أوباما سيستأنف المحاكمات العسكرية لمعتقلي غوانتانامو

ثالث تراجع يثير غضب المنظمات الحقوقية

TT

قال مسؤولون أميركيون إن الرئيس الأميركي باراك أوباما سيعيد إحياء محاكمات غوانتانامو التي كانت تجري في عهد سلفه بوش، ولكنه في نطاق محدود وتوفير حماية قانونية للمشتبه بهم. وكان أوباما، الذي انتقد هذه المحاكمات من قبل، قد علق عملها بعد ساعات من توليه منصبه في يناير (كانون الثاني) الماضي حيث أصدر أوامره بمراجعة هذا النظام، غير أنه لم يُلغِه. وستظل المحاكمات العسكرية مجمدة لأربعة أشهر أخرى إلى أن تقوم الإدارة الأميركية بتعديل النظام القضائي الذي من المتوقع أن يتم من خلاله محاكمة أقل من 20 من 241 معتقلا موجودين حاليا في معتقل غوانتانامو في كوبا.

وقد أثار هذا القرار غضب الكثير من المنظمات الحقوقية، التي تقول إن أي محاكمات تجرى في إطار هذا النظام، الذي أنشأه الرئيس جورج دبليو بوش، سوف يُنظر إليها على أنها معيبة. وتشير هذه المنظمات إلى أن الرئيس أوباما يرتكب نفس الأخطاء التي ارتكبها سلفه بوش. ويأتي هذا الإعلان في أعقاب إجراءات أخرى اتخذها أوباما وكانت مبعث إحباط لدى الحلفاء الليبراليين داخل إدارته، ولكنها أسعدت مناصري بوش، ومن بين هذه الإجراءات قرار أوباما منع نشر صور لمعاملة سيئة زعم أن المعتقلين تعرضوا لها على أيدي جنود أميركيين، وكذلك قراره الإبقاء على خيار استخدام شكل محدود من عمليات نقل المشتبه في قيامهم بأعمال إرهابية إلى دولة ثالثة للتحقيق معهم.

وأكد مسؤولون في البيت الأبيض أول من أمس أن أوباما لم يتراجع عن تعهده خلال حملة الانتخابية، وقال مسؤول في الإدارة إن الرئيس «لم يتعهد يوما بإلغاء» اللجان العسكرية، ولكن، دعا أوباما أكثر من مرة إلى إجراء تعديل. وقال أوباما في أغسطس (آب): «حان وقت توفير حماية أفضل للمواطنين الأميركيين ولقيمنا عن طريق ضمان عدالة سريعة ومؤكدة للإرهابيين من خلال محاكمنا وقانون العدالة العسكرية الموحد».

ولا تزال الإدارة عاقدة العزم على مقاضاة بعض المعتقلين داخل معتقل غوانتانامو أمام محاكم فيدرالية كما تعهد أوباما. ولكن خلص مسؤولون إلى أن عددا قليلا يمكن أن يُحاكَم أمام لجان عسكرية، حسب ما قاله مسؤول على اطلاع بالقرار، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه. وستقوم الإدارة بتحديد التعديلات الرئيسية على نظام اللجان العسكرية.

ويقول غابور رونا المدير القانون الدولي لمنظمة «هيومان رايتس فريست»، إنه لا يُحتمل النظر إلى المحاكمات أمام اللجان العسكرية على أنها أشكال شرعية من تحقيق العدالة. وأضاف: «يعلم الجميع أن اللجان العسكرية تمثل فشلا كئيبا، وستكون نتائج القضايا محل شكوك في جميع أنحاء العالم، ويعد الاستمرار في ذلك خطأ فادحا». ولكن، على الجانب الآخر، أثنى تشارلس ستيمسون، وهو مسؤول سابق في إدارة بوش كان يشرف على شؤون المعتقلين داخل البنتاغون، على مقترح أوباما، وقال إن من شأنه أن يُفضي إلى تغيير على نظام اللجان العسكرية مع الحفاظ عليه. وقال ستيمسون: «إنها بداية جيدة، وكلما اقتربوا من المحاكمات العسكرية كان الوضع أفضل». وأضاف: «يجب أن يتعلموا من الأخطاء التي ارتكبتها إدارة بوش، وبعد ذلك أن يدافعوا بفخر عن اللجان العسكرية». وتحت نظام اللجان العسكرية، حصل المسؤولون العسكريون على ثلاث إدانات خلال ثمانية أعوام، ويجري النظر في اتهامات موجهة إلى 21 متهما. ولم يتم البتّ في خطط لمحاكمة أكثر من 200 آخرين. وتقول إدارة بوش إن تعديلاتها سوف تحسن من النظام، وتمنع من استخدام أي من الأدلة التي تم الحصول عليها قسرا، كما أنها سوف تضع قيودا على استخدام الأدلة التي لم يتسنَّ التثبت من صحتها. وتعطي التعديلات المعتقلين قدرا أكبر من الحرية في اختيار المحامين، حسب ما يقوله المسؤول الأميركي.

ولكن ينظر منتقدون داخل وخارج الحكومة الأميركية إلى التعديلات على أنها مجرد تعديلات شكلية. ويمثل إعلان اليوم آخر محاولة يقوم بها الرئيس لحل المشكلة التي تتعلق بما يجب القيام به مع المعتقلين الموجودين داخل معتقل غوانتانامو في كوبا. وأمر الرئيس أوباما خلال الأسبوع الأول من توليه مهام منصبه رسميا، بتعليق المحاكمات التي تجري في إطار اللجان العسكرية لمدة 120 يوما، وبعد ذلك أعلن أنه سوف يغلق معتقل غوانتانامو خلال عام.

ولكن أرجأت الإدارة قرارات قانونية وسياسية تحفوها مشكلات. وعند مراجعة المسؤولين لقضايا المعتقلين وبالنظر إلى تبعات تحويل المحاكمات إلى محاكم فيدرالية، خلصوا إلى أنه يجب الإبقاء على اللجان العسكرية كخيار مطروح. ويقول المسؤول الأميركي: «نظروا إلى جميع القضايا، وعقدوا مقارنات وقرروا أن اللجان العسكرية هي الطريقة المثلى». ولكن، يقول ناشطون حقوقيون إن الإدارة لا يمكن أن تجري تعديلا على اللجان العسكرية يجعل منها تبدو نزيهة. ويقول توم مالينوسكي مدير منظمة «هيومان رايتس ووتش» في واشنطن: «أخشى أن الرائحة المنتنة لغوانتانامو سوف تبقى، وأي شيء يأتي تحت اسم (اللجان العسكرية) سوف يُنظر إليه في مختلف أنحاء العالم على أنه استمرار للنظام القديم». ويقول المسؤول الأميركي إن الإدارة سوف تعلن تعليق المحاكمات التي تجرى أمام اللجان العسكرية لمدة 120 يوما أخرى، وبذلك تمنع استئناف الإجراءات القانونية حتى نهاية منتصف سبتمبر (أيلول). وسوف تنظر الإدارة في إجراءات أكثر أوصى بها مشرعون. يُذكر أن نظام اللجان العسكرية تَعرّض للنقد من جانب نشطاء حقوقيين وبعض المسؤولين العسكريين.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»