النزوح المسيحي ينذر بإعادة رسم خارطة العراق الديموغرافية

معظم اللاجئين إلى دول الجوار لا ينوون العودة.. ويريدون أوطانا بديلة

اللاجئ المسيحي العراقي جورج متى من بغداد يعمل في مطعم عراقي بدمشق (أ.ب)
TT

ينذر النزوح المسيحي من العراق بإعادة رسم خارطته الديموغرافية باتجاه غياب هذا المكون العريق من فسيفسائه الاجتماعية والدينية. وفيما يبدو النزوح إلى الخارج خيارا مؤقتا للكثير من الفئات العراقية الأخرى، إلا أنه يبدو دائميا للمسيحيين الذين أكدت غالبية من خرجوا منهم أنهم لا ينوون العودة.

وينطوي هذا النزوح على مضامين خطيرة بالنسبة لمستقبل العراق نظرا لأن المسيحيين كانوا تأريخيا يشكلون جزءا مهما من الطبقة الوسطى العراقية ويؤدون وظائف حيوية في مجالات الطب والهندسة والثقافة والخدمة المدنية. وحسب آخر إحصاء سكاني أجرته الحكومة العراقية عام 1987 كان هناك 1.4 مليون مسيحي في العراق، أما الآن وحسب تقرير لوزارة الخارجية الأميركية فإن عددهم يتراوح ما بين 550 و800 ألف فيما تشير أرقام منظمة كيرشه الكاثوليكية الألمانية للإغاثة إلى أن عددهم لا يتجاوز الـ40 ألفا.

وحسب تقرير لوكالة «اسوشييتد برس»، فإن القسط الأعظم من الهجرة المسيحية من العراق سجل بعد الغزو الأميركي عام 2003 وذلك استنادا إلى تقارير وزارة الخارجية الأميركية. وتشير تقارير الوزارة إلى أنه كان هناك نحو 102 مليون مسيحي في العراق في عام 2003. وبدأت الهجرة المسيحية بعد حرب الخليج الأولى عام 1991 خلال فترة العقوبات الاقتصادية والقمع في ظل نظام الرئيس الأسبق صدام حسين. إلا أن الهجرة المسيحية تحولت من قطرات إلى فيضان بعد إطاحة صدام عام 2003 وتصاعد العنف، حسب النائب البرلماني المسيحي يونادم كنا. ويؤكد معظم المسيحيين الذين لجأوا إلى دول الجوار أنهم لا ينوون العودة، ومن هؤلاء شيران سركون (27 عاما)، التي غادرت إلى سورية عام 2004 بعد تلقيها تهديدات. وقالت «أتمنى الرحيل إلى أي مكان آخر في العالم». وكان والد شيران قد اختفى من دون أثر وفجر صالون تجميل كانت تملكه. والآن تنتظر إعادة توطينها في بلد آخر.

ويقول داود داود (70 عاما)، وهو موظف حكومي متقاعد من الموصل وينتظر مع مئات المسيحيين الآخرين في مركز إعادة توطين تابع للأمم المتحدة في دمشق، إنه يأمل في الاستقرار في السويد، حيث يعيش أبناؤه. ويضيف «العراق كما كنا نعرفه انتهى. لا مستقبل لنا هناك». وحسب تقرير للمفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة صدر العام الماضي، فإن المسيحيين العراقيين الذين لجأوا إلى دول الجوار هم الأكثر ميلا نحو التسجيل كلاجئين في محاولة للهجرة إلى بلد ثالث. وأشار التقرير إلى أن «الغالبية العظمى من العراقيين لا يزالون يرغبون بالعودة إلى بلادهم عندما تسمح الظروف– والاستثناء الملحوظ هو الأقليات الدينية، خاصة المسيحيين».