تراجع أسعار النفط يهدد بتقويض خطط العراق لبناء قواته العسكرية

العجز المالي يجبر المخططين العراقيين والأميركيين على إعادة ترتيب الأولويات

TT

يهدد تراجع أسعار النفط جهود العراق الرامية إلى بناء جيش قادر على الدفاع عن البلاد مما يرجح أن يحتاج العراقيون إلى مساعدة ضخمة من الولايات المتحدة على مدار سنوات بعد انسحاب القوات الأميركية من البلاد بحلول عام 2012 حسب الاتفاقية الموقعة بين البلدين. ولم تؤثر أزمة الموازنة المالية العراقية فقط على القوات البرية، التي تحمل على عاتقها عبء محاربة المتطرفين من السنة والشيعة على حد سواء، بل إنها ستبطئ أيضا من تشكيل قوات جوية قادرة على حماية سماء العراق، بالإضافة إلى بحرية تدافع عن منشآت تصدير النفط الحيوية في الخليج العربي من أي هجمات إرهابية. وحسب تقرير لوكالة «اسوشييتد برس» تجبر كل هذه الاحتمالات المخططين الأميركيين والعراقيين على اتخاذ خيارات صعبة في ظل العد التنازلي لانسحاب جميع القوات الأميركية بنهاية عام 2011. ومع تحويل إدارة أوباما الموارد إلى أفغانستان، أضحت الولايات المتحدة في وضع لا يسمح لها بتمويل عجز الميزانية العراقية. ويقول الليفتنانت جنرال فرانك هيلميك ـ المسؤول الأميركي المنوط به تدريب قوات الأمن العراقية «واقعيا، وفي الوقت الذي نتطلع فيه إلى عام 2011، فإن ميزانية هذا العام لن تسمح لهم البقاء على المسار الذي يبتغونه». وتابع «يتعين على وزيري الدفاع والداخلية أن يتخذا قرارات صعبة للغاية، وأن يعمدا إلى ترتيب أولويات متطلباتهم». يُشار إلى أن الخطط الأمنية العراقية بدأت في الخروج عن مسارها بسبب تراجع أسعار النفط، والذي يبلغ سعره حاليا 60 دولارا للبرميل تقريبا، بعد أن كان قد وصل إلى أعلى معدل له الصيف الماضي محققًا حوالي 150 دولارا للبرميل. وبدلاً من التمتع بفائض كبير، شرع العراق في فرض قيود على إنفاقه. وثمة فرص ضئيلة للغاية للحصول على مكاسب ما لم تنهض أسعار النفط من جديد، أو تزيد الحكومة من إنتاجها بصورة كبيرة ـ الأمر الذي سيتطلب التوصل إلى اتفاق مع الأكراد بشأن إدارة الحقول الموجودة في المنطقة الشمالية الخاضعة لحكمهم الذاتي. وأشار هيلمك إلى أن وزارة الدفاع احتاجت هذا العام 8.5 مليار دولار إلا أنها لم تتلق سوى 4.5 مليار دولار فقط، وأن وزارة الداخلية كانت تحتاج حوالي نفس المبلغ تقريبا، إلا أنها لم تحصل إلا على 5 مليارات دولار، وأضاف أن 70% من ميزانية الدفاع تذهب إلى المرتبات. وما لم ترتفع أسعار النفط من جديد، ستتقلص الموازنة العراقية ـ وإنفاقاتها الدفاعية ـ مرة أخرى خلال 2010 ـ 2011، مما سيجعل من المستحيل على العراق تدريب وتسليح قواته بالصورة الكافية بحلول عام 2012. وقال هيلمك: «سيكون عام 2010 صعبا بالفعل، إذا ما حازوا على نفس الموازنة أو أقل منها».

الا أن عباس البياتي ـ رئيس لجنة الأمن بالبرلمان ـ قلل من شأن التخفيضات الطارئة على الإنفاق الدفاعي العراقي. وأشار إلى أن الموازنة غطت أغلب المتطلبات، بما فيها بناء قواعد جديدة، وتوفير التدريب والسلاح اللازمين، رغم عدم ذكر أي شيء يتعلق بالقوات الجوية والبحرية. ويشرع المستشارون العسكريون الأميركيون في العمل مع الوزراء لإعادة ترتيب الأولويات. ويقول هيلمك إن من بين الأولويات التي بحثتها الحكومة إذا ما كانت ستزيد من وحداتها اللوجيستية العسكرية، وشراء البوارج لقواتها البحرية، وشراء طائرة لتدريب الطيارين.

وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، أفادت وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» بأن 17 فقط من إجمالي كتائب الجيش العراقي البالغ عددها 175 كتيبة مقاتلة يمكنها العمل من دون دعم الولايات المتحدة، ويعود هذا إلى مشكلات الإمداد واللوجيستيات بصورة كبيرة. ومن بين أهم الانشغالات الأميركية تأمين حماية كافية لمنصات وأنابيب النفط العراقي وحدود العراق ومجاله الجوي. وتعتبر هذه الأمور بالغة الأهمية بالنسبة للقادة الأميركيين، لا سيما المنصات النفطية البحرية، نظرا لأنها عرضة لهجوم إرهابي بحري. وعلاوة على ذلك، لا تملك القوات الجوية العراقية طائرات مقاتلة يمكنها الدفاع عن البلاد ضد أي هجوم محتمل من دول الجوار مثل إيران، وتركيا، وسورية. وأعلن اللواء محمد العسكري ـ الناطق باسم وزارة الدفاع ـ أن الحكومة تتفاوض مع الولايات المتحدة لشراء طائرات حربية من طراز إف ـ 16. والمؤمل هو ان يتكمن العراق من حماية أجوائه بحلول عام 2016؛ أي بعد انقضاء أربع سنوات على موعد الانسحاب النهائي للولايات المتحدة. إلا أن العراق لا يملك في الوقت الحالي المال اللازم لشراء الطائرات أو تدريب الطيارين. ويقول هيلمك: «لا يمكنا فعليا تدريب ما يكفي من طياري طائرات الجناح الثابت في الوقت الحالي، ويرجع ذلك إلى أننا ليس لدينا قدر واف من المدربين». يذكر أن العراق اشترى عتادا عسكريا من الولايات المتحدة بقيمة 5 مليارات دولار. كما أنه يريد شراء عتاد إضافي بقيمة 3.8 مليار دولار منذ عام 2006، حتى الآن لكنه لم يوفر تمويلا لذلك.