عودة تشيني إلى دائرة الضوء.. تبعث الخوف لدى كثير من الجمهوريين

ما زال يحظى بالقوة الكافية ويخشاه منتقدوه.. ولا يستطيع أحد أن يقول له إن عليه أن يرحل

TT

عندما كان نائبا للرئيس قضى ريتشارد تشيني جزءا كبيرا من الأعوام الثمانية الماضية في أماكن غير معروفة، وقدّم استشارات سرية للرئيس جورج بوش، لكن لم يطُل أمد هذا الماضي.

ففي الوقت الحالي يعد تشيني هو المنتقد الأكثر ظهورا، والأكثر إثارة للجدل، لسياسات الرئيس أوباما في مجال الأمن القومي، ولذا فإنه مبعث خوف لدى الكثيرين داخل الحزب الجمهوري، حيث يظهر كمدافع عنيد عن تاريخ إدارة بوش، ويتمتع بقدر بالغ من النشاط. وقد أدى خلافه مع الإدارة الجديدة إلى نقاش يحفّه الكثير من الصخب، وثمة تساؤل يُطرح، مفاده: هل الضرر الذي يجلبه تشيني لحزبه سياسيا من خلال القضايا التي يتبناها أكثر من النفع؟

ويعتقد المدافعون عنه أنه خلق نقاشا له الكثير من الأهمية ويرتبط بأمن البلاد، ويشيرون إلى أن تراجع أوباما عن نشر صور تظهر سوء معاملة المعتقلين دليل على أن انتقاد تشيني له تأثير. ولكن هناك ثمن سياسي محتمل قد يدفعه الحزب الجمهوري عندما يكون أحد أبرز المسؤولين في إدارة تم التبرؤ منها خلال الانتخابات الماضية يستمر في الدفاع عن وجهة نظره بعد أن اتخذ الناخبون قرارهم.

ودخل تشيني على الساحة خلال شتاء العام الحالي، وكان في موقف ضعيف سياسيا بعد الانتخابات. وكانت، ولا تزال، معدلات الرضا عن شخصه منخفضة، ووجد استطلاع للرأي أجراه «غالوب» في نهاية مارس (آذار) أن 30% من المشاركين في الاستطلاع أعربوا عن رضاهم عن تشيني، فيما أعرب 63 في المائة عن عدم رضاهم عنه.

ولذا كان دفاعه عن سياسات إدارة بوش محل الخلاف أمرا مثيرا للقلق بالنسبة لواضعي الاستراتيجيات السياسية بالحزب الجمهوري. ولكن ما زال تشيني يحظى بالقوة الكافية، لدرجة أن الكثير من منتقديه داخل حزب الجمهوري لا يرغبون في انتقاده على الملأ. ويقول مخطط استراتيجي جمهوري، شريطة عدم ذكر اسمه: «حقيقة أن معظم الناس يريدون أن يتحدثوا تظهر مشكلة مستمرة». وأضاف: «ما زال تشيني يمثل قوة بين الكثير من أعضاء قاعدتنا، وعلى الرغم من أنه لا يفيد بصورة مجملة، فلم يقف أحد ليقول له إن عليه أن يرحل».

والسؤال هو: ما الذي يدفع رجلا بقي خارج دائرة الضوء عندما كان نائبا للرئيس، ولم يستفد من فرصة للترشح بنفسه للبيت الأبيض خلال عام 2008، للظهور في هذا الدور البارز بعد الانتخابات؟ تقول ماري ماتالين، التي كانت متحدثة باسم تشيني خلال الأعوام الأربعة الأولى من إدارة بوش، إنها تعتقد أن ما يدفع تشيني بصورة أساسية هو مبادئه. وتقول إنه كان يمكن أن يكف تشيني عن انتقاداته لو لم يندفع أوباما في التقليل من سياسات بوش التي يؤمن تشيني بها بقوة. وتقول: «لو كان أوباما قام بما كان يقول إنه سيقوم به، لكان تشيني مستمرا في كتابة مذكراته وتشطيب منزله»، مضيفة: «لديه حياة جديدة، ولديه ما يشغله، كما أنه لا يعبأ بأن يكون على شاشات التليفزيون، فلا مزيد من السياسة هناك، كما أنه لا يسوي أي مواقف، فقط يريد من المواطنين أن يفهموا».

وتقول ليز تشيني، ابنة نائب الرئيس السابق والمسؤولة السابقة في وزارة الخارجية: «لا يرتبط الأمر بالسياسات الحزبية، فكل أميركي، سواء كان جمهوريا أم ديمقراطيا أم مستقلا، يتفق على أنه قبل اتخاذ هذه القرارات الهامة المرتبطة بالأمن القومي للبلاد كان يجب أن يكون هناك نقاش شامل ونزيه». وكانت ابنة تشيني من بين هؤلاء الذي أشاروا إلى تراجع البيت الأبيض عن نشر صور المعتقلين كدليل على أن نقاشا عاما حول سياسات الإدارة الجديدة يمكن أن يفضي إلى حال مختلف.

وأشار مخطط استراتيجي آخر في الحزب الجمهوري، شريطة عدم ذكر اسمه، إلى أن حالة الحيرة التي يعيش فيها الجمهوريون هي بسبب الدور الذي يقوم به حاليا نائب الرئيس السابق. وقال: «حتى لو كان على صواب، فهو قطعا الرسول الخطأ». وأضاف المخطط أن مبعث قلقه الرئيسي هو أن تشيني يجعل المواطنين يركزون على الماضي بدلا من المستقبل، «ونريد أن يكون بوش ذكرى بعيدة خلال الانتخابات الماضية، وكلما بقي في الواجهة كانت هناك صعوبات أكبر».

ويقول هاري سيفوغان، السكرتير الصحافي للجنة الوطنية الديمقراطية: «له كل الحق في التعبير عن رأيه، ونأمل أن يبقى في واجهة الحزب الجمهوري». ويضيف سيفوغان: «يذكّر بقاؤه هذا المواطنين بأنه لا توجد رغبة لدى الحزب الجمهوري في تقديم أفكار أو قيادات جديدة، وما دام هو الصوت الذي يمثل صوت الحزب الجمهوري فإنه يضمن أن الحزب الجمهوري سوف يبقى حزب الماضي».

وتعارض ليز تشيني بشدة الزعم بأن دفاع أبيها عن سياسات إدارة بوش تسببت في قلائل داخل الحزب الجمهوري، وتقول إنه تأتيه مكالمات عبر الهاتف ورسائل عبر البريد الإلكتروني وخطابات من أناس في مختلف أنحاء البلاد ومن مسؤولين في الحكومة ومن أعضاء في الجيش وأسرهم، يعبرون فيها عن شكرهم لوقوفه والتحدث على الملأ. وتقول: «هناك المئات من المواطنين الذين يقولون له: (فضلا، استمر في القيام بما تقوم به)».

ومنذ أن ترك البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني)، اتهم تشيني أوباما بجعل البلاد أقل أمنا، وأعرب عن اعتراضه على أوامر بإغلاق معسكر غوانتانامو بكوبا، ودافع عن وسائل التحقيق القاسية التي استخدمتها إدارة بوش، ودعا للكشف على الملأ عن معلومات سرية بخصوص البرنامج المثير للجدل. وفي يوم الأحد قال إنه سوف يفضل راش ليمبا على وزير الخارجية السابق كولن باول كنموذج للحزب الجمهوري، وأخرج زميله القديم من صفوف الحزب الجمهوري.

وأوضح تشيني أن جزءا من الدافع وراء ما يقوم به هو الدفاع ضد أي إجراء قانون ضد مسؤولي بوش الذين سمحوا بسياسات التحقيق المثيرة للجدل أو قاموا بتنفيذها. وقال أخيرا لستيفان هايز، من «ويكلي ستاندارد»، إنه يتذكر كيف أنه خلال فضية إيران كونترا إبان إدارة ريغان، كان المسؤولون البارزون يسعون للنجاة بأنفسهم تاركين «الصغار وحدهم». وقال إنه مصرّ على الدفاع عن هؤلاء في الوقت الحالي، وأضاف في حديثه مع هايز: «لا أعرف، هل سيقوم شخص آخر بمثل هذا؟».

ويشار إلى أن تشيني ملأ فراغا داخل الحزب الجمهوري وفي وقت يوجد فيه عدد قليل من القيادات الأخرى التي يمكنها جذب مثل هذا القدر من الانتباه. وفضّل بوش التزام الصمت خلال الأشهر الأولى له بعد تركه منصبه، وكذا الحال بالنسبة لبعض الأعضاء البارزين من إدارته.

ويرفض الجمهوريون الذين يدافعون عن تشيني القول إنه من غير المناسب أن يقوم نائب رئيس سابق بتحدي إدارة حالية، ويشيرون إلى نائب الرئيس السابق آل جور، الذي انتقد بوش بسبب الحرب على العراق، وإلى الرئيس السابق جيمي كارتر، الذي دائما ما يتحدى الرؤساء الجمهوريين. ونادرا ما كان يتحرك مسؤول داخل إحدى الإدارات بسرعة وبصورة هجومية لانتقاد رئيس جديد، وخلال القرن الماضي دائما ما كان يسعى نواب الرؤساء للتقدم للترشيح لمنصب الرئيس، ويطرحون أنفسهم أمام المواطنين ويقبلون حكم الناخبين، ويتوارى المهزومون، لبعض الوقت على الأقل.

وتقول ماتالين إنها ترى أن تشيني لا يقبل فكرة أن انتقاده الصريح للإدارة سوف يكون له تأثيرات على المدى البعيد على الحزب الجمهوري، وتقول إنه في عالم السياسة من وقت طويل، ويتذكر وقت أن كان الحزب الجمهوري متراجعا واستعاد عافيته وتقدم. «يقول إنه مر خلال العديد من هذه المواقف، والشيء الوحيد الذي يمكن أن يعيدك هو الإبقاء على مبادئك وتطبيق هذه المبادئ على قضايا اليوم»، ولكنها أضافت أن تشيني «لا يحاول أن يكون متحدثا باسم الحزب، فالأمر ليس سياسيا، ولكنه مرتبط بالسياسات المتبعة، ولا يمكن إنكار أن النقاش يزداد ويزداد لأسباب متعلقة بالمبادئ».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»