، وتحديد هوية النظام العالمي المستقبلي. وأفاد ديفيد ايكمان، وهو رئيس مجموعة «القيادات الشابة العالمية» التابعة للمنتدى، أن كلا من قطر وسويسرا وسنغافورة يرعون المبادرة ويشرفون على تلقي المقترحات ومناقشة القضايا الحساسة مثل تحسين الأمن العالمي وبناء قدرات الادامة البيئية قبل عقد اجتماع موسع في قطر العام المقبل لبحث فرص «إعادة تصميم» النظام العالمي. وتقدم 70 لجنة عمل في مجالات مختلفة، فيها 30 خبيرا من حول العالم، مقترحاتها لهذه المبادرة التي من المتوقع أن تطلق في المنتدى اليوم.

ولكن الجلسات في البحر الميت والتفكير في المستقبل بدأت قبل وصول الوفود الرسمية في أثناء قمة «القيادات الشابة العالمية»، حيث اجتمع أكثر من 250 من أعضاء المجموعة التي تضم قياديين بارزين في مجال عملهم من حول العالم. وبعد افتتاح زوجة العاهل الأردني الملكة رانيا العبد الله القمة أول من أمس، شارك المجتمعون في جلسات نقاش حول المواضيع الرئيسية لـ«إعادة تصميم» النظام العالمي، وقدموا مقترحات ستقدم للمشاركين في المنتدى الرئيسي. وشرح ايكمان لـ«الشرق الأوسط»: «نجد أنفسنا في نقطة فريدة من التاريخ، فهناك فرصة حقيقية للتغيير الجذري»، مضيفا: «مبادرة إعادة تصميم عالمية يعني النظر إلى المشكلات في عمل النظام العالمي في قضايا مثل حماية البيئة وبناء المؤسسات والعمل عليها». وتابع: «العالم أخذ يتغير ومصادر القوى تتغير أيضا، وعلينا النظر إلى الأفكار الجديدة التي لا بد أن تضم صوت الجيل المقبل والقيادات العالمية الشابة، وهي مجموعة من الرواد في عملهم الذين سيقودون المرحلة المقبلة». وكي يكون عمل المجموعة مبنيا على التجارب الواقعية، قضى القياديون الشباب يوم أمس بزيارة مشاريع محلية تحت مظلة مؤسسة نهر الأردن و«رواد» و«مدرستي» من أجل التعلم من التجربة الأردنية، ولكن أيضا إعطاء المقترحات لتطوير تلك المشاريع. وقال ايكمان إن «الأردن له طابع خاص يساعد النقاشات، فهو بلد يواجه أكبر التحديات مثل النقص في المياه والعدد المتنامي من الشباب والحاجة لفرص العمل، فهو مثال على تحقيق الإنجازات في بيئة صعبة جدا». ومن بين المشاريع التي سلط الضوء عليها مشروع «مدرستي» الذي أطلق العام الماضي لتحسين أداء المدارس الأردنية المحلية برعاية الملكة رانيا العبد الله. وزار 17 من المشاركين مدرسة «الأمل» الأساسية لذوي الاحتياجات الخاصة، التي أسست في الزرقاء عام 1993 وتضم اليوم 65 طالبا في 8 فصول و13 مدرسة. وكانت «الأمل» من بين المدارس الخمس التي حصلت على دعم مادي من شركة «زين» للاتصالات، التي قدمت تبرعا بقيمة 600 ألف دولار لمشروع «مدرستي»، ورممت بناية المدرسة، كما تم تنظيفها وبناء ساحة للعب الأطفال الذين يعانون من درجات متفاوتة من فقدان السمع. وقالت المديرة هيام الجبالي: «التغيير من العام الماضي كبير جدا، كان البلاط مكسرا والجدران تنهار، حتى إنني فكرت في الاستقالة من العمل مرات عدة، خصوصا أن الأطفال لم يكونوا يرغبون في المجيء إلى المدرسة. هذا كله تغير».

وخلال العطلة الصيفية تم ترميم المدرسة ومن ثم طلب من الأطفال المساهمة في تجمليها, ولفتت الطالبة إيناس، وعمرها 12 سنة، إلى أن «زمان كانت المدرسة وسخة، بس اليوم نحبها ونشعر بالراحة فيها».

والتقى القياديون الذين ضموا مصرفيين من مصارف عالمية مثل «يو بي إس» وإعلاميين من قنوات «سي إن إن» و«دويتشه فيلا» بالأطفال الذين تحدثوا إليهم من خلال متطوعة في المدرسة تدعى روان حسام، وهي خبيرة في لغة الصم والبكم. وشددت نسرين عبيدات، من مشروع «مدرستي»، على أن الهدف من المشروع أن يساهم أهالي المناطق الأردنية في رعاية المدارس العامة، وخصوصا القطاع الخاص والأهالي. وروان ومعها عدد من أهالي الطلاب يتطوعون في المدرسة من أجل دعم فكرة المساهمة الاجتماعية في رعاية الأطفال المحتاجين إلى الرعاية.

وكان من بين زوار مدرسة «الأمل» جوش سيلفرمان، مؤسس شركة «سكايب» للاتصالات عبر الإنترنت من خلال الصوت والصورة، الذي عبر عن سعادته للمشاركة في المجموعة وزيارة الأردن، قائلا: «إنه حقا شرف لي أن أكون هنا». وأضاف: «لـ(سكايب) دور مباشر في عمل المنتدى الاقتصادي العالمي وطموحاته، إذ يسهل التواصل في العالم وفتح المجال للنقاشات المهمة من أجل دعم الانفتاح والتسامح في كل جزء من العالم»، موضحا: «على سبيل المثال، الأردني الذي يهاجر إلى أوروبا أو الولايات المتحدة بحاجة إلى الإبقاء على التواصل مع عائلته وأصدقائه ومحيطه، فـ(سكايب) تساعده على ذلك، ويمكن استخدام الآليات نفسها لربط الجسور بين الناس، فمن لا يستطيع السفر بسبب التكلفة المالية يمكنه السفر عبر الإنترنت للقاء الآخرين». ولفت إلى أن أكبر عائق أمام توسيع مجال التواصل الإلكتروني في العالم العربي هو «مد خطوط البرودباند والإنترنت، كما أنه في مناطق كثيرة هناك قلة في أجهزة الكومبيوتر، وحتى نقص في الكهرباء. من الضروري إدخال المنافسة في قطاع الاتصالات من أجل دفع الشركات إلى تقديم خدمة أفضل».

وخلال عرض المديرة هيام لمتطلبات المدرسة، التي تقدم الفحص المجاني للطلاب وتعمل على تعليمهم النطق في حال لديهم بقايا سمع، قدم أحد المشاركين في الرحلة، المدير التنفيذي لساعات «أي.دبليو.سي» جورج كيرن، مقترحا فجائيا بالاتصال بشركة سويسرية تطور سماعات للأطفال لتساعدهم على السمع، وتقديمها مجانا للمستشفى. وطلب من المديرية كتابة كل المواصفات المتطلبة للسماعات لتقدم للمدرسة.

وشرح مانفرد رايكل، وهو عضو في المنتدى الاقتصادي العالمي وواحد العاملين على مشروع القيادات الشابة: «هذا هو المهم في عملنا، أن تكون القيادات العالمية الشابة المثقفة واعية باحتياجات المجتمع، فهذه هي الأساس. والتعرف على هذه المشاريع وحده ليس كافيا، بل يجب أيضا بحث ما نراه وما نتعلمه وكيف يمكن أن نساهم في تحسينه». ولفت إلى أهمية التعاون بين القطاعين الخاص والعام لتحسين حياة الجميع، «هذا هو مبدأ المنتدى، وهو الأساس الذي نعتمد عليه في اجتماعاتنا خلال الأيام المقبلة».