المغرب عشية الانتخابات البلدية: ضرب تحت الحزام في مراكش.. وجدل بشأن صحة مذكرة وزارية تمنع البرلمانيين الرحل من الترشح

الأصالة والمعاصرة: رئيس الوزراء ووزير الداخلية نفيا صدورها

TT

على بعد اقل من شهر على موعد الانتخابات البلدية، المزمع تنظيمها يوم 12 يونيو (حزيران) المقبل، تبدو الأجواء السياسية المصاحبة للاستحقاق الانتخابي المنتظر ملبدة بالغيوم، ومفعمة بعمليات خلط الأوراق.

فقبل أيام قليلة، بدأت حملة انتخابية استباقية في مراكش، توجت بعملية ضرب تحت الحزام، في حق عمدة المدينة، عمر الجزولي.

إذ نشرت مجموعة من الصحف تصريحات أدلى بها شاذ جنسيا، زعم انه مارس الجنس مع العمدة مقابل مبلغ قدره 500 درهم، وهو ما نفاه العمدة الجزولي، واعتبره مجرد تصفية حسابات انتخابية. وتلقت الأوساط السياسية في المغرب باشمئزاز ما تعرض له عمدة مراكش، جراء الانحطاط الأخلاقي الذي أصبح يميز السلوك الانتخابي.

وقبل ذلك، أدلى فؤاد عالي الهمة، عراب حزب الأصالة والمعاصرة، الحديث النشأة، بتصريحات نهارا جهارا، مفادها أن الحزب الجديد هو مشروع ملكي، الأمر الذي أثار حفيظة باقي الأحزاب، التي اعتبرت أن ملك المغرب ملك للجميع، وليس ملك حزب معين، ولو كان حزب، من اصطلحت الصحف على تسميته «صديق الملك». وواصل الهمة سرعته القصوى، التي انطلق بها منذ مغادرته وزارة الداخلية، بعد أن ظل منذ صيف 1999 الرجل الثاني في الحكم المغربي، حينما أطلق وابل انتقاداته، بشكل لم يكن منتظرا، ضد صديقه رجل الأعمال، ووزير الفلاحة والصيد البحري، عزيز اخنوش، قالت مصادر مطلعة، إن سببها يعود إلى تراجع اخنوش خطوات إلى الوراء عن الانخراط في حزب عالي الهمة، بعد شكوى تقدم بها مصطفى المنصوري، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، ورئيس مجلس النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان)، إلى الدوائر العليا، باعتبار أن اخنوش تم استيزاره تحت يافطة «التجمع»، وبالتالي عليه أن يحترم التزاماته الحزبية. هذا مع العلم أن «التجمع» و«الأصالة» يربطهما تحالف يتجسد في تشكيلهما لفريقين موحدين في غرفتي البرلمان . ويبدو أن الرسالة كان لها مفعولها، إذ سرعان ما تلقى اخنوش إشارة من أعلى تطلب منه الابتعاد عن«الأصالة والمعاصرة»، والاستقرار في مربض خيله التجمعي. في سياق ذلك، واصل حزب عالي الهمة سباق المسافات الطويلة والمتوسطة والقصيرة، لاكتساح البلديات، من خلال استقطاب منتخبين وعمد وبرلمانيين ينتمون لأحزاب أخرى، لكن الرياح جرت بما لا تشتهيه سفن«الأصالة والمعاصرة»، فقد أربكت الحكومة، وفق ما ذكرته الصحف، حسابات «الوافد الحزبي الجديد»، حينما تبنت مذكرة لوزير الداخلية، تمنع، بمقتضى الفصل 5 من قانون الأحزاب السياسية، على المنتخبين الذين ترشحوا وفازوا في الانتخابات التشريعية، التي جرت يوم 7 سبتمبر(أيلول) 2007 ، تحت لون حزب معين، أن يترشحوا في انتخابات 12 يونيو(حزيران) المقبل تحت يافطة حزب آخر، وذلك لقطع الطريق أمام النواب والمستشارين الرحل، حتى لا يغيروا ألوانهم السياسية عشية الانتخابات .

وكان حزبا الحركة الشعبية المعارض، والتقدم والاشتراكية، المشارك في الحكومة، قد تقدما بشكوى جراء التحاق عدد من نوابهما ومستشاريهما بحزب الأصالة والمعاصرة. وبينما بدت الحركة الشعبية الرابح الأكبر من المذكرة الوزارية، ظهر للعيان أن «الأصالة والمعاصرة» هو الخاسر الأكبر منها، باعتباره الحزب الوحيد، الذي سارعت قيادته إلى توجيه رسالة إلى عباس الفاسي، رئيس الوزراء، وشكيب بنموسى، وزير الداخلية، وعبد الواحد الراضي، وزير العدل، تطالبهم بالتراجع عن تطبيق المذكرة، التي يعتقد أن الحكومة أقرتها، التي تمنع البرلمانيين الرحل من الترشح في الانتخابات البلدية.

ولم يكتف حزب الأصالة والمعاصرة بالمطالبة بالتراجع عن تطبيق المذكرة، بل ذكرت العديد من وسائل الإعلام المغربية، انه هدد بتقديم أعضاء في مجلس النواب استقالتهم في حالة تطبيق هذه المذكرة، وذلك دفاعا عن آلياته الانتخابية، التي يشكل البرلمانيون والعمد الرحل نواتها الصلبة، وهو ما اعتبره المراقبون تلويحا من عالي الهمة بإسقاط حكومة عباس الفاسي، التي يساندها حزبه.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن اجتماعا احتضنه أخيرا القصر الملكي في فاس، وترأسه العاهل المغربي الملك محمد السادس، قبيل سفره إلى باريس في زيارة خاصة، وحضره وزير الداخلية، وقائد الدرك الملكي، والقيادات الأمنية والاستخباراتية، ووزير العدل، الذي يشغل في نفس الآن، منصب الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، تم خلاله بحث موضوع الانتخابات البلدية.

وقال مصدر مطلع لـ«الشرق الأوسط»، إن المسؤولين سمعوا من العاهل المغربي توجيها أكد فيه على ضرورة الحرص على تطبيق القانون بلا هوادة، حتى تمر الانتخابات في كامل الشفافية والنزاهة. كما سمعوا رسالة واضحة مفادها أن ملك المغرب هو ملك الجميع، وان الأحزاب السياسية سواسية بالنسبة له. إلى ذلك، أكد حزب الأصالة والمعاصرة أمس أنه «لا يحق لأي كان أن يسقط قراءته الخاصة على مقتضيات المادة الخامسة من قانون الأحزاب السياسية»، وذلك باعتبارها مهمة موكولة للمؤسسات القضائية المحددة في الدستور بدقة، علما بأن المبدأ المتعامل به في هذا الباب، هو مبدأ حرية الاختيار والانتماء.

وأشار البيان إلى أن المكتب الوطني للحزب «اطلع باستغراب على خبر مفاده أن مجلس الحكومة المنعقد صباح الأربعاء 13 مايو(أيار) 2009 ناقش، خارج النقط الواردة في جدول أعماله وبشكل لا يحترم الإجراءات المعمول بها، مشروع دورية لوزير الداخلية، متعلقة بمراقبة شرعية الترشيحات للانتخابات المقبلة، حيث اعتمد تأويلا خاطئا ومقصودا لمقتضيات المادة 5 من القانون المتعلق بالأحزاب السياسية، وذلك بتخويل السلطة الإدارية حق رفض تلقي الترشيحات الصادرة عن برلمانيين باسم حزب آخر، غير الحزب الذي انتخبوا باسمه».

وأوجد بيان «الأصالة والمعاصرة» حالة من الالتباس والارتباك، وطرح تساؤلات بشأن مدى صحة صدور مذكرة وزير الداخلية، ذلك انه أشار إلى أن الأمين العام للحزب وافى كتابيا كلا من رئيس الوزراء ووزيري الداخلية والعدل، بموقف الحزب «الرافض لهذا التصرف»، وذكر البيان أن رئيس الوزراء، ووزير الداخلية نفيا صدور أية مذكرة في الموضوع.

وأوضح حزب الأصالة والمعاصرة أنه «في حالة ثبوت ما راج حول تأويل مقتضيات المادة 5 من قانون الأحزاب السياسية، فإن الحزب يذكر بأنه لا يحق لأي كان أن يسقط عليها قراءته الخاصة»، معربا عن استغرابه «اللجوء، وفي هذا الظرف بالذات، إلى التلويح بتأويل مغرض للمادة 5 من قانون الأحزاب، كونه ينطوي على محاولة تشويش يائسة لإجهاض عملية تأهيل الحقل الحزبي ببلادنا».

ومن جهته، قال الحبيب بلكوش، عضو المكتب الوطني للحزب ، إن المادة 5 من قانون الأحزاب السياسية، تهم الانتخابات البرلمانية وليس البلدية.

وأضاف بلكوش أن حزبه يأمل في أن تقوم الحكومة بتحمل مسؤوليتها، وإصدار بيان رسمي للرأي العام، لتوضيح موقفها بهذا الشأن.

وتساءل بلكوش باستغراب: «كيف يمكن لحزب مشارك في الغالبية، أن يكون مهمشا في تتبع مثل هذه القضايا؟»، ملمحا إلى أن الانسحاب من الغالبية يظل واردا إذا تطلب الأمر ذلك، قبل أن يضيف أن كل الاحتمالات ممكنة، وتظل رهينة بتطورات الموقف السياسي.

واعتبر بلكوش أن حزبه ليس الوحيد المعني بظاهرة البرلمانيين الرحل، مشيرا إلى أن الأمر يهم كذلك أحزابا مشاركة في الائتلاف الحكومي الحالي، وان الخريطة السياسية المغربية مبنية على أساس هذه الظاهرة.